شاع في اليومين المنصرمين احتمال كسر القطيعة المستمرة منذ 22 آذار، كأن يزور الرئيس المكلف رئيس الجمهورية، ويسلم اليه صيغة تشكيلة حكومية جديدة، كما لو ان كل ما حدث بينهما طوال أربعة اشهر انتهى تماماً، وتصالحا وأوشكا على التفاهم
بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة حكومية واحدة منذ اجتماعهما في 9 كانون الاول 2020. بعده، في لقاءاتهما التالية حتى آخرها في 22 آذار الفائت، لم يحدث بينهما سوى تبادل اسماء او تعديل حقائب. مذذاك لم يتزحزح احدهما عن اقتناعاته، وتفسيره صلاحياته الدستورية على نحو كان يفضي حكماً الى الانتقاص من صلاحيات الآخر. قلَّ تواصلهما من دون ان ينقطع بعد 12 كانون الثاني المنصرم، عندما اتهم عون الحريري بـ«الكذب»، قائلاً أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في قصر بعبدا ان الرئيس المكلف لا يريد تأليف الحكومة.
مذذاك لم تتغير وجهة نظر رئيس الجمهورية، ولا يزال الى اليوم واثقاً بأنه كذلك. كلاهما لا يريد الآخر الى جانبه في ما تبقى من الولاية الرئاسية، وهو بالكاد سنة واحدة مع الاخذ في الاعتبار المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الخلف بين آب وتشرين الاول 2022.
بذلك يصبح الخوض المجدَّد في تأليف الحكومة عبثاً، وامراراً للوقت ليس الا. بات من المتعذّر تصوّر استعداد احدهما للمساكنة السياسية مع الآخر، بعدما بالغا في الكره الشخصي المتبادل، وراح كل منهما، كما المحيطون بهما، ينظر الى اي ربح للآخر على انه خسارة حتمية له، وهو مبعث عدم استعدادهما لتنازل الحد الادنى حتى.
اما البديل الوحيد من كل هذا الدوران في الحلقة المفرغة، فبضعة معطيات:
اولها، ان الحكومة الوحيدة المتوقّع ابصارها، في موعد مؤجل حتى الآن، هي حكومة الانتخابات النيابية المقررة بعد عشرة اشهر. لا حديث جدّياً عن هذه قبل النصف الثاني من الشهر المقبل، او ربما في الشهر التالي. حينذاك يصبح الانصراف الى الاستحقاق هو الشغل الحقيقي للحكومة الجديدة، دونما حاجتها الى اجراء اصلاحات لم يعد من المفيد ـ ولا الوقت المتوافر ـ الخوض فيها. ذات مواصفات مختلفة تماماً عن طبعتي الحكومتين اللتين يرومهما رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، او يصدّق الفرنسيون انها سترى النور تبعاً للمواصفات التي وضعوها لها منذ اطلاقهم مبادرتهم في ايلول 2020. تشبه حكومة دياب من غير ان تكون على صورتها وفقدانها اتزانها: وزراء غير حزبيين يختارهم رؤساء الاحزاب مباشرة، ويشكلون هم مرجعيتهم الفعلية في ادارة انتخابات يقتضي بالحكومة ان تكون اداتها فحسب. اهمية انتخابات 2022، انها ستأتي بالبرلمان الذي يُفترض به انتخاب رئيس جديد للجمهورية من ضمن التوازنات السياسية القائمة حالياً.
حكومة انتخابات يؤلّفها رؤساء الاحزاب ليكونوا مرجعيتها الفعلية
ثانيها، من الصعب بمكان افتراض الحريري مستعداً للمضي في حكومة اصلاحات وهو – كما الطبقة السياسية الحليفة والمناوئة له على السواء – على ابواب انتخابات نيابية عامة. كل استحقاق كهذا، على الطريقة اللبنانية، هو عدو حتمي لأي اصلاح. لم يسبق ان خبر اللبنانيون خطوات اصلاحية تسبق انتخابات نيابية. في الغالب يقتضي بتلك ان تلي هذه. ما تعنيه حكومة اصلاحات تؤلف في الاشهر القليلة السابقة للانتخابات النيابية، انها مرغمة على اجرائها تحت وطأة الضغط الدولي، وتبريراً لحمله على مد لبنان بمساعدات لتجنيبه الانهيار. منوط بها استعجال اتمام الاصلاحات الصارمة قبل تحولها الى حكومة مستقيلة غداة الانتخابات هذه.
المغزى الملازم لاصلاح يسبق الانتخابات يشير اولاً واخيراً الى قطع ارزاق الطبقة السياسية الذي هو مثابة قطع اعناق. يصحّ على الحريري كما على حلفائه جميعاً وشركائه في الحكم. ما اعتادت عليه الحكومات المتعاقبة على ابواب هذا الاستحقاق، ان تسخو من مال الدولة على مفاتيحها الانتخابية، وتنفق اموالاً طائلة لاجتذاب الناخبين وتمويل حملاتها، لا ان تمهد لذلك باصلاحات مؤلمة ملزمة وواجبة لتعويم الاقتصاد والنقد الوطني. انعقد مؤتمر سيدر عام 2017 عشية انتخابات العام التالي، المقررة في 6 ايار 2018، كي يصير الى مباشرة الاصلاحات الاقتصادية والنقدية غداة حصولها. اما الذي حصل، الشائع في تقاليد البلاد، فاقرار حكومة الحريري حينذاك سلسلة الرتب والرواتب بالارقام الوهمية التي وضعتها لها، والتوظيفات في الادارة التي ضاعفت في الانهيار المالي.
من ذلك تفهّم المحيطين بالرئيس المكلف اسباب تريثه وتحفظه المقترنين بشروط تعجيزية كي لا يؤلف حكومته في هذا التوقيت بالذات: من دون اصلاحات يتحمّل وزر الانهيار الشامل بعدما تفادى باستقالته في تشرين الاول 2020 تحمّل عبء اندلاع الحراك الشعبي. اما ما لا يريد تكبّده ايضاً من جرائه، فهو كلفته عليه، في الشارع السنّي بالذات، في الانتخابات النيابية المقبلة.
ثالثها، ليس خافياً ان زعماء الكتل والاقطاب بكّروا في التحضير لانتخابات 2022، وفي حسبانهم المحافظة على حيثياتهم الشعبية وقواهم الوازنة داخل البرلمان. لم يعد ذا قيمة ونفع القول بقانون جديد للانتخاب، وقد انقضى عاملاه الرئيسيان وهما الوقت والتفاهم عليه. التعديل الوحيد المرجح حصوله في القانون النافذ منذ عام 2017، واجريت على اساسه انتخابات 2018، تعليق ثان للبند المتصل باقتراع المغتربين لستة نواب يمثلونهم في المجلس.
ذهبت ادراج الرياح افكار قيل انها نوقشت عن احتمال تعديل مهم في القانون، يقضي بإبدال الصوت التفضيلي الواحد بصوتين تفضيليين، دونما التعرض لسائر بنوده الاساسية كدوائره الـ15 والتصويت النسبي واللائحة المقفلة وقصر التصويت على مرشحي الطائفة. بذلك تذهب الكتل الكبرى الى انتخابات بقانون تعرفه وجرّبته، وتتوقّع نتائج مطابقة لما منحها اياه قبل اربع سنوات.