IMLebanon

حفلة جنون في نقاش القانون

 

 

كأنّنا أمام خشبة في مسرح اللامعقول. مؤسّسات دينية تطالب بدولة مدنية، أحزاب طائفية تدعو إلى قيام دولة علمانية، علمانيون يرتعبون من إلغاء القيد الطائفي في الإنتخابات، يساريون ضدّ قانون يعتمد لبنان دائرة واحدة. آخرون رأوا في تعديل القانون ثورة، ثم صار التعديل في نظرهم مؤامرة.

 

إن لم يكن لامعقولاً يشبه صموئيل بيكيت أو ألبير كامو فهو شكل من التمرّد على ظاهرات استعصى تفسيرها على العقول. أو هو ارتباك الجميع أمام أحداث لم تتمكّن فيها الثورة من بلوغ أهدافها، وإن هي خلخلت مفاصل النظام السياسي، ولا تمكّنت السلطة من إخماد الثورة، ولا هي مستعدّة للبحث عن حلول.

 

نبيه بري هو الممثّل الوحيد الذي يُخفي ارتباكه، إمّا بإخراجه أرنباً أو بوضعه لغماً، بالإذن من عماد موسى، أو برميه قشرة موز. ويقال إنّه يسترشد بأحد الفقهاء الذي نصحه ذات يوم بالمضيّ إلى أقاصي العلمنة من غير الخوف في الوقوع فيها، لأنّ من يرفض ركوب الخطر موجود على الطرف الآخر من الخشبة.

 

وإن لم يكن من صنف اللامعقول، فهو يشبه ما في قصيدة أحمد شوقي عن “الليث ملك القفار”، وهو هنا النظام اللبناني، الذي، حين مات وزيره وعيّن الحمار مكانه، “لم يشعر الليث إلّا- وملكه في دمار، القرد عند اليمين- والكلب عند اليسار، والقطّ بين يديه – يلهو بعظمة فار”، قانون يعتمد النسبية ولبنان دائرة واحدة مع إلغاء القيد الطائفي، هو قشرة موز انزلق عليها ثلاثة، الأول يسعى لتحرير الوطن من الغرباء، فيما تناضل الثورة لتحريره ممّن شرّع الأبواب من أهل النظام ومهّد لدخول الغرباء؛ الثاني يخشى على البرلمان من التفوّق العددي لأصوات الشيعة، فيما الثورة تخشى عليه من تفوّق عددي لنواب الفساد والإفساد والمحاصصة؛ الثالث لا يرى غير صورة جامدة لطوائف وكانتونات وفيديراليات، مُسقطاً من مخيّلته السياسية صورة حية ومتحرّكة عن ثورة وحّدت الشعب تحت راية العلم الوطني. ومن أسف أنّ نماذج من هؤلاء الثلاثة يناضلون معاً في صفوف الثورة.

 

إذا لم تكن النسبية أساساً في أيّ قانون انتخابي، لن تتمكّن قوى التغيير من حجز مكان لها في أروقة السلطة وفي بنية النظام، لأنّ أصوات مؤيّديها لن يكون لها وزن في الدوائر الصغرى. وهي لن تتمثّل بكامل حجمها إلا بقانون يعتمد لبنان كلّه دائرة واحدة، وقد تتمثّل إن اعتمدت الدوائر الصغرى، لكن بأقلّ من حجمها الحقيقي.

 

المنزلقون على قشرة موز الشيعية السياسية، وليس الشيعة، يجرون حسابات الدائرة الواحدة بآليات القوانين القديمة، من غير أن يتخيّلوا حجم التغيير المفترض في النتائج إذا ما أقرّت آليات جديدة، كالبطاقة الانتخابية والإنتخاب مكان السكن، وإذا ما اعتمدت إجراءات تمنع تدخّل السلطة وتحرّر الناخب من تبعيته للزعيم.

 

يناقشون قانون الإنتخاب بمصطلحات الحرب بدل مصطلحات الديموقراطية. لا أعني أحداً بالذات ولا أستثني أحداً، بمن في ذلك بعض أهل الثورة. ربّما يفعلون ذلك تمثّلاً بـ”أحزاب الله” (عنوان كتابي) الإستبدادية في علاقتها مع المصطلحات الديموقراطية، أو بميليشيات تتولّى حماية الدستور كتولّي الهر حماية الجبنة. من قرأ اتهاماً فلا تعوزنا لائحة الأدلة. غير أنّنا قصدنا منه دعوة لخروج الثوّار من سجال ذي طابع حربي، حول انتخابات مؤجّلة إلى ما بعد سقوط التحالف الميليشيوي المافيوي بالنقاط، لا بالضربة القاضية.