معارك انتخابية بعناوين سياسية كبرى والهمّ المعيشي درجة ثانية
قد يبدو الحديث عن الانتخابات النيابية في هذه الظروف في غير مكانه او نوعاً من الترف السياسي، فيما البلاد غارقة في ازمات سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وامنية وقضائية، لكنها في الواقع انتخابات مفصلية سياسياً بسبب العناوين الكبرى التي ترفعها القوى السياسية وشخصيات مستقلة ومن المجتمع المدني المعارضين لأداء السلطات الحاكمة وللاحزاب التي تحكمت بالبلاد والمؤسسات سنوات طويلة.
واهمية الانتخابات تكمن في عدة نقاط وتتمحور حول عدة قضايا اساسية يخوضها كل طرف تبعاً لمشروعه السياسي والاقتصادي – الاجتماعي او حساباته الاقليمية. ولعل ابرز نقطة فيها هي لمن تكون الاكثرية النيابية التي ستتحكم بتشكيل الحكومة الجديدة ما بعد الانتخابات، وفي الانتخابات الرئاسية اواخر العام الحالي. فيما القضايا الكبرى الاخرى المطروحة تتعلق بمسائل استراتيجية خلافية، ومن هنا تُطرح الشعارات والشعارات المضادة في الحملات الانتخابية التي بدأتها القوى السياسية تحت عناوين مناسبات مختلفة، تتخذ الطابع الداخلي ولكنها تطرح فيها قضايا كبرى كمثل مواضيع القرارات الدولية وسلاح المقاومة، وتحشد لهذه العناوين والشعارات الجمهور من هنا وهناك في كل منطقة. ولعل «حرب الدرون والطائرات الحربية» التي استعرت على مدى يومين بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي كانت خير شاهد على حجم الاستثمار السياسي لأي أمر له علاقة بالوضع الاقليمي المتوتر والبالغ حد الانفجار في اي لحظة، برغم التسريبات الايجابية عن المفاوضات الايرانية – الغربية حول الملف النووي الايراني والعقوبات الغربية والصواريخ الباليستية.
لذلك لوحظ ان الحملات الانتخابية تُخاض تحت شعارات لهذا الطرف «بتحرير لبنان من الهيمنة الايرانية على القرار الوطني»، او تحريره «من الهيمنة الاميركية» لطرف آخر، بينما سيغيب عن المشهد الانتخابي – العلني على الاقل – الرئيس سعد الحريري ولو بقي خطاب تيار المستقبل السياسي قائماً من خلال بعض النواب الحاليين او الشخصيات المستقلة المقربين من تيار المستقل ومن خط الحريري السياسي، الراغبين بالترشح «على مسؤوليتهم الشخصية». لكن يبقى غيابه عاملاً مؤثّراً في العملية الانتخابية لجهة حجم تصويت مناصريه، وهو ما ستكشفه صناديق الاقتراع ثاني يوم الانتخاب في 26 ايار.
ستتشكل خريطة سياسية مختلفة الى حدٍّ ما بعد الانتخابات اذا فاز مرشحو المعارضة في بعض الدوائر، ولكن معظم القوى السياسية الاساسية ستحافظ على حضورها القوي في الحياة العامة والسياسية، لذلك فالرهان على التغيير النوعي في تركيبة وأداء السلطات المقبلة النيابية والحكومية والرئاسية مبالغ فيه، طالما ان كل طرف سياسي يحشد جمهوره في المعارك الانتخابية وبشعارات كبيرة ومؤثرة، وتجهد قوى المجتمع المدني والمعارضة الفعلية لجمع شتاتها، بينما القضايا المعيشية والحياتية والخدماتية المتردية تأخذ الحيّز القليل من هذه الشعارات وباتت بمثابة درجة ثانية او ثالثة في الخطاب السياسي، أو «تلوينة» للمشهد، او مسحة تعاطف مع الجمهور المسحوق بأغلبيته العظمى، لكن من دون إجراءات فعلية توقف نزف الرواتب والاجور والبطالة والهجرة الكبيرة لكل الكفاءات والخبرات العلمية والطبية والتمريضية.
ومع ذلك، ما زالت بعض قوى المعارضة المستقلة الحقيقية تسعى لتشكيل لوائح موحدة في كل الدوائر او معظمها، ولوضع برنامج عمل سياسي واقتصادي ومعيشي واصلاحي شامل لها تخوض الانتخابات على اساسه، وقد سُجلت مؤخرا محاولات لقوى المعارضة في المتن وبعبدا وكسروان وعاليه وبيروت الاولى والجنوب والشمال لم تصل الى نتائج بعد، وثمة تحضير لمؤتمر عام يوم السبت المقبل لمجموعات المعارضة، لوضع خريطة طريق لهذه القوى تسير عليها في معاركها الانتخابية لو اتفقت على البرنامج وعلى اختيار المرشحين اصحاب الكفاءة والمبادرات، لكن حسب المعلومات من بعض المعارضين الناشطين فإن المشكلة بين هذه المجموعات ما زالت قائمة وهي الاختلاف على الاولويات وعلى البرنامج وعلى اختيار المرشحين والتحالفات، وحتى على اداء بعض قادة او مسؤولي هذه المجموعات.