فيما يتكبّد حزب القوات اللبنانية والتيّار الوطني الحر عناء تشكيل اللوائح التي سيخوضان على أساسها انتخاب نقيب للمهندسين و5 أعضاء، وما يتبعه ذلك على صعيد الانقسام السياسي داخل النقابة، تتزايد مؤشرات إلى مُحاولات تقودها معراب للإطاحة بالمرشّح «العوني» والذهاب إلى «خيار ثالث»، وهو ما يُطالب به أيضاً بعض المستقلين، فيما يجري وضع اللمسات الأخيرة على تحالفٍ سياسي – نقابي بين التيار وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وجمعية المشاريع الخيريّة الإسلامية
«صراع الديوك»، وفق ما يصف متابعون التحضيرات لانتخابات نقيب للمهندسين و5 أعضاء إلى مجلس النقابة في 14 نيسان المقبل، قصم ظهر المهندسين عَمودياً بين التيّار الوطني الحر والقوّات اللبنانيّة بعد محاولات إقصاء المرشّحين المستقلّين بقطع الطريق عليهم في المرحلة التمهيديّة في انتخابات الفروع الشهر الماضي.الصراع سياسي يدحضه مسؤولو الأحزاب الذين يُريدون تصوير المعركة على أنّها نقابيّة، وتؤكّده مجريات التحالفات. فما كاد التيّار الوطني الحر يُرشّح فادي حنّا لمنصب النقيب حتّى كان حزب الله إلى يمينه يُعلن تأييده بلا «قيْد أو شرط»، ولم تستطع حركة أمل، مثلاً، الذهاب بعيداً في استخدام الفيتو على اسم حنّا باعتبار أنّ مُعارضتها له تعني إلحاق الهزيمة بفريقها السياسي، إذّاك، قرّرت أمل التراجع خطوةً إلى الوراء رغم إشارتها سابقاً إلى أنّها غير قادرة على «بلع» حنّا وتسويقه بين صفوف جمهورها النقابي، لعدم قدرتها على الوقوف على الحياد بين «الحزب» و«القوّات». وفي السياق عينه، يقف الحزب التقدمي الاشتراكي مُحرجاً؛ «بيضة قبّان» تتأرجح بين حِلفَين من دون موقف حاسم أو ظاهر كي لا يكون أمام «إعادة تموضع» تُحسب عليه. وعلى عكسه، تصطفّ الأحزاب المسيحيّة التي تُدرج نفسها ضمن ما كان يُسمّى بـ«قوى 14 آذار»، كحزب الكتائب، كتفاً إلى كتف مع مرشّح القوات بيار جعارة.
معركة 8 و14 آذار
من يقترب من مداخل نقابة المهندسين يعرف أنّ المعركة سياسيّة بين «8 و14» بغضّ النّظر عن عناوينها النقابيّة وشعارات تحسين ظروف المهندسين، وأن الأطراف المسيحية التي تخوضها تأمل تقريش الفوز في الشارع المسيحي.
ومع ذلك، لا تُريد بعض الأحزاب إمرار المعركة من دون «غنائم». فتيّار المستقبل، مثلاً، يبدي زهداً في نقابة بيروت على أن تكون حصّته الأساسيّة في نقابة المهندسين في الشمال، فيما تُصر أمل مقابل السيْر في الحلف السياسي الحصول على حصّة، وهو ما يفعله الاشتراكي والكتائب.
محاولات اقتسام «قالب الحلوى» من المراكز تبلغ مداها في الأيّام الأخيرة لتشكيل لوائح من نقيب و5 أعضاء، وهو ما يبدو صعباً في ظلّ الصعوبات التي تواجه الفريقين: التيّار وحلفاؤه والقوات وحلفاؤها، علماً أنّ مأزق القوات مُضاعف لعدم قدرتها على ترشيح أحد في الفرع الأوّل على سبيل المثال، والإبقاء على مرشّح مسلم واحد في حال حُسم التحالف مع الكتائب على حساب مرشّح الجماعة، على عكس التيّار المأزوم بفعل كثرة تحالفاته الإسلاميّة التي ستجبره على لائحة من 4 مرشحين مسلمين مقابل نقيب ومرشّح مسيحي.
