Site icon IMLebanon

منطق التعطيل “الديمقراطي”

 

 

من المنطقي والطبيعي أن ينتخب النواب في جلسة الأربعاء رئيساً للجمهورية. وفي الحقيقة كان يفترض بهم أن ينتخبوا رئيساً ضمن المهلة الدستورية وألا يسمحوا بالشغور في موقع الرئاسة الأولى. ويتحمل مسؤولية هذا الشغور النواب الذين كانوا يعطلون الجلسات من خلال إفقاد النصاب.

 

من غير الطبيعي إذاً أن يعطّل نواب إنتخاب رئيسٍ للجمهورية لأنّ هناك خشيةً لديهم بألا يصل مرشحهم إلى قصر بعبدا، وهذا توجه يخالف كل الأعراف الديمقراطية ويخالف الدستور ومبدأ تداول السلطة، ولا يمكن لهؤلاء النواب المعطلين أن يعتبروا ما يقومون به حقاً كفله لهم الدستور، فأي دستور هذا الذي يكفل لنائب حق تعطيل الحكم في لبنان؟ فالشغور في رئاسة الجمهورية عطل الحكومة أيضاً وأجج الخلافات السياسية وأوقع البلد في المزيد من الفوضى، فأي دستور يجيز هذا التخريب؟

 

هؤلاء المعطلون يمارسون لعبتهم هذه بغض النظر عن اسم مرشحهم، فهم مارسوها من أجل العماد ميشال عون ويمارسونها من أجل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وذلك على خلفية أنهم يريدون الإمساك بموقع رئاسة الجمهورية، ولا مشكلة لديهم في أي تداعيات سلبية ينتجها الشغور لا بل انهم يتباهون بما يفعلون ويعلنون جهاراً بأنّه ولو استمر الشغور لسنوات فإنّ ذلك لن يبدل في مواقفهم وخياراتهم.

 

إنّ مهام مجلس النواب المنصوص عنها في الدستور هي انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتسمية رئيسٍ للحكومة وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين ومنح الثقة للحكومة ومحاسبتها مجتمعةً أو من خلال وزرائها على أي أخطاء أو ارتكابات، ما يعني أنّ مجلس النواب مؤتمن على مصالح البلاد والعباد وأنّ التخلي عن أي مهمةٍ من تلك المهام المنوطة به سيجعله يفقد دوره كناظم للحياة الدستورية وكصمام أمان للديمقراطية.

 

إنّ عدم انتخاب رئيسٍ للجمهورية من قبل مجلس النواب هو تماماً كامتناع رئيس الجمهورية عن إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيسٍ للحكومة، وكامتناع رئيس مجلس النواب عن الدعوة لجلسات تشريعيةٍ، وهذه كلها في منطق الممانعين المعطلين يمكن أن تعتبر ممارسةً ديمقراطيةً. فرئيس الجمهورية قد لا يرغب في تسمية شخصٍ معينٍ لرئاسة الحكومة فلا يدعو للإستشارات، ورئيس مجلس النواب قد لا يرغب في إقرار قانونٍ معينٍ فلا يدعو لجلسة تشريعية.

 

من لا يؤمن بالديمقراطية والرأي الآخر لن يقتنع بأنّ التعطيل عمل يتنافى مع مبادئ الدولة والاستقرار السياسي والإقتصادي، ولن يؤمن أن هناك شريكاً في البلد قد يتفق معك يوماً وقد يختلف معك أياماً، ولن يؤمن أن سلطته لا تفرض بالقوة، وحتى يعود هؤلاء إلى رشدهم ستبقى معاناة اللبنانيين مستمرةً ويزيدها تعقيداً من لا يؤمن بما يفعله المعطلون ولكنه يلعب لعبتهم علهم يبقونه على مقاعد الاحتياطي إلى حين قبل طرده من الملعب.