Site icon IMLebanon

إنتخاب عون كان “ممرّاً إلزامياً” .. والقانون النسبي أيضاً

 

يُنتظر أن يكون موضوع قانون الانتخاب الجديد محورَ الاهتمام الكبير فور ولادة الحكومة التي يؤكّد كثيرون أنّها باتت في الهزيع الأخير إذا ظلّت الإيجابيات طاغية على الاتصالات الجارية لوضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الوزارية.

ويقول معنيّون بالقانون الانتخابي العتيد إنّ البعض يستسهل هذا الملف، أو يتصرّف على اساس انّ الأمور آيلة الى تمديد جديد، تقنيّ أو غير تقني، للمجلس إذا تعذّر إقرار القانون المنشود، او تعذّر إجراء الانتخابات على اساس قانون الستّين النافذ والذي تَرفضه غالبية القوى السياسية علناً وتُسبّح بحمدِه سرّاً، وتريد خوضَ انتخاباتها على اساسه في الربيع المقبل واضعةً العقبات والعراقيل للحؤول دون إقرار قانون الانتخاب الذي يحقّق عدالة التمثيل وشموليتَه لأبناء الشعب اللبناني في مجلس النواب، حسبما تقول “وثيقة الوفاق الوطني” المعروفة بـ”اتفاق الطائف”.

طالعُ المواقف وباطنُها لدى فريق لا بأسَ به من القوى السياسية يؤكّد انّ مِن المستحيل التمديد للمجلس مجدّداً، او إجراء الانتخابات في الربيع المقبل على اساس قانون الستين، خصوصاً بعدما تبيّن انّ الراغبين به يعتقدون أنه يمكّنهم من الفوز بالاكثرية النيابية في المجلس المقبل فيَستأثرون بالسلطة، او على الأقلّ، تترجّح كفّتهم على حساب الآخرين في بلد ثبتَ انّه لا يُحكم إلّا بالتوافق والتسويات.

وفي هذا السياق تتوقف مرجعيات وقيادات وقوى سياسية باهتمام كبير عند قول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته التلفزيونية الاخيرة من انّ قانون الانتخاب الذي يعتمد النظام النسبي هو “الممر الإلزامي لبناء دولة حقيقية”، وذهب بعض هؤلاء الى القول إنّ هذا الموقف يؤكد انّ معركة إقرار مِثل هذا القانون لن تقلّ شأناً عن المعركة التي خيضت لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بعد اكثر من سنتين ونصف السنة من الشغور في سدة رئاسة الجمهورية.

فخلال فترة الشغور الرئاسي وحتى ربع الساعة الاخير الذي سبق انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية كان السيد نصرالله يؤكد انّ عون هو “الممر الإلزامي” لإنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد ثبتَ هذا “الممر” بانتخاب عون بعدما تبنّى الرئيس سعد الحريري ترشيحَه، وتبنّاه قبله رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع.

وقد خصّص السيد نصرالله جانباً من إطلالته للحديث عن قانون الانتخاب الجديد ومزاياه، فاعتبرَه “الممر الإلزامي” لبناء دولة حقيقية”، مؤكّداً أنه “يعطي للقوى السياسية أحجامَها الحقيقية لا الأحجام المضخّمة والوهمية”. وذهب الى حدّ الجزم بأنّ “القانون الوحيد المتاح والذي يمكن التوصّل اليه لتحقيق هذه الغاية هو اعتماد النسبية الكاملة وليس المختلطة، النسبية الكاملة على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او دوائر موسّعة.

واذ اعترفَ السيد نصرالله بأنّ “النسبية تقلل حصَصنا وتصغّر كتلَنا النيابية” أكّد في المقابل “انّ هذا الطريق سيمكّن جميع اللبنانيين من كلّ الطوائف والمناطق من التعبير عن آرائهم، وأن تتمثّل كلّ الاتجاهات السياسية تمثيلاً حقيقياً في المجلس النيابي، ويتحوّل المجلس الإطارَ الذي تُبنى من خلاله دولة حقيقية، لأنه هو الذي يبني الدولة من خلال القوانين وعلى قاعدة الدستور”.

ويقول خبراء في القوانين الانتخابية إنّ النظام النسبي في الانتخابات يؤمّن التمثيل للجميع، كلّ بحسب حجمه الحقيقي، فيتشاركون في بناء الدولة، ولا يكون هناك إقصاء لهذه الشريحة او تلك من اللبنانيين، فيكون عندها النواب نوابَ “الأمّة اللبنانية” فعلاً لا نواب طوائفهم أو مناطقهم فقط، في حين أنّ النظام الاكثري يقصي شرائحَ كثيرة ويَحرمها من التمثيل لأنها قليلة العدد، أو لأنّ مرشّحيها نالوا نسبة اصواتٍ متدنّية او نسَباً قليلة عن الآخرين الذين يفوقونها في العدد والإمكانات.

وفي السياق نفسه يرى سياسيون أن ليس المطلوب انعقاد مؤتمر تأسيسي لإعادة بناء البلد، والذي ما إن لمّح إليه البعض حتى أقام البعض الآخر القيامة ولم يٌقعِدوها بذريعة انّ مثلَ هذا المؤتمر يغيّر وجه البلد ويخلّ بتوازناته السياسية والطائفية والمذهبية، وإنّما المطلوب فقط هو تحقيق المشاركة الجماعية في بناء الدولة عبر التمثيل الشامل للّبنانيين في مجلس النواب، وهو ما نادى به “اتفاق الطائف” الذي كان ولا يزال “حيّاً يُرزق” خلافاً لقول القائلين إنّه “مات وانتهى” غير َمدرِكين أنّه في صلب دستور الجمهورية اللبنانية ولا إمكانية لموته إلا بتعديل الدستور، وهذا التعديل ليس بالسهولة التي يرَونها.

وفي رأي بعض “الطائفيّين” (نسبةً إلى المتمسّكين بـ”اتفاق الطائف”) أنّ البلاد لا تحتاج إلّا إلى تنفيذٍ أمين لنصوص “الطائف” المدستَرة، حتى إذا تبيّنَ فيها شائبة هنا أو هناك يتمّ تطويرها نحو الأفضل.

ويشير هؤلاء “الطائفيّون” إلى أنّ مشكلة لبنان مع صيغة 1943 لم تكن في الصيغة نفسِها وإنما في تطبيقها المشوّه، فلو طبِّقت يومها بعدالة ورحابة وسماحة وانفتاح لَما تولّدَت بعدَها الثورات والحروب منذ العام 1958 وحتى العام 1975، وذلك نتيجة ما أُحدِث على هامشها من “أعراف” وسابقات حرَفتها عن جادة الصواب إلى جادة الخراب.

ومشكلة لبنان الآن مع “اتفاق الطائف” منذ العام 1989 ليست في نصوصه وإنما في التنفيذ المشوّه لها وفي الأعراف التي تُنشَأ على هامشها وتَعوق تنفيذَها بما يؤسس لبناء الدولة القوية العادلة، عبر قانون انتخابي يعطي لجميع اللبنانيين حقّ المساواة ويُشعِرهم بأنّهم ممثّلون” في الندوة النيابية.

فهل سيكون للبنان واللبنانيين مثلُ هذا القانون الذي اعتبرَه السيّد نصرالله “الاستحقاق الحقيقي الذي يأخذنا اليوم إلى بناء الدولة”؟

إنّ غداً لناظره قريب…