لذلك، تشير المعلومات إلى أنّ القوّات، ومنذ ما قبل اتخاذ قرار دعم ترشيح جعارة فتحت قنوات تواصل مع جميع الأحزاب، بما فيها خصمها الأوّل حزب الله، بهدف التوصّل إلى تسوية «لا غالب ولا مغلوب». ويقول متابعون إنّ مسؤولين محسوبين على معراب طرحوا جدياً فكرة الانكفاء عن دعم جعارة مُقابل تراجع الحزب وحلفائه عن دعم مرشح التيّار، والسيْر في مرشّح «رمادي» غير محسوب على أحد، وقدّمت معراب تنازلات وصلت إلى حدّ الموافقة على أي اسم يوافق عليه خصومها مقابل عدم منح الفوز لرئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل.
هذه المعلومات يعزّزها تسريب تسجيلات صوتيّة تردّد أنّها لأحد المسؤولين القواتيين لفت فيها إلى أنّ فريقه يخشى عدم قدرة جعارة على الفوز وإمكانيّة التراجع عن دعمه والسيْر في «خيارٍ ثالث»، خصوصاً أنّ مقرّبين من معراب يتحدّثون بريْبة عن علاقة جعارة المتينة بالكتائب، وعن علاقة قرابة تجمعه برئيس الحزب السابق أمين الجميّل.
مخاوف «القوات»
فعلياً، يخشى القواتيون من عدم قدرتهم على الحشد كما أظهرت الأرقام في انتخابات المرحلة الأولى في الفرع الأوّل وعدم تمكّن جمهور جعارة من تعويض هذا النّقص. أضف إلى ذلك مخاوف من تضعضع وضع تيّار المستقبل وعدم قدرته على شدّ العصب السني، في ظلّ الاختلاف في الرأي داخله وتشعّب المصالح الانتخابيّة لمسؤوليه، ونمو تيّارات ومجموعات وشخصيّات سنيّة مُناهضة لقرارات المستقبل ضمن النقابة، إلى جانب الجماعة الإسلاميّة وجمعيّة المشاريع الخيريّة.
كلّ ذلك، يُقلّل من حظوظ معراب في إيصال مرشّحها إلى منصب النقيب ويدفعها بالتالي إلى طرح تسوية تقيها شر الخسارة الكاملة. وهي تستند في هذا الطرح إلى تردّد أمل في دعم حنّا، وإلى استشعارها بأن الحزب ومعه بقية الأحزاب الإسلاميّة لن يكونوا قادرين على حشد قاعدتهم الشعبيّة في انتخابات لنقيب مسيحي تُخاض على أساس تجييش مسيحي، خصوصاً إذا وافق الحزب على التضحية بمرشّحه في الفرع السابع إلى الجمعيّة العامة لمصلحة مرشّحة التيّار في الفرع نفسه وتحوّله إلى ناخب فقط، ما يعني حُكماً تراجع حماسة ناخبيه، إضافة إلى توقّع تراجع نسبة المقترعين من الجنوب بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة ونزوح البعض من المناطق الحدوديّة. لذلك كله، تعتقد القوات أنّ تسوية كهذه مُناسبة لحزب الله وحركة أمل لإخراجهما من «إحراج» الترويج لمرشّح التيّار في ظلّ العلاقة المأزومة بينه وبين أمل، والتشنّجات الأخيرة في العلاقة مع التيّار. كما أن هذا الطرح يضمن لـ«الاشتراكي» مُرشّحه فراس بو دياب عضواً في مجلس النقابة، من دون «إثم» تجيير كتلته الناخبة لصالح حنا وعناء إقناع جمهوره بالتصويت للمرشّح «العوني».
هذه المقاربة القواتية التي يرى فيها خصوم معراب ضرباً من الخيال، يعتبرها البعض الآخر واقعية، إذ لطالما اقترنت الأيّام الأخيرة لانتخابات نقابة المهندسين بالمفاجآت. يعود هؤلاء 10 سنوات إلى الوراء عندما نام المرشّح عصام بكداش نقيباً إثر الالتفاف حول اسمه من أكثر من طرف قبل أن يستيقظ من دون حظوظ بفعل خلط أوراق التحالفات التي آثرت ترجيح كفّة عاصم سلام وإنهاء المبارزة بينهما حتى قبل فتح صناديق الاقتراع.
