الدكتور حسن الرفاعي: إستمراريّة السلطة تعود للحكومة ولو كانت مستقيلة
أمّا وقد اقتربنا من الدّخول في المهلة التي تحدّدها المادّة 73 من الدّستور لانتخاب رئيس للجمهوريّة، وبعدما بدت بورصة الأسماء خجولة نوعاً ما، حيث اكتفى الفرقاء السياسيّون بتحديد مواصفات، ومع وجود مرشّحين يُعتبَرون طبيعيّين كونهم إمّا يملكون الكتل النيابيّة المسيحيّة الكبرى، كرئيس حزب القوّات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، وإمّا لكونهم مرشّحين سابقين للرئاسة كالوزير السابق سليمان فرنجيّة، ومع وجود حكومة مستقيلة هي حكومة تصريف أعمال، ومع وجود رئيسها نفسه مكلّفاً لتشكيل حكومة جديدة، وهو سبق وتقدّم بتشكيلته لفخامة الرئيس ولم يوقّع عليها الأخير، فعَلَتْ أصوات المجتهدين الدّستوريّين، لا سيّما المقرّبين من العهد، ومنهم مِن مستشاريه، يحاولون تسويغ بقاء الرئيس عون في قصر بعبدا إلى ما بعد 31 تشرين الأوّل، أيّ تاريخ انتهاء ولايته الرئاسيّة. وتبرير هؤلاء أنّ الرئيس لن يسلّم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال انطلاقاً من مبدأ المساواة بين السلطات، فيصرّف هو الأعمال بنفسه ريثما ينتخب المجلس النيابي رئيساً ليسلّمه سدّة الرئاسة. وذلك بحجّة عدم ترك البلاد في فراغ مطلَق.
ولا يمكن لأيّ مراقب سياسيّ أن يقبل بأيّ شكل بالفراغ لأنّ لبنان اليوم كما هو سياسيّاً منقسم بين مشروعين: مشروع يقوده «حزب الله» مستفيداً من قوة سلاحه، ومشروع أعزل سلاحه الوحيد الدّستور اللبناني. ولا يخفى على أحد أنّ مشروع «حزب الله» له ارتباطات أيديولوجيّة خارج حدود الكيانيّة اللبنانيّة، وهو يسعى بكلّ ما أوتي من قدرة سياسيّة على السيطرة الكاملة على الشرعيّة في الدّولة اللبنانيّة ليمارس انقلابه على الشرعيّة بالشرعيّة عينها بهدف تغيير الهويّة والنظام لما يشبهه عقائديّاً وفكريّاً وحضاريّاً.
إنتخاب الرئيس واجب
لتوضيح الناحية الدستورية لهذه المسألة، التقت «نداء الوطن» الدكتور حسن الرّفاعي الذي بلغ عامه التاسع والتسعين (23 آب 1923)، حيث تصادف أيضاً الذكرى الأربعون لمحاولة اغتياله في 22 آب 1982، ويعتبر الدّكتور الرفاعي أنه قد بلغ اليوم الأربعين عاماً وليس التاسعة والتسعين، والمفارقة أنّه بهذا لا يزال علّامة في الدّستور بكامل قواه العقليّة يتمتّع بالحكمة الوطنيّة والدّستوريّة التي يحتاجها لبنان اليوم بالذات للخروج من الأزمات الوطنيّة والدّستوريّة التي نجح الفريق الحاكم بافتعالها. فيلفت الرّفاعي لـ»نداء الوطن» إلى أنّه «واجب على المجلس النيابي انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية كما تنصّ المادّة 73 من الدستور، وكلّ تعطيل للنصاب وبالتالي الانتخابات، هو خروج على النّظام». لذلك وجب تحديد الجهة التي ستلجأ إلى التعطيل خلافاً للدستور واعتبارها مسؤولة عن هذا التعطيل.
وفي انتقاد سياسيّ موضوعيّ، يعتبر الرّفاعي «أنّ الجهة التي اعتادت التعطيل هي حزب الله والتيار الوطني الحرّ وحلف الممانعة. أمّا اليوم فيجب ألا يلجأ إلى التعطيل أي نائب سياديّ أو تغييريّ خاصّة بعدما نادى هؤلاء منذ سنة 2019 باستعجال رحيل الرئيس عون، وطالبوه بالاستقالة».
وليدعم وجهة نظره عاد الرفاعي إلى المادّة 62 من الدّستور التي تنصّ «في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأيّ علّة كانت: تناط صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وكالة بمجلس الوزراء». وأوضح أنّ هذه المادّة لم تقل «تناط الصلاحيّات بحكومة تتمتّع بثقة المجلس لأنّ الشغور هو حالة طارئة ومفاجئة». وبسؤاله عن تصريح سبق له وأعطاه سنة 2014 حول اعتبار أنّ الحكومة المستقيلة هي بحكم الميتة، اعتبر الرفاعي أنه «لا يمكن اليوم لمن يعطّل الانتخابات الرئاسية ويضرب نصاب الجلسات ولمن يحول دون صدور تشكيلة حكومة جديدة مكتملة الصلاحيّات أن يتذرّع بـ»موت الحكومة الحاضرة» كي يدّعي أنّ هناك استحالة في تسلّم هذه الحكومة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة».
