Site icon IMLebanon

الثورة وقانون الإنتخاب… حذارِ الوقوع في “الفخّ”!

 

أثبتت التجارب في كل دول العالم أنه لا يمكن إجراء أي إصلاح إقتصادي أو مالي من دون المباشرة بإصلاح النظام السياسي لأن الطبقة السياسية تتحكّم بكل مفاصل المؤسسات.

 

باتت الآراء متفقة على أن هذه الطبقة السياسية التي تحكم لبنان منذ العام 1990 هي الأسوأ، والدليل القاطع على هذا الكلام هو الوضع المتردّي الذي وصلت إليه البلاد، إذ إنه بعد 30 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية لم تؤمّن الكهرباء، ولبنان البلد الغني بالمياه باتت ثروته ملوّثة وتفتقدها المنازل، في حين أن الفساد ينخر مؤسسات الدولة، وقد حصلت سرقة العصر بخسارة المواطنين مدخراتهم في المصارف.

 

وأمام كل هذه الوقائع، لا بدّ من إجراء تغيير جذري في التركيبة السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذه الهاوية، وهذا التغيير يتمّ، إما بانقلاب عسكري، لبنان بعيد كل البعد عنه، أو بانتخابات نيابية تفرز طبقة سياسية جديدة.

 

ويُطرح في أوساط الثوّار كما في أوساط سياسية إمكانية إجراء انتخابات نيابية مبكرة من أجل تحقيق هذا الهدف، خصوصاً أن الفترة المتبقية لولاية مجلس النواب نحو سنتين و4 أشهر.

 

ويطالب من يطمح بإجراء انتخابات نيابية مبكرة بتغيير قانون الإنتخاب الحالي الذي يقوم على النسبية على أساس 15 دائرة، علماً أن هذا القانون أدخل ثقافة النسبية إلى الحياة السياسية على رغم أنه لم يؤثّر على الطبقة السياسية الحالية.

 

أما خطورة البحث في قانون إنتخابي جديد، فينبع من كون التركيبة اللبنانية دقيقة جداً وحساسة، والدخول في جدل حول أي قانون جديد سيأخذ وقتاً طويلاً، كما أن الخوف من خديعة قد تمارسها الأحزاب الحاكمة ضد الثوّار لأن هذه الطبقة تأخذ قراراتها وفق حسابات الربح والخسارة التي تجريها. فعندما طالبت الثورة بحكومة تكنوقراط مستقلة، قالوا نعم سنلبي الطلب وأتوا بحكومة مستشارين في معظمها، من هنا الخوف من أن يحضر هذا الأمر في قانون الإنتخاب.

 

ويرى خبراء في قانون الإنتخاب أنه قد يكون قانون النسبية على أساس 15 دائرة ليس مثالياً، لكن أساسه جيّد لأنه يعتمد على النسبية، أي أن الحزب أو الزعيم الذي يملك “محدلة” ناخبة في دائرة معينة لا يستطيع حصد كل المقاعد، كما أن النائبة بولا يعقوبيان التي خاضت الإنتخابات في لوائح المجتمع المدني لم تكن لتخرق لو كان النظام أكثرياً.

 

ومن جهة أخرى، فان تقسيمات الخمس عشرة دائرة لا توقظ العامل الطائفي والمذهبي، ففي حال تمّ الذهاب إلى قانون على أساس لبنان دائرة واحدة، والذي يطالب به قسم من الثوار بنية التغيير، وطرحه الثنائي الشيعي سابقاً من أجل توسيع نفوذه، فهذا الأمر دونه مخاطر عدّة أبرزها:

 

أولاً: ستشعر كل طائفة بالخطر، إذ أن الأقلية الدرزية ستقول إنها ستذوب في بحر الأكثريات وستلتف حول زعيمها من دون أن تستطيع المحاسبة، والمسيحيون سيشعرون بالخوف من تراجع حضورهم، والسنّة سيواجهون الزحف الشيعي، والشيعي سيغتنم الفرصة لتوسيع نفوذه.

