Site icon IMLebanon

لجنة قانون الانتخابات: تسليم بالواقع أم تحدي «التراث»؟

بعد إنجاز اللجنة النيابية المكلفة إعداد صيغة قانون انتخابي جديد عَقْدَ اجتماعها الثاني في الأسبوع الماضي، يمكن القول، في الشكل على الأقل، إن اللجنة قد أدركت أن مهمتها جدية بدليل اعتماد أعضائها سياسة الصمت مع وسائل الإعلام بخلاف كل المرات السابقة، وأن انتهاء المهمة محدد بسقف زمني حتى بداية شباط المقبل و «تعطل الفيتوات» في داخلها، باعتبار أن قرار تشكيلها نص على انعقادها بالأكثرية المطلقة (6 من 10) وأنه مهما كانت النتائج التي ستتوصل إليها، فإن هذه القرارات ستكون أمام الهيئة العامة للمجلس ليقول كلمة الفصل فيها.

بالتالي سيوضع قانون الانتخاب على الطاولة من جديد، وفي هذا الأمر الخطوة الأساسية على طريق تحرير مجلس النواب كسلطة تشريعية من مصادرة بعض الكتل لصلاحياته التشريعية وفق ما أُعلن من شروط سبقت انعقاد الجلسة التشريعية الأخيرة.

هل يمكن أن تؤدي العوامل الشكلية التي تسمح بالقول بجدية اللجنة إلى نجاح في مضمون ما ستنتهي إليه؟

يظهر من العودة إلى مناقشات اللجان السابقة، كما في مناقشات الهيئة العامة لمشاريع قوانين الانتخاب، أن النقاش، وتحديداً العُقد الأساسية، كان ينطلق من أساس واحد هو تقسيم الدوائر الانتخابية وعلاقة هذا التقسيم بالتوزيع الطائفي للمقاعد النيابية. ومنذ فتح رئيس المجلس نبيه بري ملف قانون الانتخاب في المرة الأخيرة وما سبقها كان يظهر نمواً مطرداً لتلك العقدة، بعد أن أصبحت عند البعض مرتبطة بالعيش المشترك وميثاق العيش المشترك وحقوق الطوائف… وجميع ما تعنيه المصطلحات الوطنية من مفاهيم.

هنا لا بد من تذكير اللجنة والنواب عموماً بأن تعديل قانون الانتخاب، كلياً أو جزئياً، كما أي قانون، لا مبرر له إلا لأنه لم يعد صالحاً للاستعمال، والحكم في ذلك يكون مبنياً على التجربة. فإذا أخذت اللجنة ومن ثم الهيئة العامة للمجلس بهذه البديهية، ترى أمامها «تراثاً» من قوانين الانتخاب السابقة منتهية الصلاحية، وبذلك يمكن أن تستنبط القاعدة الأولى لعملها وتبني عليها، وهي تتمثل في العزوف عن تجريب المجرب، خصوصاً إذا ما أخذت ردات الفعل التي سببها هذا القانون أو ذاك بعد إجراء العملية الانتخابية.

في هذا الإطار نلفت اللجنة إلى أنه منذ الاستقلال حتى اليوم جُربت حوالي عشرة قوانين وعدد لا بأس به من التعديلات، وكلها كانت «تحت الغربال» وأفرزت تداعيات خطيرة. وإذا كان قانون 1960 قد حظي بعمر طويل، فأسباب ذلك لا تعود، وبالتأكيد، إلى نصوصه أو إلى كونه يحظى بتأييد أكثرية اللبنانيين، إنما لأسباب أخرى لم تعد في معظمها خافية على أحد.

فمن مراجعة ذلك «التراث» نجد أن الدوائر الانتخابية لم تجنح نحو الثبات يوماً، فمن الدائرة على أساس المحافظة، فالمحافظة والمحافظتين، والمحافظة ونصف المحافظة، والقضاء والقضاءين، ومحافظة ومحافظتين، والقضاء والمحافظة، والدائرة الفردية والدائرة الفردية مع الدائرة التي لا تشبه لا القضاء ولا المحافظة أو نصفها، وتبدل عدد النواب من تكوين الدولة من 30 ـ 45 ـ 63 ـ 55 ـ 77 ـ 44 ـ 66 ـ 99 وصولا إلى 128.

إن اللجنة مطالبة بأن تتجاوز الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التغيير، فقانون الانتخاب يعكس التطور ولا يمكن لأحد أن يصدق أن شعباً يمكن أن يتغير ويتبدل بمثل التغيير الذي طاول قانون الانتخاب.

ولكي لا تجهد اللجنة في رصد الأسباب، نلفتها إلى أن ذلك جاء لـ«التوافق» حول أن يكون الاستحقاق الانتخابي خاضعاً لإعلان نتائج الانتخاب قبل إصدار القانون وإجراء العملية الانتخابية.

لذلك فإن حسنت النيات يمكن اختصار نجاح اللجنة والمجلس عموماً، وحتى الكتل والأحزاب، في إصدار قانون مقبول، على الأقل بأن لا تنطلق اللجنة في عملها من المشاريع السبعة عشر المتراكمة أمامها، لتأخذ بما جاء في قرار المجلس الدستوري الرقم 4/96 الذي أبطل فيه قانون الانتخاب غير عابئ بردات الفعل على ذلك الإلغاء والعزوف عن اعتماد صيغة لتقسيم الدوائر الانتخابية كانت قد خضعت للاستعمال سابقاً وأثمرت ما أثمرت من مساوئ وحتى ثورات، وسلاحه ما جاء في ذلك القرار: «أن القانون يجب أن يكون واحداً لجميع المواطنين انطلاقاً من مبدأ إعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية ذاتها في مختلف الدوائر الانتخابية ومن خلال المساواة في محتوى قانون الانتخاب بالنسبة إلى تقسيم الدوائر…»، فهل تترجم كلمات هذا النص في أحكام قانون موعود.. أم أن الرهبة من ذلك المجلس لم تعد تخيف؟