وعليه، يجزم الرفاعي أنّه بين بقاء رئيس الجمهوريّة بعد انتهاء ولايته ومخالفة المادّة 49 من الدستور التي تنصّ أنّ «ولاية رئيس الجمهوريّة هي ستّ سنوات غير قابلة للتجديد» وكذلك مخالفة المادّة 62 التي تنصّ أنه في حال الشغور، تؤول صلاحيّات الرئيس إلى مجلس الوزراء (بغضّ النظر عن كون الحكومة مستقيلة) وبين تسلّم الحكومة المستقيلة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، فيؤكّد الرفاعي دون أي تردّد أنّ «الصلاحيّات الرئاسيّة تؤول إلى هذه الحكومة بحكم الأمر الواقع الذي أوصلنا إليه الفريق المعطِّل ولعدم تشريع الفراغ».
مع الإشارة إلى وجود سابقة حصلت في العام 1988 عندما وصل الرئيس أمين الجميّل إلى نهاية ولايته وهو يرغب في أن يستمرّ في موقع الرئاسة لأكثر من سبب أقلّه تأمين خلف له يكون راضياً عنه، ورغم ذلك لم يتسلّح الرئيس الجميّل باعتباره حكومة الرئيس الحصّ، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة نيابة عن الرئيس كرامي آنذاك المستقيل أساساً والمتوفّى، حكومة مستقيلة؛ ولم يدّعِ بأنّها عاجزة قانوناً ودستوراً عن تأمين سدّ الفراغ والقيام بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة. بل لجأ إلى تشكيل حكومة وغادر القصر في المهلة الدستوريّة. ما يدلّ على أنّ حجّة عدم جواز تسليم الصلاحيّات الرئاسية إلى حكومة مستقيلة هي باطلة ولا تستقيم.
ولدى سؤاله عن إمكانيّة تعيين رئيس الجمهوريّة حكومة يجيب الرّفاعي: «بعد دستور الطائف لم يعد لرئيس الجمهوريّة التحكّم بإقالة الحكومة وتعيين أخرى مكانها؛ كما أنّه لا يمكن تجاوز وجود رئيس حكومة مكلّف نتيجة استشارات ملزمة وليس بوسع رئيس الجمهوريّة إطلاقاً تحت أيّ ذريعة إقالته وتكليف سواه».
المسؤوليّة تقع على رئيسي الجمهوريّة والحكومة الحاليَّين
ويقول الرفاعي «إنّ البحث في إشكاليّة طبيعة الحكومة التي تُناط بها صلاحيّات رئيس الجمهوريّة عند انتهاء ولايته يُسألُ عنه رئيس الجمهوريّة بنفسه لتعنّته في توقيع التشكيلة المعروضة عليه من رئيس الحكومة المكلّف أي دولة الرئيس ميقاتي».
وكذلك يسأل عن هذه الإشكاليّة الرئيس ميقاتي كونه صرّح بعد تشكيل حكومته الأخيرة (الحاضرة) للمؤسّسة اللبنانيّة للإرسال: «توافقي مع الرئيس عون هو الذي أوصلنا إلى تشكيل حكومة وهو شريك ضمنها، أيّ أنّ هنالك حصّة خاصّة به، وهو شريك أيضاً في الحكم». ما يشكّل تنازلاً عن صلاحيّته في تشكيل الحكومة واعتباره أنّ رئيس الجمهورية هو شريك على قدم المساواة معه، تعود له حصّة وزاريّة، ويتدخّل في حجم الحكومة وفي توزيع الحقائب والأسماء».
إنّ هذا القول للرئيس ميقاتي هو اعتراف بصلاحيّة لرئيس الجمهوريّة ليست له في النظام البرلماني أساساً.
الفراغ غير مشرَّع
وأخيراً بما أنّ الدستور لا يشرّع الفراغ، يرى الدّكتور الرّفاعي أنّ «تأمين استمراريّة السلطة يعود للحكومة الموجودة، ولو كانت مستقيلة». وهذا التوضيح للرّفاعي يدحض كلّ الإدّعاءات التي يعمل العهد ومستشاروه على اجتراحها لإبقاء الرئيس عون في قصر بعبدا.
أمّا لدى سؤاله عن دور الرئيس برّي في قدرته على إقفال أبواب المجلس كما جرى قبل انتخاب الرئيس عون، فيجيب الرفاعي «إذا لم يدعُ رئيس المجلس النيابي المجلس إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهوريّة، أو أقفل أبواب المجلس بوجه النوّاب ومنعهم من ممارسة مهامهم الانتخابيّة، يكون قد ارتكب مخالفة لواجباته الدستوريّة، وأصبح عرضة للملاحقة الجزائيّة».
ويتابع الرّفاعي مستنداً إلى الدّستور مذكّراً أنّه إذا وصلنا إلى الأيّام العشرة التي تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهوريّة فبحسب المادّة 73 من الدّستور يجتمع مجلس النواب حكماً لانتخاب رئيس. فإن تقاعس أو أقفل رئيس مجلس النوّاب الأبواب، أمكن للنوّاب أن يجتمعوا حيثما يشاؤون ويقوموا بتنظيم عمليّة الاقتراع لانتخاب رئيس جمهوريّة جديد». ويكمل الرّفاعي: «لا أعتقد أنّ أيّ رئيس مجلس بوسعه أن يعطّل قيام السلطة التنفيذيّة وانتخاب رئيس جمهوريّة».
في المحصّلة، نحن أمام أيّام تاريخيّة في بقاء الجمهوريّة اللبنانيّة، فبانتخاب رئيس نحترم النظام ونحافظ عليه. فهل سينجح نواب برلمان 2022 بالالتزام بالدستور اللبناني وانتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية؟ أم أنّهم سيتبادلون الأدوار في تعطيل هذا الاستحقاق المفصلي فتتحقّق خشية البطريرك الراعي من تطيير النظام والدعوة إلى مؤتمرات حول لبنان قد نعرف بداياتها ولا نعرف نهاياتها؟