تصعيد مسيحي ــ إسلامي بخلفيّة «إضطهاد الـنـاخب المسيحي»
لم يتراجع رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي عن دعوته، لكلّ من لجان الدفاع الوطني والداخليّة والبلديّات، والإدارة والعدل، والمال والموازنة، لعقد جلسة غدًا الأربعاء، الهدف منها مُتابعة درس إقتراحات القوانين الخاصة بالإنتخابات النيابيّة، على الرغم من أصوات الإعتراض الكثيرة التي صدرت عن نوّاب الحِزبين المسيحيّين الأكبر والأوسع تمثيلاً، أيّ «التيّار الوطني الحُرّ و«القوات اللبنانيّة». وترافق الإصرار على عقد الجسلة أقلّه حتى الساعة، مع تراشق كلامي بين نوّاب ينتمون إلى كلّ من «التيّار» و»القوات» وآخرين ينتمون إلى «كتلة التنمية والتحرير» وغيرها، مع إستحضار مُفردات وتعابير من زمن الحرب الأهليّة! فأين يُمكن أن يقود هذا المنحى؟
بحسب أوساط كتلة «التنمية والتحرير» إنّ الدعوة لبحث مجموعة من قوانين الإنتخاب، وتحديدًا لدراسة إقتراح قانون مُقدّم من النائبين أنور الخليل وإبراهيم عازار، وإقتراح قانون مُقدّم من كلّ من النوّاب نجيب ميقاتي ونقولا نحّاس وعلي درويش، وكذلك لبحث ودراسة إقتراح قانون إنتخاب أعضاء مجلس الشيوخ المُقدّم من النائبين أنور الخليل وإبراهيم عازار، هي أكثر من طبيعيّة، ولا تخرج عن الدور الروتيني لمجلس النوّاب. وإستغربت هذه الأوساط الحملة المُبرمجة القائمة على دعوة الرئيس برّي، بدلاً من التكاتف لتخليص لبنان من كل ما يُعيق إنصهار شعبه، ومن كل ما يُفرّق شعبه بدلاً من أن يُوحده، وفي طليعة هذه الأمور قانون الإنتخاب الحالي الذي وضع الطوائف والمذاهب بوجه بعضها البعض، ووضع الأخ في مُقابل أخيه! وطالبت أوساط كتلة «التنمية والتحرير» بعدم إعطاء الموضوع خلفيّات طائفيّة أو مذهبيّة غير موجودة، والغاية منها ذرّ الرماد في العُيون، وقالت إنّه «لو كان الهدف تحسين موقعنا النيابي، لكنّا حافظنا على القانون الحالي الذي أمّن إكتساحنا لكل المقاعد المُخصّصة لنا»، مؤكّدة أنّ الهدف الفعلي هو «منع الشعب اللبناني من الإنحدار تدريجًا نحو التعصّب والإنغلاق مُجدّدًا!».
في المُقابل، رأت مصادر «التيّار الوطني الحُرّ» أنّ الحوارات والنقاشات مرحّب بها دائمًا، لكنّ البحث في مسألة حسّاسة جدًا على غرار قانون الإنتخابات، لا يُمكن أن تتمّ في هذا التوقيت غير المُناسب، وبهذا الشكل العشوائي وغير المَدروس. وأضافت أنّ التوصّل إلى قانون الإنتخابات الحالي المَبني على النسبيّة إستلزم الكثير من الجُهد للتوصّل إليه، وقد قبل الجميع به، بما فيهم «التيّار»، وذلك على الرغم من أنّه يتضمّن ثغرات لا تسمح لكل الناخبين، وبخاصة المسيحيّين، بإنتخاب ممثّليهم الحقيقيّين. وإذ أبدت إستعداد «التيّار» للنقاش لتحسين القانون وتطويره، أكّدت أن لا مجال للعودة إلى الوراء بأيّ شكل، حيث أنّ «التيّار» سيتصدّى لسياسة كمّ الأفواه، وتزوير إرادة الناخبين، تحت شعار الإنصهار الوطني وتجنّب الحرب الأهليّة!
