لأننا… كتبنا ونكتب كأننا نخاطب جماجم تصطدم بها الأصوات فلا تردِّد إلَّا صدىً من الصفير…
وخشية أن تكون شبكات الشَعْر الكثيف في الوجوه هي التي تحجب الأصوات عن الآذان…
إرتأَيْنا اليوم أن نخاطب اللِّحى، هذه الظاهرة التي أخذت تغزو بالعدوى الرؤساء والوزراء والنواب وأهل السياسة والفن والإعلام والطرب حتى لكأننا أصبحنا قبائل في جاهلية العرب.
وحيال هذه الموجة الكاسحة من إطلاق اللِّحى لا نكتمكم:
نعم… نحن أصبحنا نتعب بها.
تعبنا… ونتعب من كل اللِّحى ومن كل الأقنعة والوجوه المستعارة والملامح المستورة بكثافة الشعر والمساحيق الملّونة.
وتعبنا… من التنكّر والتشويه ومسْخِ الصورة الطبيعية للبشرية، واشتقنا أن نرى أشكال الناس على حقيقتها المكشوفة بلا تزييف ولا تمويه ولا تحريف.
ونحن نرى «على تخلّفنا الحضاري» أن اللِّحى، في معظمها لا تُضْفي على الوجوه مسحةً من الأناقة والجمال، بقدر ما تحمل كما يقولون بعضاً من البكتيريا الصحيّة كمثل ما تحمل من البكتيريا السياسية.
وهذا يذكرنا بالنبلاء الفرنسيين في قصور الملوك حيث كانوا يضعون فوق رؤوسهم المحلوقة شعراً مستعاراً مرشوشاً بالطيوب، ولأنه لا يحتمل الكثير من الغَسل فقد كان يعجُّ بالقمل.
قد يكون للّحية مبرر سياسي استثنائي إذا كان أصحابها يحتاطون لممارسة الضحك على «ذقونهم»، أو إذا كانت شكلاً من أشكال الحوار مع الآخرين، فيصبح الحوار باللّحى بديلاً من الحوار باللسان، مثلما كان الحوار باللسان بديلاً من الحوار بالحسام.
ولكن، من محاذيرها السلبية، أن يتمثل المحازبون بقياداتهم والمرؤوسون برؤسائهم والمتزعمون بزعمائهم على قاعدة الناس على دين ملوكهم، فنصبح كأننا قوافل من البدو نهيم في الصحراء ونتقاتل سعياً وراء العشب والماء.
وليس من الحكمة في شيء، ونحن نواجه أخطار الإرهاب أن نتشبَّه «بالداعشية» التي تتستر باللحى فتحجب بها كشف سرائر النفوس من خلال التفرُّس في الوجوه، وتعمّمها فريضة دينية، دونها التكفير ونار الجحيم وسوء المصير.
الذين يلجأون الى الخلفية الدينية حيال إطلاق اللحى نصحّح اعتقادهم بما نقله أبو هريرة عن النبي: «خالِفوا المجوس… جزّوا الشوارب وارخوا اللحى».
ولأن القرآن لم يأمر بتربية اللِّحى… وحيال عبارة مخالفة المجوس تعددت آراء العلماء ولم تتفق المذاهب الأربعة على فرض اللحية ووجوبها الشرعي.
إذاً… تستطيعون أن تحلقوها حتى نرى حقيقة وجوهكم.
وحتى لا تحول بكتيريا اللحى دون وصول الأصوات الى مسامع الآذان.