IMLebanon

قانون الإنتخاب في غرفة الإنعاش

يدخل إقرار قانون الانتخاب الجديد نادي الملفات المؤجلة بعد التوتّر السياسي الذي يشهده لبنان والمنطقة، وتعليق البت بالمواضيع الخلافيّة ريثما يتمّ انتخاب رئيس للجمهوريّة، في وقت تتابع اللجنة المكلّفة درس هذا القانون عملها وسط الألغام السياسيّة والمناطقيّة والمذهبية وحسابات الربح والخسارة عند كلّ حزب أو طائفة.

من الباكر جدّاً الحديث عن قرب الاتفاق على قانون الانتخاب، حيث تغيب المؤشرات التي تدلّ على أن اللبنانيين سيحظون بقانون عصري وعادل يؤمن صحة التمثيل والاستقرار السياسي.

في ظل تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحدود الدنيا، وتحوّله من حاكم يسمّي رئيس الوزراء ويقيل الحكومة ومجلس النواب إضافة الى صلاحيات واسعة منحته إيّاها جمهورية الاستقلال، الى حكَم من دون صفارة لا يستطيع ممارسة أبسط صلاحياته، ومع ضياع الحكومات بين الأحزاب السياسيّة والدخول في لعبة حكومة الوحدة الوطنية غير القادرة على الحكم إلّا بالتسويات، والثلث المعطّل، باتَ من يمسك باللعبة البرلمانية قادراً على التحكم بمفاصل الدولة إذا كان يملك جرأة ممارسة الحكم.

ومن الواضح والأكيد أنّ قانون الانتخاب بات ملازماً لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية، ويدخل ضمن السلة التسووية الكاملة المتكاملة التي يتحدث الجميع عنها، لكن من المعروف أنّ الرئيس هو اسم واحد تعلنه التسوية الاقليمية – الدولية التي ما زالت بعيدة المنال، امّا قانون الانتخاب فهو تقني وسياسي يجب أن ينال رضى كل الأحزاب والمكونات ويحتاج الى درس معمّق ودقيق لإقراره.

وفي انتظار الفَرج من الخارج، تُجمع الأوساط السياسية الداخلية على أنّ العراقيل السياسية ما زالت كثيرة أمام إنتاج أي قانون انتخاب جديد، فكلّ اللجان التي شكلت حتى الآن لم تأتِ بمردود إيجابي ولم يتغيّر شيء ليقرّ حالياً. ويتفق الجميع على أنّ تعديلات دخلت على القواعد السياسية الواضعة للقانون الجديد فَرضتها التغييرات في موازين القوى على الأرض. وبات مؤكداً أنّ المسلمين غير قادرين على فرض القانون الذي يريدونه مثلما فعلوا منذ عام 1990 من دون الأخذ برأي المسيحيين.

في المقابل، وعلى رغم أنّ الاطراف الأخرى في الوطن اقتنعت بأحقية المطالب المسيحية والغبن اللاحق بهم من جرّاء القوانين المجحفة، إلّا أنّ المسيحيين يعلمون جيداً أنهم لن يستطيعوا انتزاع القانون الذي يحلمون به، بل عليهم تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب ليستعيدوا قوتهم تدريجاً داخل التركيبة اللبنانية الهشّة أملاً في العودة الى قاعدة الشراكة والتوازن الحقيقي في الحكم.

ووسط كل البلبلة الرئاسية والتشنج الداخلي على خلفية الصدام الاقليمي بين ايران والسعودية، تستكمل اللجنة المكلفة درس قانون الانتخاب عملها، لكن في غياب أيّ مؤشر جدي بقرب الاتفاق، خصوصاً أنّ القانون المختلط الذي يمزج بين النظامين الأكثري والنسبي ما زال نجم النقاشات والمباحثات.

وهناك مشروعان هما الاكثر جدية، الأول مشروع «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، والثاني مشروع الرئيس نبيه برّي القائم على انتخاب نصف المجلس وفق النسبي والنصف الآخر على أساس الأكثري.

ومن أبرز الحواجز السياسية التي تعوق المطالب المسيحيّة، عدم اتفاق الأحزاب المسيحية على قانون موحّد ووضعها رؤية مقبولة تتقدّم بها الى الكتل الأخرى للتفاوض على أساسها على رغم عمل «القوات» و»التيار الوطني الحرّ» على هذا الموضوع، إضافة الى موقف «حزب الله» المصرّ على النسبية الكاملة وهذا ما يرفضه تيار «المستقبل» و»الاشتراكي».

عند نضوج التسوية السياسية، وإذا صدقت النوايا، فمن المؤكّد أنه سيكون للبنان قانون انتخاب جديد، لكن كما يبدو فإنّ التحالفات لم تعد ثابتة بل هي على «القطعة»، بعد تضعضع «8 و14 آذار». وبات لكل حزب أو تيار حسابات جديدة تختلف عمّا كانت عليه سابقاً، وأصبح يجري استطلاعات للرأي ويضع سيناريوهات لانتخابات قد تحصل من دون حلفائه.

لكن هل ستعود الحياة الديموقراطية والبرلمانية الى البلد، أو أنه غرق في لعبة الدول المجاورة التي تُنجز استحقاقاتها وسط الحروب بينما يعجز بلد الأرز المستقرّ نسبياً عن الحفاظ على مؤسساته وتأمين انتقال السلطة ديموقراطياً؟