IMLebanon

المقاطعة بين 1992 و2022

 

 

جرت الإنتخابات العامة عام 1992، بمُقاطعة مسيحية لافتة، وامتلأت المقاعد النيابية بنوّاب يومها، فاز البعض منهم بالتزكية، لا سيما في المقاعد المسيحية، بسبب هذه المقاطعة ترشيحًا واقتراعًا.

ومنذ أيّام خَلَتْ، فوجئ الشارع عموما، والسنّي خصوصا، بتعليق رئيس تيار «المستقبل» دولة الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي. كذلك تياره السياسي، لأسباب تخصّه لم يُفصح عنها أو يبوح بها.

لا شكّ في أن موقف الحريري آلمَ كثيراً من مُحبّيه، حتى من يناقضوه الرأي، لا سيما أنه شخصيّة معتدلة مُحبّبة، ويكفي أن يكون وريث الشهيد رفيق الحريري.
تخوّف الشارع من أنّ ذلك سيؤدّي إلى مُقاطعة سُنّية للإنتخابات النيابية العامة. وطُرح موضوع الميثاقية بالخّط العريض. وكان السؤال: ماذا لو قاطع تيار»المستقبل» الإنتخابات النيابية العامة، فهل يؤدّي ذلك إلى إفقاد الإنتخابات ميثاقيّتها ؟

فبالعودة إلى أحكام الدستور، وتحديدًا الفقرة «ي» من مقدّمته، والتي تنصّ على أن «لا شرعية لأي سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك». يتبيّن جليًّا، أن مفهوم الميثاقية في حاجة إلى تفسير وإجتهاد.

وجاء تفسير العلاّمة «إدمون ربّاط» للميثاقية عام /1990/ شاملاً ومُقنعًا. حيث إعتبر أن المقصود بالفقرة المذكورة أنه لا تعتبر أي سلطة شرعية، إذا ارتكب أو تصرّف مَنْ يَشغلها بطريقة طائفية أم مذهبية. أي احتكم إلى الأداء وليس إلى كيفية إنبثاق هذه السلطة، وإلاّ لَجاء النصّ: «لا شرعية لأي سلطة تُشكّل أو تنبثِق بشكل مُتناقض مع ميثاق العيش المشترك».

وبعيدًا عن مفهوم الميثاقية وتفسيرها، والتي أساسها يعود إلى العام /1943/، لا بدّ من أن نُجري مُقارنة بسيطة بين إنتخابات عام /1992/ والإنتخابات المُنتظرة ربيع هذا العام، فيما لَوْ تمسّك التيار الحريري بقرار المُقاطعة.

سبب المُقاطعة:
من الثابت أن سبب المُقاطعة عام /1992/ كان مُستندًا إلى إعتبارات دستورية وقانونية صَرْفْ. حيث سجّل المعترضون على قانون الإنتخابات يومها (154 / 1992) مُخالفته لإتفاق الطائف، حيث رفع القانون عدد النوّاب من /108/ إلى /128/، إضافةً إلى أنه قد قسّم الدوائر الإنتخابية، خلافًا لإتفاق الطائف، وبطريقةٍ إستنسابية، خِدمةً لمصالح الوصاية ووجوهها.

فالبنسبة إلى رفع عدد النواب، تمّ عن طريق زرع عشرة مقاعد مسيحية في دوائر إنتخابية مُسلمة، للإستحصال على أكثرية وهمية في المجلس النيابي.
أما لجهة التقسيمات الإدارية، ورغم أن اتفاق الطائف تكلّم عن أن «المحافظة» هي الدائرة الواجب إعتمادها (بعد إعادة النظر في التقسيمات) ذهب المشترع يومها إلى إعتماد محافظة الشمال دائرة واحدة، كما بيروت، وضمّ محافظتَي الجنوب والنبطية، ودَمَجَ قضاءَي بعلبك والهرمل، وقضاءي راشيّا والبقاع الغربي، وأَفْرَدَ لزحلة دائرة مُستقلّة، وبما يتعلّق بمحافظة جبل لبنان، أبقى أقضيتها دوائر انتخابية مُستقلّة.

فهذه الإعتبارات وسواها، وهذه الإستنسابية والمزاجية، دَفَعَتْ ببعض المسيحيين إلى مُقاطعة إنتخابات عام /1992/. أما اليوم فإن مُقاطعة تيار «المستقبل» للإنتخابات المُنتظرة هي بسبب شخصي يخُصّ رئيس «المستقبل»، ولا علاقة له بقانون الإنتخاب، أو كيفية تكوين السلطة.

حجم المُقاطعة:
من الثابت أن مُقاطعة إنتخابات عام /1992/ جاءت من بعض المسيحيين، فشارك في المُقاطعة كلٌّ مِن: «القوّات اللبنانية» و«الكتائب» و«تيّار العماد ميشال عون» (بِشخص الأمير فاروق أبي اللمع) و«الكتلة الوطنية» و«الوطنيين الأحرار» و«حرّاس الأرز» و«التجمُّع من أجل الجمهورية» و«التجمُّع من أجل لبنان» و«حركة 13 تشرين» و«الكتلة الديموقراطية» و«مكتب الجبل» و«حزب التضامن»، وقسم من النوّاب المسيحيين ومنهم «مُنير الحاج» و«نجاح واكيم» و«بيار حلو» و«إدمون رزق» و«جبران طوق» و«شفيق بدر» و«بيار دكاش» و«بطرس حرب» و«ألبير مخيبر». وأيضًا البعض من النواب المسلمين «عبد المجيد الرافعي» و«عبده عويدات» و«حميد دكروب».

وتكلّلت هذه المُقاطعة بمُباركة غبطة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي تبنّاها وكان الأب الروحي لها.

– السلطة التشريعية في لبنان – مجلس النواب الرابع عشر- (1992-1996) رسالة دبلوم في العلوم السياسية – الجامعة اللبنانية 1997. للدكتور لويزا فيليب أبوجبرايل حرب. صفحة /75/ حتى /80/.

أما اليوم، فنحن أمام مُقاطعة تيار «المستقبل» حصرًا، مُقابل دعوة بقية الفعاليات السُنيّة والشخصيات النافذة، وفي طليعتها دار الإفتاء، وسماحة المفتي، والرئيس نجيب ميقاتي، والرئيس فؤاد السنيورة… الى المُشاركة الجدّية في الإستحقاق الإنتخابي.

مع الإشارة أخيرًا إلى أن تيّار «المستقبل» شارك في إعداد وصدور قانون الإنتخابات الرقم 44 / 2017، وشارك في انتخابات عام /2018/ على أساسه. وبالتالي، لا حجّة له على الإطلاق في ما خصّ نصوصه.
وفي الختام، لا بُدّ من الإشارة إلى أن غياب الرئيس الحريري عن الساحة السياسية سيُشكّل فراغًا وطنيًا، ليس فقط على الساحة السُنيّة. فما يجمعنا معه أكثر بكثير ممّا يُفرّقنا عنه. فالوجوه تتغيّر، ولكن لبنان سيبقى صامدًا شامخًا، سيّدًا حُرًّا مُستقلاّ.