IMLebanon

الآفاق الإصلاحيّة المقفلة!

 

 

ثمّة من يقول إن الوقت الراهن غير مناسب لمناقشة قانون الانتخاب. لا شك أن في هذه المقولة الكثير من الصحة نظراً لتدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والماليّة، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وانهيار القيمة الشرائيّة للعملة الوطنية، واندثار الطبقة الوسطى. بطبيعة الحال، الأولوية دائماً للشأن المعيشي الذي يعلو فوق الاعتبارات الأخرى في لحظة بات مصير آلاف الأسر اللبنانيّة مهدداً بشكل كبير، وأصبحت الهجرة هي القاعدة والبقاء في لبنان هو الاستثناء بالنسبة لكثيرين.

 

ولكن الصحيح أيضاً أن قانون الانتخاب الحالي هو من أسوأ القوانين الانتخابيّة، فهو كرّس الأعراف الطائفيّة والمذهبيّة من خلال الصوت التفضيلي، فشوّه مفهوم النظام النسبي الذي يفترض أن يؤمن حسن التمثيل، فضلاً عن أن ثمّة دوائر إنتخابيّة فُصلت على قياس أحد المرشحين لتأمين فوزه بعد سقوطه في دورات متتالية.

 

النقاش الذي يرتبط دائماً بدور قانون الانتخاب ووظيفته في الحياة الوطنيّة والدستوريّة غالباً ما يُغفل إحدى أبرز وظائف القانون وهي حسن التمثيل الشعبي في الندوة البرلمانيّة، فترى من يريد من القانون تأمين العيش المشترك والوحدة الوطنيّة. صحيحٌ أن قانون الانتخاب هو من أهم القوانين ويأتي في مرتبة بعد القوانين الدستوريّة، ولكن إغفال مسألة حسن التمثيل تشوّه الأهداف المرتجاة من القانون.

 

وبمعزل عن النقاش المتصل بإجراء الانتخابات النيابيّة المبكرة أو عدم إجرائها بعد الرفض القاطع من الثنائي الشيعي، فإن أي قانون يفترض به أن يمنح فسحة من التمثيل للشباب الجديد الذي عبّر عن رفضه للواقع القائم، أو أقله أن يتيح لتلك الشرائح التي تعتبر نفسها غير ممثلة في التركيبة القائمة أن تتقدّم للمنافسة في أجواء من الحريّة والديموقراطيّة والمساواة مع القوى الأخرى؛ وفي الوقت ذاته، ألّا تتحوّل الثورة أو الحراك إلى تأدية أدوار لا تتناسب مع ما رفعته من شعارات تغييرية وترفض الاعتراف بوجود قوى سياسيّة لها تاريخها النضالي ودورها الوطني منذ عقود ولغاية اليوم.

 

لقد صبّ قانون الانتخاب الحالي في مصلحة فئات معيّنة فتورّمت بعض الكتل النيابيّة في حجمها التمثيلي، بينما قلّص القانون إياه الحجم التمثيلي التاريخي لكتل أخرى. لا تكمن المشكلة هنا، فقد يحصل في الأزمان السياسيّة صعود قوى وتعثّر أو تراجع أخرى تبعاً لظروف أو تعقيدات معيّنة. ولكن، عندما تُصاغ قوانين إنتخابيّة بالارتكاز إلى سياسات الإلغاء والتهميش، تختلف المعايير عندئذ وتصبح النتائج مشكوكاً بمضامينها واستهدافاتها.

 

مهما يكن من أمر، المهم النفاذ من بوابة قانون الانتخاب نحو تطبيق إصلاحات طال انتظارها مثل إلغاء الطائفيّة السياسيّة وإنشاء مجلس الشيوخ وتطبيق اللامركزيّة الإداريّة والانماء المتوازن. هذه البنود وردت في اتفاق الطائف الذي أقر منذ نحو ثلاثين سنة وما يزيد.

 

المعادلات واضحة وضوح الشمس. طالما أن قوانين الانتخاب تدور في الحلقة الطائفيّة والمذهبيّة، طالما سيكون التغيير السياسي صعب المنال، وطالما ستبقى اللعبة السياسيّة أسيرة مواقف ورهانات في الداخل والخارج، وهي الرهانات التي تنطلق حصراً من حسابات مصلحيّة وفئويّة خاصة لا تمّت إلى المصلحة الوطنيّة بصلة.

 

القضيّة الأكثر خطورة هي أن موازين القوى تُرسم خارج المجلس النيابي، وخطوطها ترتبط بموازين قوى خارج الحدود طبقاً لصراعات المحاور الاقليميّة. ولكن هذا لا يلغي ضرورة إستكمال الصراع الديموقراطي والسلمي من داخل المؤسسات الدستوريّة مهما تدنّت لدى البعض الثقافة الدستوريّة أو مهما هبط مستوى “رجالات الدولة” الذي أصبح عملة نادرة في أيامنا التعيسة هذه!