كل التصريحات والمواقف السياسية تدور حول قانون الانتخاب، مع استمرار المخاوف المتعلقة ببقاء قانون الستين، وعودة الكلام عن تطبيق اتفاق الطائف الذي حدد عدد النواب بـ 108
في موازاة الكلام عن قانون الانتخاب وشكل التصويت الذي تفتّش عنه كل القوى السياسية، تبقى الاضاءة مهمة على نقطتين اساسيتين: محاولة العودة الى قانون الستين او قانون الدوحة الحالي القائم على الستين معدلا، وتوزيع المقاعد النيابية في الدوائر التي اعتمدت في اتفاق الطائف، بعد رفع عدد النواب، ومن ثم اتفاق الدوحة. ويظهر الجدول الذي أعده الباحث يوسف شهيد الدويهي، كيفية توزع المقاعد في المراحل الثلاث
قانون الستين
ثمة حقيقة لافتة، يجدر التوقف عندها في الكلام عن قانون 1960 الذي اعتمد في اربع دورات متتالية (1960 و1964 و1968 و1972)، وهي ان المسيحيين كانوا حينها في السلطة، بالمعنى الحقيقي للكلمة، بغض النظر عن اي أخطاء يجري الكلام عنها اليوم. هذا يعني ان قياداتهم التي كانت تؤلف اللوائح الانتخابية كانت قادرة على التأثير في اختيار كثير من النواب الدائرين في فلكها من غير المسيحيين.
المرة الاولى التي شعر المسيحيون بأنهم قادرون على استعادة هذا القانون في الدوحة اعتقدوا، خطأ، بأنهم قادرون على التأثير في هذه الدوائر والمقاعد فيها. لكنهم اكتشفوا لاحقا خطأهم وبأنهم لم يعودوا في السلطة ومركز القرار. في حين ان المنطق السياسي يقول ان من صالح القوتين السنية والشيعية اللتين اصبحتا في السلطة اليوم ان تتمسكا بهذا القانون كما كانت حال المسيحيين قبل 1975. علما ان احتمال اجراء الانتخابات وفق القانون الحالي لن تكون نتائجه مضمونة الا لثنائية حزب الله وحركة أمل، لأن أي انتخابات وفق التفاهمات الحالية لن تضمن استعادة الحصص والوجوه النيابية نفسها لاي من الافرقاء الاخرين. فمن يضمن ان يحصل تيار المستقبل على كل المقاعد الشمالية التي في حوزته حاليا، ومن يضمن الكورة لقوى 14 آذار، او بيروت الاولى في ظل التفاهم العوني ــــ القواتي، او زحلة في حال تفاهم المستقبل مع الكتلة الشعبية؟
عدد النواب
في الدورات الاربع الاخيرة لمجلس النواب قبل الحرب، كان عدد النواب 99. وفي مناقشات الطائف، ارتفع الى 108. لكن مجلس النواب اعاد رفعه قبل انتخابات 1992 الى 128. ومنذ إقرار هذا التعديل، لم يعد احد من السياسيين الى تناول هذا الشق الذي اخذ حيزا واسعا من مفاوضات اتفاق الطائف. انشغل المسيحيون الذين كانوا على عداء مع سوريا بمقاطعة الانتخابات عام 1992، وبعدها في انتخابات 1996 و2000 في تحصيل ما يمكن تحصيله لمواجهة سوريا وحلفائها. اما القوى التي كانت حليفة لسوريا فلم يكن في صالحها آنذاك اعادة فتح الملفات القديمة.
بحسب مشاركين في مفاوضات الطائف، فان نقاشات مطولة دارت حول رفع عدد النواب. فقد رفض النواب المسيحيون المشاركون بشدة هذا الطرح، وكذلك القيادات المسيحية التي كانت في لبنان، ولم تكن ممثلة في مجلس عام 1972. بحسب هؤلاء المشاركين فان تعديل مجلس النواب عام 1992 العدد ورفعه، لم يكن مجرد رغبة في زيادة عدد حلفاء سوريا في المناطق التي اضيفت فيها مقاعد نيابية جديدة، او اعطاء المسيحين والمسلمين الذين زاد عدد نوابهم بالتساوي مقاعد اضافية عشوائية. بل الهدف الحقيقي هو التصعيب على المسيحيين (ومن يتضامن معهم في وجه السلطة السورية آنذاك)، الحصول في مجلس النواب على الثلث الذي يمكنهم من عرقلة اي تعديل دستوري. ففي مجلس 108 يصبح الثلث المعطل 36، وفي مجلس 128 يصبح الثلث 42 – 43. والفكرة الاساسية من رفع عدد النواب منع وجود تكتل يمكن ان يؤثر في مجريات اللعبة الدستورية التي كانت سوريا تهدف من ورائها الى الامساك بزمام الوضع، كما حصل مع التمديدين للرئيسين الياس الهراوي واميل لحود، وخصوصا مع التمديد الاخير الذي عارضه 29 نائبا بينهم 19 مسيحيا.
