IMLebanon

الانتقال بالانتخابات النيابية من بيت الداء إلى مصدر كل دواء

 

كتب الدكتور سمير حسن عاكوم:

 

بالرغم من تحفظنا المسبق على قانون الإنتخاب المعمول به، لعدم دستوريته وقانونيته وعدم توافقه مع المبادئ الدستورية وميثاقية مقدمة الدستور، وكونه صدر عن مجلس نيابي ممدد له بصورة غير شرعية وفق ما أعلن عنه الرئيس الحسيني في شباط 2020. كان لي شرف التحدي بالترشح الى الندوة البرلمانيّة الأخيرة رغم ضآلة كل الإمكانيات، من هنا أعتبر أن لهذه التجربة ايجابيات كثيرة وعلى رأسها الإطلاع المباشر ومن الداخل على حيثيات «لعبة الإنتخابات في لبنان» ليتبين لي أن هذه العملية التي تأخذ العنوان الديمقراطي شأنها شأن كل مكونات البلد مفصلة مسبقًا ومعقدة عن قصد لتحقق خدمة زعامات سلطة المحاصصة وبعيدة عن قياس مصالح المواطنين من هنا أعطيتها عنوان «بيت الداء».

 

يسيطر على هذه العملية بالكامل من يمتلك فائض القوة العسكرية والأمنية، اضافة الى من يمتلك فائض القوة المالية والإعلامية، وبالتالي يصبح من السهل للأطراف المسيطرة ابعاد العملة الجيدة المتمثلة برجال الدولة من أصحاب الفكروالمشاريع الوطنية والتنموية والرؤية الإنقاذية.

تتطلب هذه العمليّة من المرشحين ميزانية هائلة، جيوش من المندوبين، ففي قرية صغيرة تحتوي ثلاثة أقلام يتطلب الوضع وجود حوالي 15 مندوبًا ما بين ثابت ومتنقل مع لباس خاص وأمور لوجستية وتغذية ومصاريف تحضيرية، ونجد أنه لدى أحزاب السلطة وغيرها من القوى المستجدة المدعومة ماليًا قدرات مالية خارقة تمكنها من دفع مبالغ تتراوح ما بين ال 50 دولار في مرحلة التحضير وتتجاوز ال 100 دولار للمندوب الواحد خلال اليوم الإنتخابي، نشير الى أن لدى قوى السلطة القدرة على تجنيد أعداد مندوبين تتجاوز هذا الرقم بأضعاف مضاعفة لإستعراض كل مظاهر القوة. وهناك أيضًا مشكلة التنقلات وضرورة حجز سيارات التاكسي واوتوبيسات وغيرها لنقل المواطنين ضمن المدن، البلدات، القرى ومن مناطق الإقامة البعيدة، وبالتالي يضطر المرشح لمتابعة اللوجستيات بعجز بدل من مخاطبة المواطنين والتعرف اليهم.

لن اتطرق الى دفع رشاوى المال الإنتخابي والإعاشات وغيرها التي أصبحت على لسان كل لبناني، ولن اتحدث عن اليافطات العملاقة والصور الضخمة التي تسوق لقدرات خارقة من قبل من أوصل البلد الى ما وصلنا اليه والتي يصل تكلفتها الى أرقام فلكية ومن بتشبه به في هذا السلوك المنحرف، كما أنني لن أتحدث عن تكلفة المقابلات على التلفزيونات الخاصة وتجاوز سعر الدقيقة الواحدة فيها الألف دولار.

نعم، الإنتخابات في لبنان موسم بيع الذمم وموسم الشحن الطائفي البغيض، وموسم التخوين والتكفير وموسم كل أنواع الموبقات، الغائب الأوحد فيها هي البرامج الإنتخابية والمناظرات بين المرشحين لإيقاظ عقول التبعية وعناوين مصلحة المواطن وتطوير بنية الدولة المسلوبة والمغيبة !!!

لا يوجد أي انصاف في التوزيع الملائم والمتوازن لأصوات الناخبين عن كل نائب من نواب الأمة أي من يجب عليه السعى لخدمة كل الشعب بعدالة والإبتعاد عن مفاهيم نواب الزواريب والأزقة الضيقة.

نعم، كل التلفزيونات الخاصة هدفها الوحيد هو الكسب المادي، الغائب الأبرز عن هذه العملية هو تلفزيون الدولة الذي نجح أفرقاء السلطة بتغييبه وشل فعاليته عن قصد لمصلحة أبواقهم الإعلامية الموجهة.

اشير هنا الى أنني اتصلت بثلاث قنوات تلفزيونية على الأقل ولم يستضيفوني كوني لا أملك الأموال المطلوبة ليكون ترشحي في بيئة لم يتسنّ لأبنائها التعرف علي وعلى رؤيتي وبرنامجي الإنتخابي، في حين أن الأطراف الأخرى موجودة وحاضرة يوميًا اعلامًا واعلانًا وخدمات و ….

