Site icon IMLebanon

إنتخاب رئيس المجلس ونائبه: أهون الاستحقاقات

 

سينسى اللبنانيون بعد ظهر اليوم انّه كان هناك استحقاق اسمه انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي ونائب له، بعدما لبّى أعضاؤه دعوة كبير السن الرئيس نبيه بري للتجديد له رئيساً لولاية سابعة. وأياً كان نائبه وكل من أميني السر والمفوضين الثلاثة، فإنّ السلطة التشريعية أنجزت تركيب مطبخها، في انتظار ان يبدأ المشوار الصعب في اتجاه الاستحقاقين الحكومي والرئاسي. وعليهما يُبنى الحديث، ففيهما بيت القصيد حول شكل المرحلة المقبلة. لماذا وكيف؟

من ضمن المهلة الدستورية التي نصّت عليها المادة 44 من الدستور وتترجمها المادة 3 من النظام الداخلي لمجلس النواب، ينجز الرئيس السابق لمجلس النواب نبيه بري بصفته كبير السن اليوم، مهمّته، بالدعوة الى انتخابه رئيساً جديداً للمجلس النيابي ونائبه، لولاية جديدة تمتد أربع سنوات، في مهمّة هي الأولى على المجلس النيابي الجديد ان ينجزها.

 

فالدستور واضح في تحديد الآلية الواجب اعتمادها في جلسة اليوم، بما لا يخضع لأي تفسير لخطوة غبّ الطلب. فقد قالت المادة 44 من الدستور معدّلة وفقاً للقانون الدستوري تاريخ 17/10/1927 والقانون الدستوري تاريخ 21/1/1947 والقانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990، بما نصّه: «في كل مرة يجدّد المجلس انتخابه يجتمع برئاسة أكبر أعضائه سناً ويقوم العضوان الأصغر سناً بينهم بوظيفة أمين السر. ويعمد إلى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس كل منهما على حدة بالاقتراع السرّي وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين. وتُبنى النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية». وعليه، فإنّ ما هو متوقع اليوم لا يفرض قراءة هذه المادة كاملة، وخصوصاً ما نصّت عليه الفقرة الاخيرة منها، والتي تقول «إذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يُعتبر منتخباً»، إلّا في حال انتخاب نائب الرئيس طالما انّه ليس هناك من منافس للرئيس.

 

على هذه القراءة ستجري العملية الانتخابية اليوم بلا أي تعثر، فلا أجواء توحي بتكرار تجربة تعثر انتخاب رئيس الجمهورية لمدة 29 شهراً، كما جرى عام 2014 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في 24 ايار من ذلك العام، وامتداداً حتى 31 تشرين الاول 2016، بعدما اهمل النواب بفعل قوة الأمر الواقع ما نصّت عليه المادة 75 من الدستور، والتي قالت انّ على المجلس القيام بمهمة انتخاب الرئيس «قبل القيام بأي عمل آخر»، وفق ما قالت به هذه المادة حرفياً، وكما تمّ تعديلها وفقاً للقانون الدستوري تاريخ 17/10/1927 والتي تقول بنصّها الحرفي في فقرتها الاولى: «أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر».

 

وفي معزل عن بقية المواد التي تحكم عملية انتخاب رئيس المجلس ونائبه، تجدر الاشارة إلى مضمون مواد النظام الداخلي التي تحدّد طريقة ملء مراكز الهيئة الادارية في المجلس والتي تقول: «… وفي كل مرة يجدّد المجلس انتخابه، يعمد المجلس إلى انتخاب أميني سر وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة. ثم يجرى انتخاب ثلاثة مفوضين بورقة واحدة بالغالبية النسبية. وإذا تساوت الأصوات عُدّ الأكبر سناً منتخباً». وتجرى العملية وفقاً للمادتين 11 و12 من النظام الداخلي الواردتين في الفصل الثالث منه تحت عنوان: «الانتخاب بالاقتراع السرّي»، حيث تقول المادة 11: «تجرى جميع عمليات الانتخاب في المجلس بالاقتراع السرّي بواسطة ظرف خاص وأوراق نموذجية بيضاء تحمل كلها ختم المجلس، تُوزع على النواب، وكل ظرف يتضمن أكثر من ورقة واحدة أو يحمل علامة فارقة يُعتبر لاغياً». أما المادة 12 فتتحدث عن طريقة الاحتساب فتقول: «لا تدخل في حساب الأغلبية في أي انتخاب يجريه المجلس الأوراق البيضاء أو الملغاة. تُعتبر ملغاة كل ورقة تتضمن: أسماء يفوق عددها المراكز المحدّدة في النظام، أو تحتوي علامة تعريف أو تمييز من أي نوع كانت، أو تتضمن غير الاسم والشهرة مجرّدين، تُتلف أوراق الانتخاب فور إعلان النتائج».

