قد يكون التعبير قاسياً، ذلك الذي استخدمه قطب سياسي بارز، في وصفه ما يجري على مسرح التحضيرات الانتخابية: «إنه القانون الصدمة الذي وضع كثيرين أمام الجدران المسدودة، فاندفعوا إلى أمرَين معاً: زواج المُتعة وسِفاح القربى». لكنّ هذا التعبير، على قساوته، يبدو معبِّراً جداً عن الصورة، وقد لا يكون هناك ما هو أكثر صدقاً منه.
من المفارقات أنّ «زواج المتعة» الانتخابي، في اللوائح المتناقضة، ينطبق على الجميع إلّا الشيعة أصحاب «زواج المتعة» أساساً. ففيما الموارنة وسواهم يبدّلون الشريك وفقاً للمنطقة لا للمنطق، ثَبُتَ بـ«الوجه الشرعي» أنّ زواج حركة «أمل» و«حزب الله» هو «الزواج الماروني» فعلاً، إذ إنّ أيّاً منهما لم يبدِّل تبديلاً.
حتى خبراء الانتخابات الأكثر براعة، لم يذهب خيالهم إلى حدّ رؤية اللوحة السوريالية التي ارتسمت في تركيبات اللوائح. كانوا إجمالاً يعتقدون أنّ هناك خطوطاً حمراً سياسية أو أخلاقية أو مبدئية أو حتى مصلحية لا بدّ أن تتوقّف عندها تحالفات اللوائح. لكن ما جرى كان صدمة للجميع.
البعض يقول إنّ فريقاً واحداً كان يعرف تماماً ماذا يفعل، وما ستكون عليه الصورة في الانتخابات، وهو الفريق الشيعي الذي روَّج لقانون الانتخاب، تحت ضغط الوقت، واستفاد منه وحده، كما كل القوانين السابقة، فيما الآخرون جميعاً سيُهشَّمون أو يُهمَّشون.
لكنّ آخرين يعتقدون أنّ الفريق الشيعي ليس خارقاً إلى هذا الحدّ، وأنه هو نفسه أصابته المفاجأة كسواه، لكنه محظوظ بـ»انضباط» الجغرافيا والديموغرافيا… وبعناصر القوة التي يملكها داخل الطائفة ولدى الطوائف الأخرى.
هل يمكن القول عن زواج «التيار الوطني الحرّ» و«الجماعة الإسلامية» في جزين أكثر من زواج المتعة العابرة لبضعة أيام، بين غريبَين لا يجمعهما سوى فراش 6 أيار، لساعات قليلة؟
وهل في هذا الزواج شيء من المنطق سوى «زكزكة» الحليف السياسي تيار «المستقبل»، وقطع الطريق على ذوي القربى في جزين من «قوات» و«كتائب» وآخرين؟ وكيف يبرّر باسيل هذا الزواج، فيما هو يرفع شعار «قرار جزين لجزين»؟ وهو لو اختار التوافق الجزّيني بدلاً من المصارعة المسيحية الحرّة هناك، لما كان اليوم يغامر باحتمال خسارة المقعد الكاثوليكي للحريري بعدما خسر المقعد الماروني لبري!
«أوعا خيَّك»، شعار تمّ تطبيقُه معكوساً وبحقدٍ منقطع النظير، على مدى الدوائر الانتخابية كلها. فـ«التيار» زاوج «الجماعة الإسلامية» في دائرة، ووافق على «أمل» في البقاع الغربي، وبعبدا إلى حدّ ما، وتجنَّب تماماً «خيَّك» «القواتي». وعلى العكس، هو طلَب رأسَه، لا بسيفه بل بسيوف السنّة والشيعة والدروز.
جنبلاط والحريري وضْعُهُما ليس أفضل. ففي الشوف وعاليه، كان جنبلاط «وسيط خير» للتوفيق بين الحريري و»القوات» ليركب الموجة وينجو بمقاعده. لكنه، مِن قَلب اللائحة في البقاع الغربي، صبّ نقمته على الحريري، لأنه أراد تحجيم التمثيل الجنبلاطي وحصره بمقعد وائل أبو فاعور.
وأما «القوات» فكانت تبحث عن رفيق في كل الاتجاهات، لأنّ كثيرين يريدون رأسها: جنبلاط والحريري استعانا بها في الشوف وعاليه وأبقياها خارج اللائحة في البقاع الغربي. و»حنّ الحديد على حاله» بين «القوات» والكتائب، حيث «الحنان» له مردود انتخابي: بيروت وزحلة وجزين والشمال. لكنّ الطلاق الأخوي وقع في المتن مثلاً، حيث كلٌّ «يا ربّ نفسي».
وفي المتن وسواه، يتصرَّف «التيار» بشراهية. فهو يريد، لو يستطيع، إزاحة كل زعامة مسيحية سواءٌ كانت لها امتدادات على مستوى الأحزاب أو على مستوى المناطق. وهو جمَع في لائحته ما لا يُجمَع، من أجل «تكبير» الكتلة وتثميرها.
وفي البترون – الكورة – زغرتا – بشري، يحتاج باسيل إلى أصوات الحريري، ويعتمد بطرس حرب على أصوات فرنجية، وتتحالف «القوات» مع الكتائب لأنّ المصيبة تجمعهما. والشعار الذي ترفعه الكتائب «رفض التحالف مع السلطة» تمّ تعديله مع «القوات» الذين قالت عنهم: «يشبهوننا». وبالفعل، «القوات» ليست فريقاً سلطوياً بما تعنيه الكلمة.
وفي بعلبك – الهرمل، 14 آذار بصحة جيدة. فـ»القوات» و»المستقبل» يتحالفان ضد «أمل» و»حزب الله» ومعهما القومي، ويقف «التيار» «على جنب». لكنّ القومي نفسه «يخردق» لائحة «التيار» الرسمية في المتن، بالياس أبو صعب وغسان الأشقر وكورين الأشقر، ولا يجد «التيار» مشكلة في ذلك، ما دامت الغاية تبرّر الوسيلة.
وفي كسروان – جبيل، زيجات متعة بالجملة في لائحة «التيار» خصوصاً. وفيما يرفض «التيار» مرشح «حزب الله» في جبيل، هو يتحالف مع مرشحي «الحزب» في بعبدا. وفيما يأخذ على المرشح أنه من خارج الدائرة، هو أيضاً جاء برئيس لائحته الكسروانية من خارج الدائرة.
في البيت السنّي، المواجهة تبدو أقل حدَّة، في الشمال وبيروت. لكنّ الحريري- كما سواه- لم يوفّر وسيلة للحفاظ على أكبر مقدار من كتلته النيابية الآيلة إلى التراجع حتماً في انتخابات 2018.
إذاً، يمكن الحديث عن ملامح مبكرة لنتائج انتخابات 6 أيار:
1 – مكاسب سيحقّقها الفريق الشيعي.
2 – دخول رموز سوريّة، شيعية وغير شيعية إلى المجلس.
3 – خسائر في كتل المرجعيات والزعامات الأساسية غير الشيعية: عون، الحريري وجنبلاط.
4 – تكريس التواطؤ بين أركان الطبقة السياسية في وجه تيارات «المجتمع المدني» التي أصيبت، على أنواعها وتعدّد اتّجاهاتها و«ولاءاتها»، بهزيمة نكراء.
5 – «ذوو الخزنات» يحتلون مواقع «ذوو النضال»، وهم موجودون في كثير من اللوائح «للطوارئ».