تحتدم المعارك الانتخابية مع اقتراب الاستحقاق في ظل غياب رؤية واضحة للخروج من بؤرة الفساد التي ادخلت الوطن والمواطن في نفق الأزمات الحياتية والاقتصادية الطويل.. فترى ان البرامج الانتخابية البنَّاءة قد فقدت قيمتها امام الخطاب الطائفي والاغداق المالي السائدين، والمواطن تائه في دهاليز القانون اللغز الذي أعاد ايّام الحرب المقيتة عبر تقسيم بيروت الى ما يشبه الغربية والشرقية وسائر لبنان الى دوائر تخدم مصالح من فصله وتكرس الطبقة الحاكمة لأجيال قادمة ضمن منظومة التوريث السياسي الرجعية!
في حين كان تطلع اللبناني شطب المذهب عن الهوية في خطوة متقدمة نحو إلغاء الطائفية السياسية التي اعادت مؤسسات الدولة سنين الى الوراء وتكريس العيش المشترك، اصبح الخطاب الطائفي هو السائد لشد العصب والترويج الانتخابي الرخيص في العلن وفي الغرف المغلقة لخدمة المصالح الخاصة…
من جهة اخرى، لا تزال بورصة الأصوات التفضيلية في تصاعد مستمر، الى جانب تذاكر السفر والإقامات للناخبين، في المناطق الحساسة، في حين ان المبلغ الذي يسمح به القانون للمرشح حتى يمول حملته لا يتجاوز المئة وخمسين مليون ليرة.. الا ان الأرقام على ارض الواقع قد تجاوزت المسموح باضعاف حيث يعتبر بعض المرشحين صوت المواطن مطروحاً في سوق العرض والطلب، في حين يعتبر بعض الناخبين ان هذه الفترة قبل الانتخابات هي الفرصة الذهبية لتحصيل بعض من حقوقه المنهوبة من قبل اصحاب القرار، وفي الواقع هي فرصة لتسديد فواتير الكهرباء والماء المضاعفة التي يرزح اللبنانيون تحت عبئها جراء نهب هذين القطاعين، اضافة الى وجوب تسديد فاتورته الصحية المرتفعة باستمرار بسبب التلوث البيئي الناتج عن أزمة النفايات التي تحولت الى مغارة علي بابا!
في هذه الحال، وبعملية حسابية بسيطة، لا بد ان يدرك اللبناني ان قيمة صوته تتجاوز حفنة الدولارات المطروحة لان الفواتير التي يسددها على مدى السنوات الأربع، مقابل اعادة انتاج الطبقة السياسية الفاسدة، هي أغلى بكثير مما يعرض عليه مقابل حرية اختياره.. فهل يصحو ويغتنم فرصة التغيير، ولو الجزئي، ام انه يكتفي بالثمن الزهيد نسبياً كل دورة انتخابات والتي امتدت مؤخرا الى تسع سنوات، على اعتبار ان عصفوراً صغيراً باليد أفضل من عشرة على الشجرة؟
انها قصة مواطن مستنزف وأسير لقمة عيشه وحاجاته الحياتية الاساسية الواقعة في قبضة المتسلطين، الذين أفقروه وأنهكوه حتى بات مطواعاً لخدمة مصالحهم…
فهل ينتفض في السادس من أيار ويخطو الخطوة الاولى نحو تحرير خزينة الدولة وتحرير صوته من بازارات البيع والشراء الممولة من جيبه الخاص أساساً ولكن بطريقة غير مباشرة؟ وهل سينجح اللبناني، كل في منطقته وضمن طائفته، الى دفع زعاماتهم على ممارسة دورها الحقيقي الكامن في خدمة الناس وليس العكس، حتى ينهض الوطن بأبنائه ويستعيد بعضاً من عافيته الاقتصادية؟