IMLebanon

قانون الانتخاب لن يحلّ مشاكلنا

فيما ينطلق مجلس النواب مجددأً بلجنة مصغرة للبحث في ملف الانتخابات النيابية، ارى أن اقرار قانون جديد حاجة وطنية واصلاحية لا شك فيها، لكن في الوقت نفسه، حتى لو توصلنا الى قانون انتخاب أقرب الى الكمال، فلن تحل مشاكلنا دون ترجمة حقيقية لحلول سياسية. وفي كل الأحوال، ان التمثيل الصحيح في المجلس النيابي لا يمكن أن يكون بالعودة الى عصر القبائل الطائفية أو المذهبية، فالدائرة ذات اللون الطائفي او المذهبي الواحد لا علاقة لها بلبنان العيش الواحد المشترك. لذلك أجدد الرفض القاطع لاقتراح القانون الارثوذكسي الذي اعتبر أنه سيجعلنا قبائل متناحرة تستعمل لغة تخاطب جاهلية، وهو في رأيي الوصفة الأكيدة لإنهاء لبنان الميثاقي.

إنّ موضوع الانتخابات النيابية يقودنا الى اتفاق الطائف او “وثيقة الوفاق الوطني” الذي احتفلنا بمرور ربع قرن على ولادته. فقد كان الاتفاق النهاية السعيدة لحروب اهلية دمرت البشر والحجر في لبنان على مدى خمسة عشر عاماً. إنه تسوية لبنانية برعاية عربية ودولية ، لكنه في الوقت نفسه شكّل الخيار الايجابي الوحيد المتاح لانقاذ لبنان، والا فان الخيار البديل هو القضاء على لبنان العيش الواحد المشترك. والعودة الى تعددية قبلية ميليشيوية تتخاطب بلغة القتل والتهجير. صحيح ان بعض الاتفاق قد نفّذ، لكن بعضه الآخر إما نفّذ بشكل تشوبه شوائب، واما لم ينفذ. وعليه فان المهمة الملقاة على عاتقنا تكمن في تنفيذ ما لم ينفّذ، تنقية الشوائب مما نفّذ، وليس بقلب الطاولة على الاتفاق برمته، والذهاب الى المجهول الخطر. ولا غرو في القول إن اتفاق الطائف يشكّل مصدر الهام لدول كثيرة تقوم على التعددية الطائفية والمذهبية والثقافية، وهو الوصفة الاكيدة لمعالجة كل هذه التعقيدات.

بصرف النظر عن اي نقاش وتفصيل، لا بد من التمييز بين أمرين أساسيين في اتفاق الطائف: الأمر الاول هو الجانب الميثاقي في هذا الاتفاق والذي اصبح يشكل مقدمة الدستور، والذي لا يجوز المساس به تحت اي ظرف من الظروف. اما الأمر الثاني فهو الاصلاحات. رب سائل: هل تم الالتزام تماماً بالجانب الميثاقي من جميع مكونات المجتمع اللبناني؟ والجواب طبعاً لا. الا انني ارى هنا حتى الاديان لا يلتزمها كثيرون ممن يدعون الانتماء اليها، لكن هذا لا يعيب الاديان، بل يعيب من يسيئون التزام المبادئ والمثل العليا. وبالقياس، فان سوء تطبيق البعض الجانب الميثاقي من اتفاق الطائف لا يعيب الاتفاق، بل يكشف عن عجز هذا البعض عن الارتقاء الى مستوى الوطن وثوابته الميثاقية. اما الأمر الثاني المتعلق باصلاحات لم تنفّذ بعد او يمكن تطويرها وتفسيرها وتحسينها فهي عدة. فقوانين الانتخاب المتعاقبة لا علاقة لها بما اتفقنا عليه في الطائف لجهة اعتماد المحافظة بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات. ومجلس الشيوخ بقي حبراً على ورق. والغاء الطائفية السياسية بقي أغنية نتغنى بها. أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي فكان شكلاً بلا مضمون حقيقي يعبّر عما اتفقنا عليه في الطائف. أما بسط سلطة الدولة على الاراضي اللبنانية فاتفقنا لغاية عام 2000 عليها، واختلفنا بعدها وحتى اليوم على كل شيء له علاقة بهذا العنوان، بل أكثر من ذلك اتفقنا على طاولة الحوار، ومنذ عام 2006 على كثير من العناوين التي تعتبر انعكاساً لاتفاق الطائف ولم ننجح في ترجمة ما اتفقنا عليه على الورق الى واقع ينفذ.

وعلى الرغم من كل ما تقدم، أعتبر أن المشكلة الأساس المتعلقة بأزمة تكوين السلطة ليست في نصوص اتفاق الطائف ولا في الدستور ولا في النظام الداخلي لمجلس النواب، بل في الأداء السياسي للبعض الذي أدى الى هذا الانقسام العمومي الحاد. فمجلس النواب حين يعجز عن التشريع أحياناً أو يفشل في انتخاب رئيس للجمهورية ليس السبب هو في نص هذه المادة او تلك، بل السبب الاساس هو في التعقيدات السياسية التي تترجم تأثر لبنان بالصراعات الاقليمية الكبرى والتي لا تعالج بقانون انتخاب هنا أو قانون بلديات هناك.

إنّ الدولة هي مجموع مصالح المواطنين، وليست مصلحة فريق دون آخر. والدولة هي الدولة الآمنة وليس الأمنية. ما حصل في السنوات القليلة الماضية وفي كثير من الحالات كان افتعال وضع ثم التذرع به، فما من ارقام تكذب، لكن بعض الكذابين يرقّمون، وما من سماء تدعو الى الكفر، لكن بعض من يدّعون الانتماء اليها يكفِّرون ويكفرون. لقد تعلمنا من الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن ما من احد اكبر من وطنه.

النائب عمّار حوري