IMLebanon

موسم الانتخابات: إنفاق بالدولار في زمن الشحّ

 

 

من جيوب المرشحين إلى جيوب اللبنانيين

 

بوسطة الانتخابات انطلقت تسابق كل البوسطات الأخرى، وأطلقت أبواقها معلنة نظرياً بدء الموسم الانتخابي. موسم ينتظره اللبنانيون كما كانوا ينتظرون في سنين الخير موسم الاصطياف أو مواسم الأعياد، لا للتعبير عن رغبتهم بالتغيير، بل للاستفادة مما تحمله الانتخابات من أموال تعيد تشغيل عجلة الاقتصاد ومحركاته وتضخ في جيوب اللبنانيين من جيوب المرشحين دولارات اشتاقوا إليها. ولكن هل يكبح الدولار كرم الحملات الانتخابية؟ وهل يكون المرشحون في زمن الشحّ غيرهم في زمن البحبوحة؟ أم أن من يسكر لا يعد الكؤوس؟

 

الإنفاق الانتخابي مبدأ معتمد في كل الدول وقد تم إرساء سقف له للحد من تأثير المال في العملية الانتخابية وإعطاء فرص متكافئة لكافة المرشحين حتى لا يكون المال فرصة للنجاح على حساب من يفتقرون إليه. ويمنع هذا السقف في المبدأ عملية الإلغاء والتهميش التي قد تقوم بها الأكثرية القابضة على الإمكانيات المالية الكبرى. ويختلف سقف الإنفاق بين مرشح وآخر وبين دائرة وأخرى، وقد أقر المجلس النيابي في جلسته الأخيرة تعديل المادة 61 المتعلقة بسقف الإنفاق الانتخابي حيث أصبح القسم الثابت المقطوع 750 مليون ليرة لبنانية بدلاً من 150 مليون ليرة ( التي كانت تعادل 100 ألف دولار)، والقسم المتحرك 50 ألف ليرة لبنانية عن كل ناخب في الدائرة الانتخابية بدلاً من 5 آلاف ليرة لبنانية، أما سقف الإنفاق الانتخابي للائحة فهو 750 مليون ليرة عن كل مرشح فيها بدلا من 150 مليون ليرة… المبالغ إذاً حرزانة وزواريب الإنفاق كثيرة فاستعدوا أيها اللبنانيون!

 

ديانا البابا منسقة البرامج في “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات” LADE تقول، إن الإنفاق الانتخابي يحدث في خلال الحملة الانتخابية وما قبلها وفي يوم الاقتراع. “قبل الحملة الانتخابية، الإنفاق لا يشمله القانون لذا نحن كجمعية نبدأ برصد الأجواء التي تسبق الحملة الانتخابية لكننا لا نبدأ قانونياً إلا أثناء الحملة أي حين تدعى الهيئات الناخبة. في الانتخابات الماضية وصل السقف الإجمالي للإنفاق الانتخابي الى حوالي 870 مليون دولار لكل العملية الانتخابية موزعة على الدوائر والمرشحين وفاق بأشواط كل القوانين لكن السقوف المرتفعة هي سقوف نظرية يمكن تخطيها أو إنفاق أقل منها”.

 

لكن بعيداً عن السقوف يمكن تقسيم الإنفاق الانتخابي الى ما هو مشروع وغير مشروع، المشروع منه واضح وقد نص عليه القانون، اما الإنفاق غير المشروع فهو كل ما يشمل المساعدات العينية والخدمات والمساهمات التي تقدم للناخبين أو استغلال المال العام لهذا الغرض. وغالباً ما يتم تقديم الخدمات باسم جمعيات تابعة للمرشح بشكل مقنّع، علماً أن المساعدات العينية والخدمات لا تعتبر رشاوى إذا درج المرشح او الجمعية التابعة له او الحزب على تقديمها لمدة ثلاث سنوات قبل العملية الانتخابية ولا تدخل ضمن الإنفاق الانتخابي اما التبرع الموسمي قبيل فترة الانتخابات فغير قانوني.

 

نقل المرشحين واجب

 