 

وإلى هذه المعطيات التقنية والإدارية والنظامية والقانونية المحيطة بوقائع الجلسة العامة اليوم، تتجّه الأنظار الى ما ستنتهي إليه عملية الاقتراع السرّي لمعرفة حجم الأصوات التي سيحظى بها بري، قبل الحديث عن التجاذبات التي يعكسها عدد المرشحين لنيابة الرئاسة، في موازاة وجود مرشح واحد أحد للرئاسة. هذا ما لم تأتِ الساعات الاخيرة بتفاهم او تسوية توفّر لبري الأصوات الكفيلة بفوزه بأرقام مقبولة من الدورة الاولى ومعه بو صعب. فقد اعتاد اطراف المنظومة المنخرطين في انتخابات اليوم، التوصل الى تفاهمات وتسويات حفلت بها المحطات الأساسية منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولم يعد التوصل إليها اياً كان شكلها ومضمونها، امراً يثير العجب والاستغراب.

 

ولعلّ التفاهمات التي قادها «حزب الله» عند تركيب اللوائح في الانتخابات النيابية الاخيرة، خير دليل على الهجين منها، الذي يمكن أن يتحقق، فقد مُنح «التيار الوطني الحر» قدرة على تشكيل لوائح مع حليف الحليف في بعض الدوائر الانتخابية، وانتهت في بعضها إلى فوز المرشحين من الطرفين «امل» و»التيار الوطني الحر» كما الفشل في أخرى، في نهاية وصفت بـ«المأسوية» كما جرى في جزين عندما لم يفز مرشحو الطرفين.

 

ولذلك، فإن نجحت مساعي ترميم العلاقات بين الطرفين ستأتي النتائج معلبة من دون أي مفاجآت. ففي الكواليس النيابية معالم صفقة تراجع فيها رئيس «التيار» النائب جبران باسيل عن إقفال كتلته النيابية كاملة بوجه بري، الى درجة سيسمح فيها لبعض النواب من الحلفاء غير الحزبيين المنتمين اليها ولأصدقاء بوصعب بالتصويت له، وهو ما سيؤدي الى مفارقة غير مألوفة، منطلقها إصرار بوصعب وأصدقاء له على «الثنائي الشيعي» بالتصويت له لضمان تقدّمه على المرشحين الآخرين، في معادلة غير مسبوقة تثير كثيراً من التساؤلات حول إمكانية تطبيقها بما تحمله من تناقضات عجيبة غريبة.

 

وتجدر الاشارة إلى ما هو متداول من معلومات في نطاق ضيّق، تتحدث عن النية لإعادة إنتاج «الترويكا الرئاسية» القائمة منذ 10 أيلول العام الماضي تاريخ تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وسط مشروع يجري طبخه يُدار ما بين الداخل والخارج وتحديداً ما بين بيروت وعواصم أخرى مهتمة بملف لبنان. وتقول الطبخة الجديدة بالإسراع في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية ميقاتي، الذي سيكون عليه إعادة إنتاج حكومته وتقمّصها مجدداً مع تعديل في حقيبتين او ثلاث، لتنال على أساسها ثقة المجلس النيابي الجديد، وهي مضمونة بالأرقام التي سينالها اليوم رئيس المجلس ونائبه.