IMLebanon

إنتخابات 2017: طوائف تحت السيطرة!

الأرجح أنّ «الشغل» الحقيقي في قانون الانتخابات «ماشي» «تحت الطاولة»، وأنّ القليل يُناقَش فوقها. وباستثناء صراخ النائب وليد جنبلاط، لا تُسمَع اعتراضات ذات شأن من داخل النادي.

كان كثيرون يتوقّعون مساراً صدامياً حول كلّ الملفات بين الثلاثي الطوائفي الذي تعاقَد على الصفقة الحالية: الشيعي والسنّي والمسيحي. والسخونة الزائدة كانت منتظَرة على جبهة عون ـ بري، حيث جرى الحديث كثيراً عن «الكيمياء المفقودة»، وأُطلِق العنان لتحليل ما يقصده رئيس المجلس بـ«الجهاد الأكبر».

عملياً، سادت الأسابيع الأولى من العهد لعبةُ تجاذبٍ عنيفة لجأت إليها القوى الشيعية والمسيحية خصوصاً، وخلالها رُفع سقفُ المطالب والشروط إلى الحدّ الأقصى. ولكن، يبدو أنّ النهاية جاءت سعيدة، فولِدت الحكومة ضمن تسوية متكاملة تَحفظ للجميع أن يحقّقوا المكاسب في اللعبة، ضمن حدود الواقعي والمقبول، والتخلّي عن الطموحات الكبيرة.

الثغرة التي اعترَت التسوية هي استثناؤها الموقعَ الدرزي التقليدي. فمعادلة التسويات بعد «إتفاق الطائف» بقيَت ثنائية، شيعية ـ سنّية، في غياب العامل المسيحي. وفي هذه المعادلة، اضطلع جنبلاط بدور وسيطٍ له حصّة من الأرباح. وهذه المعادلة كرَّسها السوريون لكنّها بقيَت قائمةً على رغم خروجهم في 2005.

إذاً، حافَظت المعادلة الجديدة على الدورَين السنّي والشيعي، لكنّها أعادت الاعتبار إلى العامل المسيحي، فيما عاد العامل الدرزي خطوات إلى الوراء، ما أثار «قلق الطائفة». وربّما أراد الوزير السابق وئام وهّاب إطلاقَ رسائل مختلفة الاتّجاهات من تهديده بـ«هدم الهيكل على الجميع»، ولكن كان لافتاً استنفار وهّاب، كما جنبلاط، دفاعاً عن موقع الطائفة.

التسوية التي استولدت الحكومة ترجَمها الهدوء السياسي والإنتاجية المفاجئة في ملفات «دسمة» وحسّاسة، بدءاً من الجلسة الأولى. وهي ظهرت في الالتفاف الفريد من نوعه حول جولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الخليجية. وعلى الأرجح ستتواصل في التوافقات المقبلة حول ملفات أخرى، كالاتصالات وسواها، والتعيينات، وخصوصاً في الانتخابات النيابية.

المتابعون لملفّ الانتخابات يتحدّثون عن توافق الأركان الثلاثة المعنيّين بالتسوية، الشيعي والسنّي والمسيحي، على انتهاج مسار يؤدي إلى حفظ مواقع كلّ منهم في شكل متوازن في المجلس النيابي المقبل، وتحديداً لجهة تحسين التمثيل المسيحي، مع الأخذ في الاعتبار موقع جنبلاط. وبناءً على هذه المسلّمة، سيتمّ التفاهم على قانون الانتخاب.

في التمثيل الشيعي، ليس هناك قلقٌ لدى «حزب الله» أو حركة «أمل» من أيّ صيغة لقانون الانتخابات. فالواقع الجغرافي والديموغرافي الشيعي، معطوفاً على ما يملك «الثنائي» من أوراق، يَجعل اللاعبَ الشيعي الأقوى في الانتخابات، أياً كان القانون. لكنّ النسبية تَمنحه هامشاً من التحكُّم بالساحات الأخرى.

وأمّا في الوسط السنّي، فالواضح أنّ هناك توافقاً على دعمِ الحريري لتمكينه من استعادة القيادة الأولى على رأس الطائفة، والتضييق على محاولات استيلاد زعامات جديدة ظهرت داخل «المستقبل» في مراحل غيابه عن الساحة. ويعني ذلك أيضاً «إراحة» الحريري من أزماته، تدريجاً.

وربّما تؤدي «إزالة الإلتباسات» بين لبنان والسعودية دوراً أساسياً في تحقيق هذا الهدف. فلطالما كان الرصيد السعودي غطاءً لنموّ الزعامة الحريرية في لبنان. وقد أيقنَ السعوديون أنّ احتفاظهم برصيد على الساحة اللبنانية ضروريّ للتوازن الإقليمي، خصوصاً مع استمرار الرئيس بشّار الأسد على رأس السلطة في سوريا.

ويَعتقد المتابعون أنّ التفاهم الآتي سنّياً سيَعتمد القاعدة الآتية: الحريري هو الأقوى، ومعه تمثيل مقبول للقوى السنّية الوسطية أو الحليفة لـ«حزب الله» في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا والبقاع الغربي وإقليم الخروب. وأمّا القوى السنّية «المتشدِّدة»،أي تلك التي تأخذ على الحريري مهادنتَه «الحزب»، فسيتمّ تطويقُها وتعطيل وصولِها إلى المجلس المقبل.

أمّا على المستوى المسيحي، فواضح أنّ الثنائي، «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» سيسعى إلى تحصيل الحصّة الأكبر في المجلس، مع ما يقتضيه الأمر من تسويات مع القوى المسيحية ذات الأوزان الانتخابية في الدوائر المختلفة، وخصوصاً في بيروت وجبل لبنان.

ولكن، وكما يعمل «الثنائي الشيعي» للحفاظ على حلفائه في الساحة السنّية، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» سيَحرصان على انتخابات لا تؤدّي إلى إقصاء الحلفاء المسيحيين الذين يمتلكون تمثيلاً شعبياً في مناطقهم، كالنائب سليمان فرنجية وزعامات عدّة.

وفي الخلاصة، ليس هناك توجُّه لاعتماد قانون للانتخابات على قياس زعامة معيّنة، أو طائفة معيّنة، بل قانون انتخابات على قياس زعماء الطوائف جميعاً، المتعاقدين ضمن الصفقة: الثنائيان الشيعي والمسيحي والحريري، مع ضمان موقع مقبول لجنبلاط الذي لا يستطيع أحد أن يتحمّلَ مضيَّه في التصعيد.

وبهذا، لن تكون انتخابات تُقفِل الطريق على التنوّع السياسي داخل الطوائف فحسب، بل تُقفلها على المنتفضين خارجها، أي أمام ناشطي المجتمع المدني. فهولاء يَحلمون بتكرار تجربةَ انتخابات بلدية لو سادها النظام النسبي لأوصَلتهم أقوياءَ إلى المجالس البلدية. ونموذج بيروت هو الأبرز.

الانتخابات التي يجري التحضير لها تضع الطوائفَ كلّها «تحت السيطرة». والظاهر أنّ الوقت ليس وقت التغيير، حتى من داخل الطوائف، في البلد الممسوك وغير المتماسك!