إذا لم يطرأ أيّ تطوّر بارز أو تغيّر في مواقف القوى السياسية، فإنّ قانون الانتخاب النافذ حتى الساعة سيكون قانون «الستين» الذي وضعه الرئيس فؤاد شهاب منذ قرابة 66 عاماً، وعجز نظامنا السياسي عن إنتاج بديل عنه على رغم كل التطورات المحتّمة في مسار الشعوب.
تبقى العقدة الأساس في رفض بعض القوى السياسية إدخال تعديلات على النظام الإنتخابي، حيث لم تفلح كل المحاولات منذ الخروج السوري في نيسان 2005 وحتى يومنا هذا في إقناع شريحة واسعة من القوى الحاكمة بأنها لا يمكنها الإستئثار بالسلطة، بل هناك شركاء في الوطن وعلى رأسهم المسيحيين الذين أبعدوا عن الحكم منذ توقيع إتفاق «الطائف» وصياغة قوانين إنتخابية شتّتت أصواتهم وقسّمت مناطقهم.
وعلى رغم إصرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي على القانون النسبي، وطَرحه على طاولة الحوار في 21 حزيران الجاري قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعتمد النسبية على أساس 13 دائرة، فإنّ العقدة الأساسية تتمثّل في أمرين: الأوّل هو رفض تيار «المستقبل» القانون النسبي في ظل انتشار السلاح غير الشرعي، أما الثاني فهو خوف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من ذوبان الأقلية الدرزية في جبل لبنان.
وإذا كانت مشكلة تيار «المستقبل» سياسيّة بامتياز، فإنّ الحزب «التقدّمي الإشتراكي» يعتبر أنّ مشكلته وجوديّة، إذ لا يقبل بضمّ الشوف وعاليه الى بقية أقضية جبل لبنان، حتى في القانون المختلط، لأنّ التأثير الدرزي سيُصبح معدوماً.
وفي هذا الإطار، باتت المشكلة واضحة: القوى الممسكة في السلطة لا تريد تحجيم أو إضعاف جنبلاط لأنه جزء أساسي من التركيبة، وإن تخاصم مع بعضها، في المقابل، ترفض قوى مسيحيّة حتى الساعة وفي مقدّمها «التيار الوطني الحرّ»، تقسيم جبل لبنان حتى لو وافق على القانون المختلط الذي تقدّمت به «القوّات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدّمي الإشتراكي مع بعض التعديلات، إذ إنه يعتبر أنّ المعركة التي يخوضها منذ العام 2005 هدفها تصحيح الخلل في التوازن، فلماذا يشطر جبل لبنان الى شطرين فيما تبقى بقية المحافظات على حالها؟
ومع اقتراب موعد الانتخابات في حزيران 2017، إذا جرت، فإنّ هذا القانون المختلط الذي يعتمد الأكثري على أساس القضاء والنسبي على أساس المحافظة، يواجه عثرات إضافية واستنسابية، إذ يَجمع عاليه والشوف، فيما يضمّ بعبدا الى المتن وكسروان وجبيل، وبالتالي فإنّ الدائرة الأولى، وهي الأصغر تضم 13 مقعداً (6 على أساس النظام الأكثري و7 على أساس النسبي)، فيما تضم الدائرة الثانية أي بعبدا مع جبل لبنان الشمالي 22 مقعداً (10 أكثري و12 نسبي).
أمّا المحافظات المستحدثة، أي عكّار وبعلبك – الهرمل والنبطية، فستبقى ضمن المحافظات المتعارف عليها تاريخياً، فيما كان الأجدى أن تحترم قاعدة المحافظات في كل لبنان، وعدم تقسيم جبل لبنان في أي قانون مطروح.
ومن هذا المنطلق، يواجه جبل لبنان تقسيماً جديداً في القانون المختلط سيضعف الصوت المسيحي، خصوصاً أنّ حسابات جنبلاط ستبقى غير ثابتة إذا قرّرت الأحزاب المسيحية خوض معارك في الشوف وعاليه.
ويواجه جنبلاط مشكلة جديدة في إقليم الخرّوب ذات الثقل السنّي، حتى لو بقي قانون «الستين». فقبل الحرب، كان الإقليم خزّان الحزب التقدمي الإشتراكي، أما بعد العام 1990، فقد دخل تيار «المستقبل» وبات القوّة الأكبر، وقد تَلقّف جنبلاط التغيّر الجديد وتحالف معه.
لكن إذا استمرّ المزاج السني في التغيّر كما حصل في محطات عدة أخيراً، وتحديداً في طرابلس، فإنّ أحداً لا يضمن اتجاه التصويت مع وجود رغبة تغييرية في المنطقة، واستفاقة مسيحيّة، حيث يمثّل المسيحيون اكثر من ثلث أصوات الشوف الناخبة.
قد تكون حظوظ إجراء الإنتخابات النيابية مرتفعة، فيما تنخفض نسَب التوقعات بولادة قانون جديد عصري، لكن مهما كان شكل القانون الإنتخابي، لم تعد الماكينات الإنتخابية قادرة على حسم توزيع الأصوات واحتسابها على أساس «بلوك» لهذا الحزب او ذاك، لأنّ هناك رأياً عاماً معارضاً ومتحرراً خارج القوى السياسية ظهر في الإنتخابات البلدية، وقد يَفعل فِعله في الإنتخابات النيابية، خصوصاً أنه بات معلوماً ان لا عودة الى ما قبل انتفاضة الشارع العام الماضي على خلفية أزمة النفايات.