عندما تحل «الدوخة» مكان.. «الدوحة»
قانون الانتخاب: سوريالية وهواجس ومقصّات وانتظار!
يُجمع الواقعيون من اعضاء اللجان النيابية المشتركة المعنية بمناقشة قانون الانتخاب على ان مهمة اللجنة ليست صعبة وحسب، بل تكاد تكون مستحيلة، في ظل المعطيات السياسية الراهنة التي تؤلف في مجموعها أزمة نظام، متعددة الأبعاد والأشكال.
وامام هذه الحقيقة، يمكن الجزم منذ اليوم بان أيار ـ الذي ينتهي في أواخره العقد العادي للمجلس النيابي ـ لن ينجح في تحقيق ما عجزت عنه الشهور الاخرى للسنة، واللجان المشتركة الفضفاضة لن تتمكن من انجاز ما أخفقت في انجازه اللجنة النيابية المصغرة وطاولة الحوار الوطني.
وبرغم هذه القناعة السائدة لدى كثيرين من السياسيين، فان النواب سيخوضون مجددا «ماراتون» قانون الانتخاب في أروقة المجلس، وسيلهثون عبثا خلف «ظل» مشروع توافقي، كلما ظنوا انهم اقتربوا منه ابتعد عنهم.
ومع ذلك، لا مفر من المحاولة مجددا، برغم انها تبدو يائسة، باعتراف نائب يمثل حزبا سياسيا بارزا في نقاشات اللجان المشتركة. انه الحفر بـ«إبرة» رفيعة في جبل شاهق من المصالح المتضاربة والحسابات المتعارضة التي تحتاج الى دينامية داخلية فائقة، للتوفيق بينها، خصوصا ان اللبنانيين ُتركوا يتدبرون أمرهم، لوحدهم، بفعل انشغال القوى الاقليمية المحورية عنهم.
عام 2008، كان لقوة الدفع الخارجية الدور الاهم في توليد تسوية قانون الستين، ويروي احد الذين شاركوا في مؤتمر الدوحة آنذاك، ان الملك السعودي والرئيس السوري والرئيس الايراني وامير قطر ظلوا فوق رؤوس المتحاورين اللبنانيين لحثهم على التفاهم، الى حد ان امير قطر ووزير خارجيته دخلا في دهاليز التفاوض حول تفاصيل دائرة الصيفي والرميل في بيروت.
هذه المرة، شعر اللبنانيون بـ «الدوخة» لا بـ «الدوحة»، بعدما تبعثر الرباعي الاقليمي، وتوزع على المحورين المتصارعين في المنطقة تحت وطأة افتراق الخيارات والرهانات، حتى بات هو الذي يحتاج، اكثر من غيره، الى من يجمع شتاته مجددا.
اما وان الكرة عادت الى ملعب اللجان المشتركة، فان ما تجدر ملاحظته هو ان النقاش التقني في قانون الانتخاب استنفد أغراضه وطاقته، بعدما وصل الى مداه الاقصى عبر التجارب الحوارية السابقة، بحيث لم يعد هناك مجال لإضافة نوعية على هذا الصعيد، خصوصا ان اللجنة المصغرة الحديثة ـ والتي رفعت العشرة بعد مداولات مطولة ـ كانت قد أشبعت كل المشاريع درسا وتشريحا، من الناحية الاجرائية، من دون ان تحقق اي نتيجة.
وعليه، فان اسئلة وتحديات من نوع آخر، يجب ان تتصدى لها القوى السياسية الاساسية، لا اللجان، وهي: هل هناك إرادة حقيقية بانتاج قانون انتخابي عادل وعصري، وهل يمكن انجازه بمعزل عن سلة متكاملة ام انه جزء عضوي وحتمي منها، وما هو المعطى الذي من شأنه ان يكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها البحث منذ وقت طويل، وهل المضمر لدى بعض الاطراف مغاير للمعلن وتحديدا لجهة الموقف من قانون الستين الذي يتبرأ منه الجميع في الظاهر خلافا لما يتم الهمس به في السر؟
وبرغم ان اللجان المشتركة قررت بعد جلستها الاولى اجراء «حسومات» على المشاريع الـ17، لتتقلص الى حدود الاربعة، إلا ان الاختبار الجوهري الذي سيواجهها، برأي أحد أعضائها الاساسيين، يتمثل في إمكانية التجسير بين المشروع المختلط المقدم من الرئيس نبيه بري على اساس 64 نسبي و64 أكثري، والمشروع الذي سبق ان طرحه كل من تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» على قاعدة 60 نسبي و68 أكثري.
ويعتبر نائب شارك في تشريح المشاريع الانتخابية على طاولة اللجنة المصغرة ان مشروع بري يمكن ان يشكل نقطة الارتكاز لقانون مقبول ومنصف، لانه ينطلق من معيار منطقي ومعتمد دوليا، هو منح المقاعد النيابية الضعيفة المخصصة للمكونات الاقلوية في محيط أكثري، فرصة لجمع اصوات كافية، من خلال رافعة النسبية، إضافة الى شموله معيار التوازن الذي يعتمد المناصفة بين مقعد أكثري وآخر نسبي، في كل دائرة انتخابية تضم مقعدين اثنين.
ويشير النائب إياه الى ان المشروع المختلط الآخر مفصل بشكل صريح وفج على قياس قوى «14 آذار»، وفي طليعتها تيار «المستقبل»، لافتا الانتباه الى انه جرى توزيع المقاعد في الدوائر بين النسبي والاكثري وفق «مقص» الاستنسابية الذي لا يراعي وحدة المعيار او حساسية التوازن الميثاقي.
وخلال احدى جلسات الحوار، وصف عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض هذا المشروع بلوحة فوضوية الى حد السوريالية، فضحك الرئيس فؤاد السنيورة، وقال معلقا: لكن اللوحة السوريالية تكون في العادة جميلة، ثم أضاف: نعم.. مشروعنا ينطوي على بعض التفاوت في المعايير لانكم تملكون السلاح بينما نحن لا نملكه..