بعد اقل من اسبوعين تنتهي ولاية مجلس النواب بلا اي ذعر من فراغ محتمل في السلطة الاشتراعية. اعاد صدور مرسوم العقد الاستثنائي للمجلس انتظام ادوار المؤسسات الدستورية تبعا لما تبقى من المدة الفاصلة عن نهاية الولاية
ما بين 19 حزيران و20 منه، وهي ساعات رشحت البلاد للانتقال من واقع دستوري الى نقيضه، من برلمان شرعي الى فراغ عائم، لن يتغير الكثير على مجلس النواب الذي سيثابر على عمله كأن شيئاً لم يتغير. يستمر في الولاية الممددة المنصوص عليها في القانون الجديد للانتخاب، المزمع اقراره، الى اوان الانتخابات النيابية التي لا يزال الغموض يحوط بموعدها وبالمدة المحتملة لتمديد الولاية: خريف 2017 ام ربيع 2018؟ قد يكون من المبالغ به، في مفاوضات الايام الاخيرة بعدما استرجعت منذ الخميس حرارتها، الاعتقاد بأن مناقشة التفاصيل التقنية مرتبطة حصرا بآلية اجراء الانتخابات واحتساب عتبات تأهل اللائحة للحصول على مقعد، ومن ثم احتساب عدد المقاعد التي تستحق ان تحوزها وصولا الى تحديد الفائزين بالمقاعد وفق الصوت التفضيلي، كما لو ان التفاصيل التقنية هذه هي كل ما ينقص مشروع القانون كي يكتمل ويصبح صالحا للتطبيق.
الى اهميتها ــــ وهي تشكل ايضا هدفا في ذاته ــــ ثمة ما يوازيها تأثيرا يقتضي توفير اوسع توافق حوله، هو التحالفات الانتخابية. على مر تاريخ الانتخابات النيابية قبل الحقبة السورية، عملت الحكومات المتعاقبة على وضع قانون الانتخاب، راح في ضوئه الافرقاء كتلا واحزاباً وعائلات ينظمون تحالفاتهم عشية اجراء الانتخابات النيابية العامة. في حقبتها، دمجت دمشق ما بين القانون والتحالفات، وعمدت بنفسها الى تركيب لوائحها كي تفوز في نهاية المطاف بهدفين متلازمين: وضع الغالبية النيابية بين يديها، ومنح حلفائها اكبر عدد من المقاعد تبعا لجشعهم ــ واحيانا ارغام بعضهم على الائتلاف مع البعض الآخر ــــ بغية احكام سيطرتهم على المعادلة السياسية الداخلية.
على ان الانتخابات النيابية المقبلة، خريف 2017 او ربيع 2018، ستجد نفسها امام وقائع مستجدة مختلفة تماما، تضع الافرقاء الرئيسيين امام مجازفات وربما تقديرات غير صائبة، ما يحتم عليهم ارساء تحالفات انتخابية مبكرة، مرتبطة الآن بجولات التفاوض على القانون الجديد للانتخاب، وحيال نظام تصويت غير مجرّب قبلاً هو الاقتراع النسبي.
ابرز الوقائع المستجدة:
1 ــــ للمرة الاولى منذ انتخابات 2005 ومن ثم انتخابات 2009، لن يشهد لبنان استحقاقا طرفاه قوى 8 و14 آذار اللذان تبخّرا وباتا في العدم. ما يعني ايضا ان الشعارات التي خاض فيها هذا الفريق او ذاك انتخابات 2005 و2009 لم تعد مجدية، او ذات فاعلية يسهل من خلالها اجتذاب المقترعين اليها. من تلك، شعارات المحكمة الدولية والعدالة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام حزب الله بالجريمة، ناهيك بالشعار المقابل وهو استهداف سلاح المقاومة. هي اول انتخابات نيابية خارج الاصطفاف الذي نشأ عام 2005، واطلق رصاصة الرحمة عليه وجود الرئيس ميشال عون على رأس الجمهورية والرئيس سعد الحريري على رأس حكومته. ومع ان الاول من قوى 8 آذار والثاني من قوى 14 آذار، في اول ثنائية سلطة متوازنة مذذاك بين الاصطفافين، بيد ان احدا لا يشعر بأن الحكم يمر من خلال فريقيهما. من اجل ذلك تذهب البلاد الى انتخابات لا شعارات لها، ولا «قضية» تحملها. انها انتخابات فحسب كما يجب ان تكون.
