Site icon IMLebanon

المنتصرون والخاسر الأكبر

 

 

استحضرتُ أمس، كلاماً للرئيس الفرنسي الراحل العملاق  شارل ديغول، في أعقاب «حرب الأيام الستة» (في حزيران من العام 1967) التي أصابت مصر والأمة العربية قاطبة بجرح كبير لم يندمل حتى اليوم. أثر تلك النكسة الكبيرة تقدم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر باستقالته الشهيرة، معترفاً بالهزيمة، معلناً أنه يتحمّل المسؤولية وأنه قرر التنحي. على أثر بيانه الذي بثته الإذاعات بصوته المتهدّج، نزل الملايين من الجماهير العربية الى الشوارع في القاهرة وسائر العواصم العربية، بما فيها بيروت، تهتف لعبد الناصر في مشهد من الالتفاف حول تلك الهامة التاريخية الاستثنائية. وشدّد الإعلام المصري، خصوصاً في اذاعة «صوت العرب»، على «انتصار» القيادة. وتبنت هذه الأخيرة فكرة الانتصار(…). يومها قال ديغول قولته التي لا تزال ترنّ في الآذان: «عجيب هذا الأمر، أمة وشعوب مهزومة وقيادة منتصرة».

 

وبعد الجلسة النيابية الرئاسية، أمس، استمعت الى غير نائب، لاسيما في فريق الثنائي الشيعي، يتحدث عن الانتصار الذي حققه هذا الفريق. ولم يقصّر فريق «التقاطع» في هذا المجال…

 

فعلاً، بدا أن مثل هذا الوضع يدعو الى كثير من التساؤل وحتى التعجب. ولا أود أن أدخل في المزيد من التفاصيل، فقط أريد أن أذكّر «المنتصرين»، وبعيداً عن الأرقام، أن الجلسة التي شاهدنا فصولها أمس، في ساحة النجمة، هي هزيمة جديدة تُراكِم الهزائم التي يلحقها الطاقم السياسي بهذا الشعب اللبناني الصابر، المغلوب على أمره، المنكوب بقياداته الهجينة، المصاب في أمنه الاقتصادي، والمالي، والصحي، والطبي، وفي مقوّمات حياته كلها، حتى لقمة العيش، وعسى ألّا يصاب في أمنه الأمني(…).

 

إن الهزيمة الكبرى التي حلّت بلبنان الشعب والوطن، والتي تتحمّل المسؤولية عنها «الجماعة السياسية»، لا تأذن لكم كلكم أن تتحدّثوا عن انتصار وقد أوصلتم البلاد والعباد الى ما «تحت التاحتين»…

 

ولقد يكون من العيب، وحتى من العار، الكلام على انتصار وأنتم لا تريدون (لستم عاجزين عن) انتخاب رئيس للجمهورية قد لا يكون قادراً على أن يشيل البلد من بئر الأزمة العميقة، ولكنه في أقل تقدير يوفر الظرف المؤدي الى الإنقاذ. وأنتم لا تعملون جدّياً على التوصل الى انتخاب رئيس لأنكم تبحثون عن مصالحكم، أما مصلحة لبنان العليا فليست واردة في قواميسكم.

 

وأمّا الكلام على ما حفلت به الجلسة النيابية الرئاسية، أمس، فلا يستأهل الخوض فيه، ذلك أننا منذ اليوم الأول لتعيين موعدها وتوجيه رئاسة المجلس الدعوة إليها كتبنا، في «شروق وغروب» سابق أنها لن تكون «غير شكل» عن سابقاتها، سوى بأن الأوراق البيضاء ستخلي مكانها لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهذا ما حدث فعلاً…

 

والى الحلقة الثالثة عشرة من هذا المسلسل الرئاسي المضجر والمؤذي الذي لا نعرف ما اذا أمكن وصفه بالهزلي أو بالمأساوي.