 

ثانياً: لا ينكر أحد أن تأثير الثورة طال معظم شرائح المجتمع، لكن الثنائي الشيعي لا يزال يمسك بشارعه إلى حدّ كبير، وبالتالي فان النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة ستزيد من نفوذ “حزب الله” وحركة “أمل” اللذين يواجهان الثورة أصلاً، وفائض الأصوات لديهما سينعكس سلباً على نتائج بعض اللوائح التي قد تكون للثوار.

 

وبما أن قانون الخمس عشرة دائرة قسّم المناطق وفق منطق التجانس المناطقي والطائفي، فان الناخب الشيعي يشكّل نحو 33 في المئة من مجمل عدد الناخبين في لبنان، ويستطيع التأثير وفق القانون الأخير على 30 مقعداً في حين أن عدد النواب الشيعة يبلغ 27 نائباً، لكن في حال اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، فان حجم تأثير الثنائي الشيعي سيرتفع، إذ إن الـ33 في المئة من الناخبين الشيعة سيوصلون نحو 43 نائباً أي ثلث عدد أعضاء المجلس، وهذا الأمر، الثنائي الشيعي قادر على تحقيقه من دون الحلفاء لأن فائض الأصوات سيوصل نواباً سنة ومسيحيين ودروزاً يختارهم “حزب الله” وحركة “أمل”، بينما في قانون الـ15 دائرة لا يستطيع ناخبو الثنائي الشيعي في الجنوب مثلاً التأثير على نتائج جبل لبنان أو الشمال أو بيروت.

 

وصحيح أن الناخب السني ينافس الشيعي من حيث عدد الأصوات، لكن السنة باتوا مفتتين ويتوزعون على عدّة قوى، وبالتالي لو اجتمعت كل قوى الثورة فهي غير قادرة على مواجهة زحف الثنائي الشيعي في ظل قانون لبنان دائرة واحدة، في وقت توجد أحزاب كثيرة تملك قوّة ولا تؤيّد الثورة.

 

ثالثاُ: الذهاب نحو قانون أكثري وحتى لو كان متقدماً قد يحرم الثوار من التمثيل، إذ إن القانون الوحيد الذي يؤمن صحة التمثيل هو one man one vote، وهذا القانون ترفضه القوى السياسية التي تملك محادل إنتخابية.

 

رابعاً: لا تزال القوى السياسية تملك ما يكفي من المؤيدين والأزلام وتستحوذ على السلطة والمال والخدمات وحتى السلاح، وبالتالي فان النسبية هي الوحيدة القادرة على مواجهتها، لكن ليس على أساس لبنان دائرة واحدة.

 

وأمام كل هذه النقاط، يبقى التحدي الأول ليس شكل قانون الإنتخاب بل تنظيم صفوف المعارضة وتأليف لوائح موحدة في كل لبنان، عندها يستطيع الشعب النزول إلى الصناديق والتصويت لمشروع وليس لأشخاص، وهذا لم يحصل في انتخابات 2018، فقد فشل المجتمع المدني في تقديم شخصيات مقنعة ولوائح موحّدة، والخرق الوحيد الذي حصل هو في دائرة الأشرفية مع يعقوبيان، في حين أن الأرقام التي حصدتها بقية اللوائح في المناطق كانت هزيلة.

 

ويجمع الخبراء الإنتخابيون على أن لوائح المعارضة تستطيع إحداث تغيير لأن الظرف الآن مغاير لإنتخابات 2018، وبما أن الثوار منتشرون في كل المناطق، فانهم يستطيعون خوض الإنتخابات على أساس القانون النسبي وترجمة الثورة في صناديق الإنتخاب، فكل دائرة إنتخابية تستطيع خوض معركتها تحت عنوان الثورة والمعارضة، تماماً كما حصل في ساحات الإعتصام، إذ إنه لم تكن هناك ساحة موحدة مركزية، بل كل منطقة اجتمعت في ساحة معينة ونجحت هذه الخطوة وسط عدم قدرة السلطة على ضرب الساحات.