أضف الى قدرة أجهزة أطراف خفية متعددة للتشويش عليك وترويج شائعات منتصف الليل عن انسحاب لائحتك من الإنتخابات، وتسويات وأخبار ملفقة تكون أنت الغائب الأكبر عنها وعن مصادر من يروجها !!

تناول الدستور والطائف معالجات مهمة لمتابعة مبادئ هذه العملية الإنتخابية من ميثاقية مقدمة الدستور التي تتكلم عن العدالة والإنماء المتوازن واعادة تشكيل المحافظات بشكل متوازن ومتوازي، ليكون الإنتخاب على أساس المحافظة الجديدة، سبق أن أوضحت في مقالة لي في المجلة القضائية دراسة توزيع المحافظات وغيرها من اسس بناء الدولة واعادة تشكيلها وفق الرؤية الدستورية.

آن الأوان الإنتقال الى مشروع الدولة والإنتقال بالإنتخابات النيابية من «بيت الداء الى مصدر كل دواء»، هناك واجب أساسي يتطلب من الجميع السعي للقضاء على كل التعقيدات التي سبق ذكرها، بما يسمح للمرشح التفرغ لمخاطبة عقول منتخبيه، بدل استعراض صوره العملاقة التي يتفوق فيها بمفاتنه، وبما يسمح له بالإبتعاد عن سماسرة الإنتخابات،

 

من الضروري أن يكون هناك «الميغا سنتر» و«البطاقة الإنتخابية» أي «الهوية البيومترية» بما يسمح لكل لبناني مقيم في أي منطقة من لبنان والعالم ممارسة واجبه بسهولة، ووضع بصمته الإنتخابية دون الخضوع للتأثير النفسي والمعنوي الذي يحرف سلوكه المتزن وعقلانيته عن تحمل مسؤوليته في العملية الإنتخابية، من واجب كل من نجح من القوى الثورية والتغييرية والمستقلين المباشرة فورًا بإقرار قوانين تحويل الإنتخابات النيابية الى مصدر لكل دواء، ونعتبر أن أي نائب يروج لترشيح نفسه لتولي مسؤولية في السلطة التنفيذية خائن لكل مبادئ الثورة التي تؤكد على مبدأ الفصل بين السلطات وعلى تشكيل حكومة انتقالية من خارج نمط المحاصصة البغيض المسيطر.

إن النقاط الأساسية المطلوب الشروع بتنفيذها وفق رؤيتنا الدستورية ومن خلال تطبيق الطائف هي:

– ضمان التوازن الطائفي في انشاء مجلس شيوخ يهتم بالقضايا المصيرية لا يتجاوز عديده 33 شيخًا (علاقات خارجية، سياسة دفاعية، تعديل الدستور)

– اقرار اعادة توزيع الدوائر الإنتخابية على أساس 12 محافظة متوازية ومتوازنة (3 في الشمال، 3 في جبل لبنان، 3 في الجنوب، 2 في البقاع، اضافة الى العاصمة بيروت).

– كل محافظة مكونة من قضاءين مع اقرار قانون انتخاب مجالس الأقضية لإدارة شؤون المواطنين بفعالية واقرار قانون عمل اللامركزية الإدارية لتوزيع مهام البلديات ومجالس الأقضية بشكل متكامل مع المجلس النيابي وتحديد مهام المحافظ.

– اقرار الهيئة المستقلة للإنتخابات بعيدًا عن أي تدخل سياسي، ومعايير ومقاييس الإعلام والإعلان الإنتخابي وتحديد حجم وعدد اللوحات الإعلامية ومقاييسها ومخاطبة الشعب بالمناظرات وطرح البرامج الإنقاذية والتنموية، وادارة هذه العملية من قبل تلفزيون لبنان واعادة الإعتبار لدوره الرائد في هذا المجال.

– وقبل كل شيء اقرار قانون السلطة القضائية النزيهة والمستقلة.

نعم ان مهمة الإنتقال بالإنتخابات النيابية من «بيت الداء الى مصدر كل دواء» هي انطلاق لأي تغيير حقيقي في هذا البلد، ويجب الإنتهاء منه بسرعة قياسية خلال الأشهر الأولى من عمر المجلس النيابي، كوني أتوقع له عدم الفعالية وعدم الإمكانية بالإستمرار، لأن الشلل الطبيعي هو نتيجة حتميّة لسيطرة سلطة العجز والتعجيز والتبعيّة، وهو نتيجة حتميّة لسيطرة المفاهيم المنحرفة الحالية.

حمى الله وطننا وشعبنا وهيأ لنا من يحقق آمال الشعب المظلوم…