مهما كان قانون الانتخابات تحتاج الى «استعادة» المقاعد المسيحية تفاهمات مع القوى الاخرى
فتكبير الثلث يجعل الوصول الى ما يريده المسيحيون صعبا، بدليل ما حصل في الشغور الرئاسي، ويصعّب عملية اعتراضهم على اي من القضايا الحساسة والاساسية التي قد تمر في مجلس النواب. فالفكرة التي تمسك بها المسيحيون في الطائف، كانت تقضي بوجوب تشكيل مجموعة اصوات «مضمونة» بمعاييرها وبمواقفها للوقوف ضد تمرير اي أمر مخالف للدستور والقوانين كما حصل لاحقا.
توزيع النواب
توزع عدد النواب العشرين الذين اضيفوا بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين. الا ان اكثر من نصف المسيحيين اضيفوا خارج جبل لبنان، حيث مركز الثقل الاساسي للقوى المسيحية.
في عرض لمرحلة ما بعد الطائف، كان المقعد الماروني الوحيد الذي اضيف في كسروان، خارج التأثير المباشر للقوى الاخرى طائفية كانت ام سياسية. ففي المتن ابقيت المقاعد التي اضيفت (ماروني وارثوذكسي وكاثوليكي) تحت رحمة الموالين لسوريا وحلفائها المسيحيين آنذاك وحزب الطاشناق. والامر نفسه حصل لمقاعد عكار (ارثوذكسي) والكورة (ارثوذكسي) وطرابلس (ماروني) والبقاع الغربي (ماروني) وزحلة (كاثوليكي وارمن كاثوليك).
حاليا تجري محاولة تصوير هذه المقاعد على انها يمكن ان تعود الى المسيحيين وفق التفاهمات التي تعقدها القوى المسيحية الاساسية. لكن مقاربة الانتخابات على ان ثمة «بلوكا» مسيحيا متماسكا يخوض الانتخابات يبدو امرا بعيد المنال. فالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اللذان صاغا تفاهما سياسيا لم يتمكنا من فرض تفاهمهما كاملا على البلديات. واي تفاهم انتخابي، سيقابل ايضا بتأثيرات مسيحية من مستقلين والكتائب والمردة والعائلات، الامر الذي يجعل صعبا على القوتين انجاز استرداد المقاعد المسيحية بالكامل من الكتل والاتجاهات السياسية التي باتت من حصتها. واذا استعادا بعضها، فوفق تسويات التيار الوطني مع حزب الله والقوات مع المستقبل.
اما المقاعد الاسلامية فزيدت في قضاء عكار (سني وعلوي)، قضاء المنية الضنية (سني)، طرابلس (علوي)، بعلبك ــ الهرمل (سني وشيعي)، البقاع الغربي ــ راشيا (شيعي وسني) صيدا (سني) صور (شيعي) بنت جبيل (شيعي) وبيروت (شيعي).
ويعتمد الدويهي في الجدول المذكور تسمية قانون الستين، والطائف كما اقر، وتسمية الدوحة 2008، لانه القانون الحالي والذي اعتمد الاقضية كدائرة انتخابية. الا ان لبيروت وضعا مختلفا. لان تقسيم بيروت ثلاث دوائر انتخابية اختلف جذريا، علما ان رفع عدد المقاعد في الطائف ومن ثم بعد التعديل الى 128 وزع نواب بيروت عشوائيا . اما في الدوحة فتم اعتماد توزيع المقاعد وفق دوائر جغرافية ونيابية جديدة، بحيث تم ادخال تعديلات عليها وفق ما ارتأته القوى السياسية آنذاك لتحصيل اكبر عدد من المكاسب كما حصل في بيروت الثالثة، وتسوية سنية ــــ شيعية لتقاسم بيروت الثانية حتى بالاسماء.
العودة الى مناقشة قانون الانتخاب وعدد النواب تقتضي قراءة جديدة من زاوية واقع المسيحيين حاليا، لأن تصوير ان في امكانهم استعادة كامل المقاعد التي يريدونها تحتاج الى كثير من التفاهمات والاتفاقات الانتخابية، مهما كان نوع القانون الذي سيعتمد، وهي تفاهمات مسيحية داخلية. لكنها ايضا تحتاج الى اتفاقات وتفاهمات مع القوى الاخرى، لان هذه المقاعد لا تزال رهينتها منذ 1992.