Site icon IMLebanon

قانون الإنتخاب ونظرية الرأس والطربوش

شكّلت العناوين المطروحة لمشاريع قانون الإنتخاب والتي تراوحت بين صحة التمثيل وعدالة التمثيل وتقليص عدد النواب المسيحيين المنتخبين عن دوائر أكثرية ناخبيها من المسلمين، أو ما سُمي بالنواب الودائع، تجاهلاً لوثيقة الوفاق الوطني( ميثاق 1989) وتجاهلاً للسياق العام لنشوئها، بما يعنيه من شمولها الحالة اللبنانية في الإطار الجيوسياسي الإقليمي والتوازنات الداخلية الدقيقة. الإتّجاه العام للوثيقة يدعو بشكل واضح إلى إلغاء الطائفية السياسية كهدف أساسي يحقق صحة التمثيل وتثبيت ميثاق العيش المشترك، وفاقاً لما نصّ عليه البند(5) من الفقرة (أ) من الإصلاحات السياسية: «إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزّع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كلّ من الفئتين، ونسبياً بين المناطق» والفقرة (ز) من الوثيقة التي ألزمت المجلس النيابي المُنتخب على أساس المناصفة اتّخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية.

كيف يمكن الجمع بين مفهوم صحة وعدالة التمثيل والدعوة لنقاء التمثيل باقتصار اقتراع النائب على أبناء طائفته حيث يُمكن ذلك؟ فإذا كانت الديموقراطية هي مجموعة القواعد التي تحدّد من هو المخوّل بتمثيل المواطنين فإنّ القانون- سواء كان أكثرياً أو نسبياً- الذي يتصّف بمزيد من الديمقراطية وبصحة التمثيل في مجتمع تعددي، هو الذي يُشرك العدد الأكبر من المواطنين المنتمين إلى شرائح متنوعة سياسياً وطائفياً، والذين من المفترض أنهم يتشاركون هموماً وتطلعات واحدة، في اختيار ممثّليهم في مختلف الدوائر الإنتخابية. وبهذا المعنى تتضاءل مفاعيل الفارق الديموغرافي بين الطوائف على نتائج الإنتخابات لصالح القواسم الإجتماعية والسياسية المشتركة، ويُصبح القانون خطوة أساسية في الإتّجاه الصحيح لأنّ الدستور يَعتبر الوضع الراهن مرحلة إنتقالية ويقرّ آلية لإلغاء الطائفية السياسية. هذا بالإضافة أنّ السير بدوائر متجانسة طائفياً سيُفضي إلى صراع مفتوح داخل الطوائف وبين أشدّ الناس إعتدالاً.

واذا كانت صحة التمثيل تعني إعطاء المواطن مزيد من المساحة والحرية لإختيار من يمثله، فإنّ التحالفات الطائفية الكبيرة، التيُ تلقي بثقلها المتعاظم على الحياة السياسية في لبنان، في ظلّ غياب أحزاب سياسية لا طائفية سيؤدي حكماً إلى تجريد المواطنين من كلّ مقوّمات المشاركة الحقيقية. ويطرح هنا التساؤل التالي إذا كان قانون الإنتخاب هو هو فقط مجموعة من القواعد والإجراءات، فلماذا يدافع المواطنون عنه؟ إن ذلك سيقتصر حكماً على مجموعة من المرشحين.

بعد مضي أكثر من 27 عاماً على إقرار وثيقة الوفاق الوطني نجدّ إنّ الفاصل الزمني لم يساهم في توطيد حكمة لبنانية كثمرة إختبار تاريخي طويل وأليم في آن. إنّ التغيير القسري لقانون الإنتخابات هو إقصاء سياسي أداته نصوص قانونية، كما إنّ تحديد مُهل شكليّة للتغيير دون لحظ دينامية إجتماعية هو مشروع نزاعات جديدة لأنّ المُهل/الإنذارات تغذّي في الفترات المُسماة إنتقالية، هواجس الإستقواء العبثية بين الطوائف حيث يُطلق المنظّرون العنان لكلّ أشكال المحاصصة بين الطوائف، فيزيدون في تطييف النظام بإسم اللاطائفية.

إنّ محاولة الإنتقال من نظام مشاركة (power sharing) إلى نظام تنافسي يستوجب دراسة تطوير النظام السياسي في إطار نظرية متكاملة وليس إطلاق شعار الإستئصال بطريقة ساذجة لأنّ ذلك يجعل الأمور أكثر انعزالاً وطائفية. إنّ ثقافة الإستئصال يُمكن تلخيصها بمثال الرأس والطربوش، ففي حال عدم التطابق بين الرأس والطربوش فالحلّ هو توسيع الطربوش وليس تكسير الرأس. وفي حال اعتماد الحل الثاني مع الإقرار بأنّ الرأس غير طبيعي في ضخامته فإنّ المسألة هي في تحديد الكلفة . فما فائدة الطربوش بعد تكسير الرأس؟.

إنّ الخطر الذي يهدّد أنظمة المشاركة هو التمادي في المساومة في أمور هي بطبيعتها غير قابلة للتسوية، فكما أنّ الديمقراطية بحسب نظرية أرسطو تحمل جذور تحوّلها إلى ديموغوجية والأرستقراطية إلى أوليغارشية والمونارشية إلى طغيان، يُمكن القول أنّ الميثاقية تحمل في ذاتها بذور إنحلال الدولة في حال التمادي في التسوية اللامحدودة.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات