اليوم لبنان على موعد مع جلسة جديدة غير مكتملة النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية التي قاربت السنتين من دون رأس ورئيس. موعد جديد لا يقدم بل يؤخر، لانه يزيدنا بهدلة أمام العالم المتحضر وغير المتحضر، اذ ان لا دولة في العالم بلا رئيس طوال هذه الفترة. حتى في الانقلابات سرعان ما يُسمّى رئيس ما، أي رئيس يفي بالغرض.
اليوم موعد جديد مع الفراغ المستمر ومع الفضيحة الدستورية التي لا توفر حلاً دستورياً للأزمة بما يلزم النواب ممارسة واجباتهم، فالغياب عن الجلسات العامة أو اللجان يكون “حقاً” اذا لم يؤد الى تعطيل مؤسسات الدولة، ومتى صار معطلاً ومدمراً وملحقاً الضرر بالمصلحة الوطنية العليا، فانه يدخل في دائرة الخيانة الوطنية. الشغور الحاصل يدفع كل القوى التي تتعاطى هذا الشأن الى المضي بأي خيار رئاسي.
لكن لبنان المفاخر دوماً بتاريخ الستة آلاف سنة، أرض التعايش والقداسة، وبلد الحرف، لم يكن يطمح يوماً الى “رئيس، أي رئيس” للتخلص من حال الشغور الرئاسي. لكن الذي فعلته به قوى 8 آذار، التي تدور في الفلك الايراني – السوري، هي انها دفعته الى حافة الهاوية، وعطلت النصاب، ومنعت انتخاب الرئيس، واطلقت ابواقها مهددة ومتوعدة في محاولات لفرض رئيس، حتى اذا سلمت قوى 14 آذار في الضفتين بتسمية مرشحين من 8 آذار، ظهرت حقيقة التعطيل، وبانت حقيقة كون المحور الايراني – السوري، وادواته اللبنانية، وأبرزها “حزب الله”، لا تريد انتخاب رئيس أصلاً، وهي مرتاحة الى تحويل لبنان ورقة تفاوض وابتزاز.
والأسف، كل الأسف، ان قوى 14 آذار باتت مقتنعة، أو مسلمة، بان انتخاب رئيس، ولو أي رئيس، يبقى أفضل من الفراغ، وهذا ما ينذر بقبول مزيد من التنازلات التي قد تضيع هوية لبنان وحقيقة لبنان التاريخية التي اعاد تذكيرنا بها الرئيس الفرنسي في الصورة التي جمعته ورؤساء الطوائف على درج قصر الصنوبر حيث أعلنت دولة لبنان الكبير قبل نحو قرن وبدأت مسيرة الاستقلال.