IMLebanon

قوانين الانتخاب وبرلمان الابتزاز

 

ليس أفضل من الاسترشاد بكلام البطريرك الراعي بمناسبة انعقاد اللجان النيابية المشتركة اليوم لمناقشة تعديلات دستورية وقوانين انتخاب. وإذ ان البطريرك قال ان مشكلة لبنان ليست في النظام بل في الممارسات، فإننا نُصرِّحُ بتتمة الكلام، وهي ان أزمتنا لا علاقة لها بـ”الكتاب” بل سببها أهل السلطة والفساد، الذين نهبوا البلاد والعباد وارتكبوا جرائمَ جزاؤها التعليق على الأعواد.

 

ليس أكثر لؤماً في سلوك مجلس النواب من تعمّده ابتزاز اللبنانيين بمشاريع قوانين انتخاب تكرّس هيمنة عددية طائفية وتلهيهم بتعديلات دستورية بحجة “تظبيط” انتظام المؤسسات، وكأن ثورة 17 تشرين لم تحصل او ان جريمة 4 آب حدثٌ عابر. ولا عجب، فالنواب الذين لم يرف لهم جفن إزاء إطفاء عيون المتظاهرين المتهمة بارتكابه ميليشيا شرطة مجلس النواب، استخلصوا ان المشكلة التي أطلقت ثورة شباب لبنان محض تقنيات او ثغرات اعترت “الطائف” وتتعلق بمهلة التكليف والاستشارات، او أن ما فجَّر الغضب الشعبي نسبية ناقصة ودوائرُ انتخابية ضاقت على السادة النواب.

 

لا تعني الرداءة النوعية لتوقيت خطوة مجلس النواب أنها فاجأت من يتابع مسيرة البرلمانات منذ فرضتها الوصاية السورية والانقلاب على “الطائف”، فمذّاك “تمتعنا” بديموقراطيةِ الإستتباع التي اختلطت فيها محاصصات الحكومات بالمجالس النيابية ومجالس الهدر والصفقات وأسست عميقاً للانهيار، ذاك الحين كان التهديد بإلغاء “الطائفية السياسية” رداً مباشراً جاهزاً على المطالبة باستعادة السيادة من براثن الاحتلال.

 

يعطي المجلس النيابي الحالي، بعجزه المطبق عن التجاوب مع مطالب الناس في انتاج حكومة مستقلة تتولى الانقاذ، واصراره على المحاصصة بين أحزاب وكتل السلطة المسؤولة عن ضياع الودائع وتدهور الاقتصاد وتفجير بيروت، الحقَّ كل الحق للذين استهدفوه في التظاهرات ودلُّوا عليه بصفته حامي المنظومة التي دمرت كل مقومات الحياة. وما استلهامُه اليوم زعبرات “سماسرة” الدستور وتركيب المؤامرات للضغط على المطالبين بانتخابات مبكرة وبحياد لبنان وتطبيق القرارات الدولية، سوى “تغطية السماوات بالقبوات” فيما تُفقَد الأدوية من الصيدليات وترزح أكثرية اللبنانيين تحت خط الفقر، ويبقى كبار الجناة من جماعة “كنت أعلم” خارج دائرة التحقيق والاتهام.

 

يعتقد “الثنائي الشيعي” انه بعدما أدى قسطه للعلى وباع الأميركان مفاوضات الترسيم مع اسرائيل، يستطيع حجز مكان أكبر للشيعة في النظام السياسي، إن لم يكن عبر مؤتمر تأسيسي يؤدي الى مثالثة، فليكن عبر قانون انتخابي يكسر التوازن الوطني ويؤبِّد الهيمنة الداخلية والسلاح غير الشرعي. هذه لعبة واضحة، متخاذلٌ كل نائب لا يحبطها اليوم في اللجان لأنها أبعد ما تكون عن موجبات ما بعد ثورة المواطنية التي عاشها لبنان بفخر وأمل منذ عام، والتي أنهت شرعية البرلمان الحالي وجعلت أولى مهماته تقصير ولايته والعودة الى صناديق الاقتراع إذا التزم أخلاق الديموقراطيات.

 

هذا المجلس أنهت الثورة صلاحيته وتهشَّم مع الإنفجار. السَحَرة يحاولون انتشاله من تحت الركام، بعدما ذهبت أيام المعجزات.