باسيل اختار التغيّب عن مؤتمر باريس بعد تيقنه من رفض الأخذ بالمطالبات اللبنانية
قانون الانتخاب نواة إعادة إنتاج السلطة ولا خلاف رئاسياً على تصحيح التمثيل
«مراقبون ينظرون بريبة إلى تسويق الخلاف الصامت بين الحريري وباسيل على خلفية الموقف من مؤتمر باريس للتصويب على العلاقة من باب قانون الانتخاب»
انشغل وزير الخارجية جبران باسيل، نهاية الأسبوع الفائت، بالتحضير لاجتماع باريس مع القائم بأعمال السفارة في فرنسا غدي خوري. ظل حتى اللحظة الأخيرة، قبل أن يحسم خيار التغيّب عن المؤتمر، متردداً في شأن السفر الى باريس للمشاركة في الاجتماع المخصص في الأصل لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، نظراً الى أن كل الاتصالات والمشاورات كانت تؤشر الى أن الاجتماع لن يتبنى إلحاح لبنان على إدراج بند حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وعلى إدخال تعديلات على مسودة البيان الختامي تشدد على محورية مبادرة السلام العربية كما وردت في قمة بيروت العام 2002 بكل مندرجاتها.
وترجم باسيل هذا الرفض لذكر حق العودة المكرس بالقرار الدولي رقم ١٩٤ الصادر عن مجلس الأمن الدولي في الحادي عشر من كانون الأول ١٩٤٨، ولإعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية، ببيان صادر عن وزارة الخارجية أكد فيه أن «لبنان بات مأوى لـ500 ألف لاجئ فلسطيني ولأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري، فهل نبقى شهوداً صامتين أمام عمليات اعادة هندسة المنطقة ديموغرافياً وبالقوة؟».
وأشار الى ان المقترح اللبناني جُبه برفض البعض وبتجاهل البعض الآخر حتى وصل الأمر إلى خلو البيان كاملا من كلمة لاجئين، وكأن المجتمعين في حالة إنكار للواقع المأساوي للفلسطينيين في الشتات (..) الذي لا يمكننا تجاهله أو التغاضي عن تجاهل الآخرين له». وانتقد «اعتماد صياغة مبهمة في مشروع البيان الختامي عند التطرق إلى موضوع مبادرة السلام العربية تنتقص من شموليتها».
ولاقى رئيس الحكومة سعد الحريري وزير الخارجية بالتأكيد على أن «لبنان سيبقى متمسكا بالإجماع العربي وبحقوق اخوانه الفلسطينيين الكاملة وعلى رأسها حق العودة وسنبقى مجمعين على رفض التوطين عملاً بدستورنا».
على أن البعض سعى الى التسرّب من بين سطور بيان مؤتمر باريس ومن كواليسه، في محاولة لإظهار تباين في الموقف بين رئاسة الحكومة والديبلوماسية اللبنانية، على خلفية ترحيب الحريري بمناقشات المؤتمر وببيانه الختامي، في حين أن مساحة الإلتقاء في الموقفين ثابتة وصلبة، على ما يقول مراقبون تابعوا عن كثب المشاورات اللبنانية التي سبقت المؤتمر ولحقته.
ويشير هؤلاء الى ان الموقف اللبناني يجمع، بلا تردد أو تحفظ، على رفض أي مسعى لإجهاض عودة اللاجئين الى ديارهم، ليس فقط احتراماً لحق الفلسطينيين بالعيش بكرامة في دولتهم، بل لأن ثمة نمطاً Trend دولياً تجري بلورته تباعاً في مواجهة أكبر أزمة لجوء على مستوى العالم، يقوم على تثبيتهم في أمكنة لجوئهم تمهيدا لتوطين ما امكن منهم وأينما أمكن. وهذا تحديدا ما يخشاه لبنان، لأن أي تساهل في حق عودة النازحين السوريين الى بلادهم يعني، حكما، تساهلا في مسألة اللاجئين الفلسطينيين، ما يحوّل لبنان بلد لجوء بما يهدد كيانه الراهن ونمط العيش فيه، نموذجا لتفاعل عائلاته الروحية.
وينظر المراقبون بريبة الى ما يجري تسويقه عن خلاف صامت بين الحريري وباسيل، واستطراداً بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، على خلفية الموقف من مؤتمر باريس، ليصار في ضوئه الى التصويب على هذه العلاقة من باب قانون الانتخاب، خصوصاً ان من بين المتضررين من ثبات هذه العلاقة الرئاسية ثمة من يجهد للقول ان شهر العسل على محك هذا الإستحقاق.
لا تولي قيادة «التيار الوطني الحر» لهذا التسويق أي أهمية، وهي على يقينها بأن لا إرادة فوق الإرادة الشعبية التي تنظر الى الإنتخابات النيابية كمتنفّس وحيد، وتالياً من غير الوارد حرمان اللبنانيين هذا الحق التعبيري. وتلفت الى مناشدة باسيل رئيس الحكومة أن «يعطي البلد الآن، كما أعطاه من قبل»، وإشارته الى «اننا هنا لتقويته وليس لإضعافه»، رسالة واضحة الى ان رئيس الحكومة تقع على عاتقه أكثر المهام سمواً في الوقت الراهن، وهي مهمّة إعادة إنتاج السلطة وتصحيح الإعوجاج في التمثيل الشعبي، وخصوصا المسيحي منه، بما يعكس حقيقة إتفاق الطائف ومندرجاته لجهة التقاسم العادل للسلطة ووقف أي تهميش أو تهشيم، وكذلك أن المسيحيين يقفون تراصفاً الى جانبه لتحقيق هذا التصحيح ورفع الظلم.
وترى قيادة التيار أن ثمة من السياسيين من يحاول الإيغال في إجهاض الجهود الرئاسية المبذولة للوصول الى قانون انتخاب جديد، رغبة في تمديد قوام السلطة القائمة التي انتهت صلاحيتها، وانتفت ظروف إنتاجها، لكن هذا الأمر لن يتحقق لأن القوى الرئيسة باتت متيقّنة من أن مسيرة التصحيح التي بدأت مع انتخاب العماد ميشال عون، ستتابع سبيلها بحكم رغبة هذه القوى وبحكم قوّة التاريخ.