لم يعُد خافياً أن ثمة مُحاولات جرت أخيراً لوضع مشروع قانون الانتخابات النيابية على الطاولة لإجراء تغيير جذري عليه، غيرَ أنها محاولات «وليدة ميتة»، نتيجة الاعتراض من قوى مسيحية ذات تأثير، في مقدّمها التيار الوطني الحر والقوات. وحدهما حركة أمل والحزب الاشتراكي لا يُريدان القانون بصيغته الحالية. حزب الله يتمسّك به، مع إدخال تعديلات تقنية، فيما الحريري- وهو الطرف الأكثر تأذياً منه – يرفض «فتح معركة جديدة مع المسيحيين».
في الآونة الأخيرة، طُرح النقاش في قانون الانتخابات على طاولة البحث، ولا سيما بعدَ أن تقدّمت كتلة «التنمية والتحرير» بقانون انتخابي جديد، ومهّدت له بجولة على الأطراف السياسيين تولاها النواب: أنور الخليل، هاني قبيسي وابراهيم عازار، لعرض أفكار أولية، قبلَ تطويرها بعدَ الأخذ بملاحظات الكتل. يومها أثارت هذه الخطوة ردود فعل حادة عند القوى السياسية، لأن مشروع «حركة أمل» كانَ يستهدف تغيير القانون الحالي كلياً. صحيح أنه حافظَ على النسبية، لكنه عملياً ألغى الانتخابات على القيد المذهبي، مع المحافظة على المناصفة (64 – 64). أي إن المقاعد في أي دائرة تقسّم النواب بينَ مسلم مسيحي فقط، على أن يؤسّس في الوقت ذاته مجلس شيوخ على أساس النسبية تتمثّل فيه الطوائف والمذاهب (46 مقعداً بالمناصفة). هذه هي أبرز الأفكار التي قامَ عليها اقتراح القانون، إضافة إلى «اعتماد لبنان دائرة واحدة»، وإلغاء الصوت التفضيلي، والترتيب المسبَق للائحة، وكوتا نسائية (20 مقعداً).
وفيما كانَ واضحاً أن الهدف الأساس من المشروع كله هو تطيير الصوت التفضيلي الذي كشف الأحجام الحقيقية، «قامت قيامة» القوى المسيحية على الفكرة من أساسها، إذ اعتبر رئيس القوات سمير جعجع أن «طرح تغيير القانون يُراد منه تعطيل الانتخابات وعدم وإجرائها»، وهو ما تُصرّ عليه مصادر قواتية حتى الآن، وتؤكّد أن «القانون الحالي سيؤمّن لها أقله خمس نواب إضافيين وسط استطلاعات تُجريها معراب».
الصوت التفضيلي يُصبِح صوتين، واحد في الدائرة الكبرى وآخر في الدائرة الصغرى
أما التيار الوطني الحرّ فلم يُبدِ أي حماسة، بينما لم يمانع حزب الله النقاش في الأمر، وإجراء تعديلات جزئية على قاعدة الحفاظ على النسبية وتطوير القانون الحالي ومعالجة بعض الأمور التقنية. ما أيّد بحثه حزب الله هو نقطتان أساسيتان، كانَ قد وافقَ عليهما سابقاً مراعاةً للخصوصية المسيحية التي أثرت على مناقشات القانون النافذ حيث كانت ضاغطة بقوة، وهما: تطوير الصوت التفضيلي بعدم حصره بالدائرة الصغرى، والتقسيم الطائفي للدوائر. ففي القانون الحالي جرى تقسيم الداوئر مسيحياً وإسلامياً، بعدَ أن رُفع شعار أن النائب المسيحي يأتي بأصوات الناخبين المسيحيين. فقسمت بيروت «شرقية وغربية»، كما الشمال إلى 3 دوائر إحداها مسيحية ضمّت «البترون وبشري وزغرتا والكورة». حالياً، يميل الحزب الى تكبير الدوائر وإعادة تقسيمها على أساس الاختلاط الطائفي.
من المؤكّد استحالة الذهاب إلى تغيير جذري للقانون الحالي كما تُريد حركة أمل والحزب الاشتراكي، مقابِل الفيتو المسيحي وتمسّك حزب الله بالقانون الحالي. وإن قُدّر أن تكون هناك إمكانية لإجراء تعديلات، فإنها، وفقَ ما يقول أكثر من نائب شارك في جلستيْ اللجان المشتركة التي انعقدت برئاسة النائب إيلي الفرزلي لمناقشة القانون، قد تقتصِر على: أولاً، على الصوت التفضيلي، فيُصبِح صوتين، واحد في الدائرة الكبرى وآخر في الدائرة الصغرى. وثانياً، إعادة البحث في تقسيمات الدوائر، وثالثاً، إلغاء الدائرة الانتخابية المؤلفة من ست نواب في الاغتراب «خاصة أن العمل السياسي للبنانيين في الخارج مقيّد بضوابط كثيرة»،. وأخيراً الكوتا النسائية التي لم يُحسم موقف الكتل منها.
لكن هذه التعديلات، وإن توافر الظرف للبحث فيها، قد تكون محكومة بالإعدام، بسبب إصرار القوى المسيحية على التمسك بالقانون الحالي كما هو. فعلى سبيل المثال، يربط التيار الوطني الحر «الإصلاحات بالدولة العلمانية»، وهو لا يقصد إلغاء الطائفية السياسية «بل الطائفية المجتمعية»، وهو اقتراح يعني إرجاء البحث في أي تطوير للنظام نحو تخفيف الحدة الطائفية فيه.
ومع أن قانون الانتخابات لطالما شكّل المدخل الأساس لتكوين السلطة في لبنان، وكانَ ممراً إجبارياً يجري التلاعب فيه لصياغة التوازنات، إلا أن الظروف اختلفت الآن. تقول مصادر سياسية مطلعة إن «غياب الاهتمام بهذا الاستحقاق، على عكس السنوات الماضية، يتعلّق بكارثية الوضع الاقتصادي والمالي»، ثمّ «غياب الحكومة التي في حال لم تُؤلف فهذا يعني حُكماً عدم إجراء انتخابات نيابية ولا رئاسية». وتلفت إلى أن «تركيز أغلب القوى السياسية يصُبّ اليوم على إعادة ترميم وضعها في الحكومة بسبب ما حصل بعد 17 تشرين، وخاصة أن المزاج الشعبي يكشف تراجعاً للأحزاب، وإن اختلفت نسبته».