لائحة حنّا تنتظر اقتناع «التيّار» بـ4 مرشّحين مسلمين مقابل نقيب ومرشّح مسيحي
صحيح أن التجربتين مختلفتان، إلا أنّهما تقعان ضمن السياق نفسه: المفاجآت، ولا سيّما في ظل وجود مرشّحين مستقلين غير محسوبين على طرف ومقرّبين من أكثر من طرف/خصم؛ جورج غانم نموذجاً. وإلى جانب غانم، يُقدّم ائتلاف «مصمّمون» خطاباً مغايراً عن ذلك الذي تم تقديمه منذ 3 سنوات، إذ لا ينكر مرشّحها إلى منصب النقيب، روي داغر، وجود اتصالات مع جميع الأحزاب «بكل شفافيّة، وبرهنا هذا الأمر خلال عضويتي في مجلس النقابة. ولذلك يجب اتفاق بعضنا مع بعض». داغر الذي أعلن برنامجه مع مرشّح «مهندسو ومهندسات صيدا والجوار» إلى الهيئة العامّة بلال شعبان، خلال لقاء عُقد في «Arthaus» الجميزة أمس، شدّد على «أنّنا غير معنيين بالانقسام السياسي داخل النقابة ولا بخطاب إسقاط المرشّحين».
كلام داغر معطوفاً على إشارته إلى «أننا غير مستقلين وإنما منحازون إلى القضايا الوطنية الأساسية وحقوق المهندسين داخل النقابة، ولكننا في الوقت عينه منفتحون على الجميع»، يؤكّد أنّ نظريّة الذهاب نحو «خيار ثالث» ليست مستحيلة.
الحلف محسوم
مع ذلك، لا تشي الأجواء المُحيطة بحلفاء التيّار بأنّه يُمكن لحزب الله الذي سار بحنّا أن يُطيح بحليفه مع ما سينتج ذلك على مستوى إسقاط كلّ مُحاولات تقريب وجهات النّظر بينهما. وهذا أيضاً ما تؤكّده القنوات التي فتحها من أجل إقناع أمل بهذا التحالف وإرساء مرشّحها على اللائحة المشتركة، وظهر خلال سحور حضره مهندسو «أمل» أول من أمس في بيروت وفي حضور مرشّحهم إلى الهيئة العامة هيثم إسماعيل، وأعلنوا للمرّة الأولى أن الأخير سيكون في اللائحة نفسها مع حنّا، وما سيتبعه من إمكانيّة أن ينطبق ذلك على الاشتراكي لقربه من أمل إلى حد الالتصاق في بعض المواقف الخاصة بالنقابة. وتشير المعلومات إلى أنّ هذا الأمر بات أشبه بـ«محسوم»، بانتظار اقتناع التيّار بترشيح حنا وعضو مسيحي إلى جانب 4 مرشحين مسلمين (حزب الله وأمل والاشتراكي والمشاريع).
تحالف الحزب – الحركة – التيار – الاشتراكي يعني حُكماً فوزاً لمرشّح «التيّار». وبالتالي، فإنّ هذه المعادلة تجعل من «الحزب» أكثر تمسكاً بحنّا باعتباره خياراً «كسّيباً» وعدم التفكير في أي تسوية تُطيح بهذا النصر الذي سيُقرّش شعبياً وتحديداً في الشارع المسيحي، إذ إنّ التراجع عن دعم حنّا في هذه الحالة يعني «الحفاظ على ماء وجه» القوات وإعفاءها من الخسارة الحتميّة. وهو ما لا يصبّ في مصلحة التحالف السياسي العام. والأهم بالنسبة إلى «الثنائي» هو ما أبلغه لأكثر من طرف سابقاً أنّه لا ينوي فرض أي مرشّح لمنصب النقيب من دون رضى الأحزاب المسيحيّة