لازم مار مارون سماءه في عيده، لم ينزل كي لا يلتقي بعض الذين شدّوا رباط العنق وذهبوا الى القداديس، متناسين أنهم يقبضون على عنق لبنان ويجعلون رئاسة الجمهورية نهباً للفراغ، ربما إلتفت الى القصر المهجور والعشب البري يعلو عند المقام ويكاد ان يعربش على الكرسي الميتّم.
بعد ٢٦٢ يوماً من الفراغ تبدو عقدة انتخاب الرئيس وكأنها مناقصة اقليمية ودولية لم يتم التفاهم على دفتر شروطها، وهكذا عندما يجتمع جان – فرنسوا جيرو مع البطريرك بشارة الراعي في الفاتيكان، فذلك لا يعني ان الروح القدس سيحلّ المشكلة، وفي المناسبة كان الرئيس الياس الهراوي ينتقد ضمناً الهيمنة السورية بتسميتها “الروح القدس”!
وعندما يطلب الرئيس تمام سلام من محمد جواد ظريف المساعدة في انتخاب رئيس على خلفية تبني “حزب الله” النائب ميشال عون والاستمرار في تعطيل النصاب، فيردّ الوزير الايراني بالقول نحن مع ما يتفق عليه اللبنانيون وخصوصاً المسيحيين، فان ذلك يعني مكانك راوح!
أما عندما يضيف “ان أي تسوية إقليمية لا يمكن ان تتم بمعزل عن طهران والرياض”، فانه بهذا يحاول وضع العقدة ضمناً عند السعوديين، وهذا ليس بصحيح لان الموقف السعودي واضح كررته الرياض وسفيرها في بيروت علي عواض عسيري، من انها مع ما يتفق عليه اللبنانيون والمسيحيون خصوصاً، والدليل ان حلفاء السعودية في ١٤ آذار حرصوا دائماً على حضور الجلسات الـ ١٦ التي عطّل حلفاء ايران في ٨ آذار نصابها!
وعندما يدعو وليد جنبلاط الى الخروج من التعطيل والفراغ الرئاسي باقتراح إعادة الاعتبار الى البعد الوطني للاستحقاق بدل حصره عند المسيحيين، لأن من شأن ذلك ان ينتقص من موقعه الجامع كرئيس لكل اللبنانيين يسهر على تطبيق الدستور وعمل المؤسسات، فانه عليم الله لا يصلب المسيح، خصوصاً ان كلامه يأتي بعد ٢٦١ يوماً من فراغ يبدو مديداً.
ربما من المضحك اعتبار البعض ان كلام جنبلاط سببه النقزة من الحوار بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، مع العلم ان هذا الحوار جيد وممتاز، لكن ليس من الواضح في ظل مواقف الطرفين المعروفة اذا كان الاتفاق على الرئيس العتيد سيتمّ لو بعد ١٢٦١ يوماً!
ثم انه لو اتّفق الطرفان اليوم هل يستطيع جنبلاط تعطيل الانتخاب غداً، فلماذا كلامه حثاً لهمة الطرفين لعل مار مارون يسبغ عليهما نعمة الاتفاق، ثم هل من مصلحة لبنان ان يتحوّل فيديرالية او “لويا جيرغا” طائفية مغلقة فتفرض كل طائفة زعيمها، وهل تستقيم روح الديموقراطية الوطنية بغير رؤساء ومسؤولين عابرين للطوائف، أم ان عملية انتخاب رئيس هي “لعبة باصرة” لا تتسع إلا لاثنين من الموارنة!