2 ــــ للمرة الاولى ايضا منذ استحقاقي 2005 و2009 لا يخوض اي من الاصطفافين السابقين معركة الاستيلاء على الغالبية النيابية. بسبب انفراط عقد فريقي 8 و14 آذار، لم تعد الغالبية النيابية هدفاً في ذاته ولا وسيلة لوضع اليد على الحكم والنظام. بل لم يعد منذ انتخابات الرئاسة في تشرين الاول المنصرم وتأليف حكومة جديدة منبثقة من التسوية تلك ثمة مَن يتحدث هنا او هناك عن تطلعه الى الوصول الى الاكثرية النيابية وقهر الآخر واسقاط مشروعه والغائه.
3 ــــ للمرة الاولى ايضا وايضا، ليس منذ انتخابات 2005 بل منذ انتخابات 1992 مطلع الحقبة السورية، تبدو البلاد على وشك استعادة تجربة خبرتها للمرة الاولى في انتخابات 1972 ــــ وان في ظل قانون تعود احكامه الى عام 1960 ــــ حينما تفكك اصطفافا الستينات وانهارا تماما بسقوط تجمعي «النهج» و«الحلف الثلاثي»، فاذا التحالفات الانتخابية بعد سنتين من انتخابات الرئاسة عام 1970 تعيد البرلمان كتلا صغيرة، مستقلا بعضها عن بعض، تتعاون احداها مع الاخرى بالمفرّق لا بالجملة، على القطعة ليس الا. حينما نشأ مجلس 1972 على الصورة تلك ـــ وظل الاقطاب التاريخيون اياهم في مواقعهم وعلى رؤوس كتلهم وبالتوازنات المحلية الطائفية والمناطقية نفسها ــــ إعتبر ما حدث انقلاباً برلمانياً، وقيل آنذاك ان البلاد دخلت حيزاً سياسياً مختلفاً بعد تهاوي شعارات حقبة الستينات التي بدأت من كسروان ومرّت بمخيمي صبرا وشاتيلا والجنوب ولم تنته في دمشق والقاهرة، رغم ان قانون الانتخاب كان نفسه لاكثر من عقد من الزمن مضى ونظام الاقتراع الاكثري اياه لم يتغير. غير ان ما افضى الى انتخابات 1972 ان الاقطاب اولئك ذهبوا الى التسويات الوطنية الصغيرة عوض الرهان على التسويات الاقليمية الكبيرة التي كانت جزءا لا يتجزأ من نشوء «النهج» و«الحلف الثلاثي».
على نحو مماثل، وان في ظل قانون جديد للانتخاب ونظام اقتراع غير مجرّب قبلا، تشي الانتخابات النيابية المقبلة بالذهاب الى حقبة مختلفة عن تلك التي ادارتها دمشق (1992 ــــ 2000) والتي ادارها اصطفافا 8 و14 آذار (2005 ــــ 2009). بل سيكون اللبنانيون هذه المرة امام مشهد لم يتصوروا يوما انهم سيكونون قبالته. الداخل يتلاعب بالداخل. انتخابات حلفاء ليس فيها متنافسون ولا خصوم ولا اعداء حتى. لكلٍ حليف، وحليف الحليف، بيد انهم يقيمون جميعا في صحن القانون الجديد: التيار الوطني الحر حليف القوات اللبنانية وحليف حزب الله الذي يناوىء حليف الحليف، والحزب في الوقت نفسه حليف الرئيس نبيه بري المختلف مع التيار الوطني الحر لكنه حليف النائب سليمان فرنجيه الذي يناصب التيار الوطني الحر العداء لكنه في الوقت نفسه حليف تيار المستقبل الذي بات بدوره حليف التيار الوطني الحر. حزورة الانتخابات المقبلة.
وحده النائب وليد جنبلاط حليف الجميع، لكن على طريقته فقط، من غير ان يكون لديه او يحتاج حتى الى حليف الحليف.