وعلى خطّ مُواز، أشارت مصادر «القوات اللبنانيّة» إلى أنّه بدلاً من أنّ تنكبّ السُلطة الرسميّة، بشقّيها التنفيذي والتشريعي، على مُعالجة المشاكل الكارثية المُتصاعدة، وعلى وقف الإنهيار الخطير الحاصل، إذا بها تهرب إلى الأمام عبر رمي موضوع خلافي على الطاولة، وكأنّ البلاد بألف خير. وإستهجنت مصادر «القوات» العمل على تغيير قانون الإنتخابات بين دورة إنتخابيّة وأخرى، وهو ما لا يحصل في أكثر الدول تخلّفًا، وذلك بهدف منع القوى الممثّلة للناخب المسيحي، من الحُصول على كتل نيابية كبيرة، باعتبار أنّ القوى الأخرىستُحافظ على نتائجها في أي قانون إنتخابي آخر مُقترح. وإذ إعتبرت المصادر نفسها أنّ توقيت هذا الطرح يدعو إلى الكثير من الإستغراب على صعيدي التوقيت والمَضمون، خاصة وأنّ الإنتخابات هي على بُعد أكثر من سنة ونصف من اليوم، دعت إلى سحب هذه الطُروحات التي تُذكّر بزمن «إضطهاد الناخب المسيحي» بين العامين 1990 و2005، حفاظًا على ما تبقّى من مُقوّمات للدولة.
إلى ذلك وبحسب مصدر حزبي مسيحي، إنّ مُختلف القوى النيابيّة وليس القوى المسيحيّة فقط، مَدعوة للتصدّي لأي مُحاولة لإعادة «قوانين المحادل»، عبر جعل لبنان دائرة واحدة هنا، وعبر تمكين الطوائف والمذاهب الأكثر عددًا – وعن غير وجه حقّ، من إختيار نوّاب الطوائف والمذاهب الأقل عددًا. وقال إنّ الإتجاه لخنق صوت الناخب المسيحي واضح، حيث أنّ أغلبيّة واسعة من القوى السياسيّة والحزبيّة هي في موقف المُعارض لطُروحات تعيدنا إلى زمن الوصاية. ونبّه المصدر الحزبي إلى أنّ كل الخيارات مَفتوحة للتصدّي لهذه المحاولات غير البريئة، و«التي تأتي ردًّا على موقفي «التيّار» و»القوات» من التحقيق الجنائي». وأوضح أنّ الكتل المسيحيّة الكُبرى تدرس الخيارات المتاحة أمامها، بدءًا من مُقاطعة الجلسة وسحب الميثاقيّة الطائفيّة عنها، وُصولاً إلى الإعتراض بحزم من داخل المجلس على القوانين المَطروحة، مُشيرة إلى أنّ الساعات القليلة المُقبلة ستشهد تكثيفًا للإتصالات لمُحاولة توحيد المواقف بين أكبر عدد مُمكن من النوّاب. ودعا المصدر الحزبي نفسه الرأي العام الذي يُطالب بتغيير قانون الإنتخاب، إِلى التنبّه إلى أنّ الدوائر الصُغرى والنسبية الضيّقة، هي أفضل طريق لوُصول مُرشّحين منفردين وغير حزبيّين، بينما الدوائر الموسّعة والنسبية المُطلقة على مُستوى لبنان، تعني عودة المحادل التي تكتسح كلّ الدوائر، من دون إمكان خرقها من أي مُرشّح منفرد أو حزب صغير.
وختم المصدر الحزبي المسيحي كلامه بالقول إنّ يوم الأربعاء سيضُيء على إنقسام طائفي ومذهبي، كنّا حاولنا تجاوزه ونسيانه، وذلك في حال أصرّت بعض الجهات على طرح مسائل خلافيّة ترمي إلى ضرب التوازنات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة الدقيقة والحسّاسىة التي يقوم عليها لبنان.