“نداء الوطن” جالت على بعض أبواب الإنفاق الانتخابي ورصدت المستفيدين من هذا الموسم الذي يعيد ضخ الأموال في السوق الراكدة. يعتبر نقل الناخبين والمناصرين الى المهرجانات الانتخابية واللقاءات في خلال الحملة الانتخابية كما الى مراكز الاقتراع يوم الانتخابات موسماً مربحاً لمكاتب التاكسي وأصحاب الباصات والفانات وشركات تأجير السيارات على الرغم من أن بعضهم يرفض القيام بهذا الأمر خوفاً من تعرض باصاته أو سياراته للاعتداء او من الاصطباغ بصبغة حزبية او مناطقية. ويقول السيد وليد عاقوري المالك لشركة نقل سياحي: رغم أن بعض شركات النقل تضع باصاتها وسيارتها في خدمة مرشح معين تؤيده سياسياً وتكون الشركة الراعية لحملته الانتخابية مجاناً إلا أن معظم الشركات تنتظر موسم الانتخابات للاستفادة من مردوده مع احتساب مخاطر تعرّض الآليات للتكسير أو لاعتداءات بالحجارة ووحده صاحبها يتحمل كلفة الأضرار. عموماً لا تكون تسعيرة إيجار هذه الآليات أغلى من المعتاد لكن المرشحين يدفعون إكراميات “حرزانة” للسائقين لكن الكلفة كما الإكرامية لا شك ستكونان أعلى هذه السنة مع ارتفاع تسعيرة النقل وتحوّل نقل الناخبين الى حاجة ملحة في ظل التصاعد المستمر لسعر صفيحة البنزين الذي قد يعيق الكثير منهم عن التوجه الى مراكز الانتخابات لا سيما في المناطق البعيدة.

 

وقد بدأ بعض المرشحين كما عرفنا من أحد أصحاب المحطات يحجزون كميات من البنزين. ولكن من يمكنه التكهن بالسعر الذي ستبلغه صفيحة البنزين في أواخر آذار موعد الانتخابات وكم ستبلغ معها كلفة نقل الناخبين؟

 

الصورة بـ 3 دولارات

 

إنطلاقة الموسم الانتخابي تعيد الازدهار الى عمل المطابع الذي فقد أرضيته وبدأ يخبو مع انتشار الديجيتال. ويقول السيد فادي شويري وهو صاحب مطبعة أن موسم الانتخابات بالنسبة إليه مثل موسم عيد الميلاد وقد يكون أفضل منه أيضاً، وتنشط طباعة اليافطات وصور المرشحين والبوسترات والملصقات وغيرها من الطباعة وتطغى على مختلف أنواع القرطاسية ولكن يبقى الأبرز طباعة لوائح الشطب التي يتم توزيعها على المندوبين وجمعيات المجتمع المدني التي تراقب سير العملية الانتخابية وكذلك طباعة بطاقات المندوبين. هذه النفقات تدخل كلها ضمن بند الإعلان الانتخابي وهي قانونية وقد تبدأ كلفتها من 2000 دولار لتصل الى 20000 دولار وما فوق وذلك تبعاً للمناطق وعدد الناخبين وعدد المندوبين كما يقول شويري. وفي لمحة سريعة عن الأسعار يمكن القول أن اليافطة الواحدة التي تعلق في الشارع قد تصل كلفتها الى 60 دولاراً تقريباً حيث أن المتر الواحد بـ7$. اما كلفة الصورة الواحدة قياس A3 فهي دولاران فيما A4 دولار واحد وإذا شاء المرشح توزيع 1000 صورة ولصقها على الجدران ومداخل البنايات فالكلفة تصبح بين 1000 و 2000 دولار وكلما ازدادت صور المرشح تأكيداً لحضوره ازدادت كلفة الصور. هذا من دون أن ننسى طباعة الكتيبات التي تحمل المشروع الانتخابي للمرشح إن وجد حيث تصل كلفة النسخة بحدها الأدنى الى دولارين، وبعض المرشحين في الدوائر الكبرى قد يطلبون 1000 نسخة من برنامجهم الانتخابي كما ان العدد المطلوب من بعض الأحزاب قد يصل الى 20000 نسخة وأكثر.

 

ويستمر العدّ واحتساب الكلفة لما ينفقه المرشحون المفترضون. فمن يمكن أن يتصور الانتخابات بلا قبعات وتيشيرتات تحمل صور المرشحين او شعارات الأحزاب أو بلا أعلام لبنانية او حزبية؟ هذه القطع التي كان يتم استيرادها سابقاً من الصين وطباعتها في لبنان باتت اليوم تحتاج الى ميزانية “حرزانة” من قبل المرشحين والأحزاب. ويقول السيد كامل يوسف وهو الذي يستورد هذه القطع إن الموسم قد بدأ ويعوّل عليه لمردوده وكمية “الشغل” فيه ولكن أي تأخير من قبل المرشحين في وضع طلبياتهم يعني تأخر الطلبيات بسبب الزحمة الشديدة على الاستيراد والطباعة. ويبلغ سعر التيشيرت المستوردة من الصين حوالى 3 دولارات فيما الكاسكيت دولارين ونصف أما الطباعة على اي قطعة منهما فقد تصل الى 5000 ليرة وترتفع كلفتها إذا ما اضطر عمال المصنع المختص الى العمل “أوفر تايم” بسبب عجقة الطلبيات أو إذا كانت الطلبية تتطلب عملاً خاصاً مثل التطريز بدل الطباعة. سابقاً كانت الأحزاب توصي على كميات كبيرة من التيشرتات والقمصان قد يصل عددها الى 100000 أو اكثر وتدفع ثمنها بالدولار، لكن اليوم يرجح يوسف أن يوصي المرشحون على كمية توازي عدد ناخبيهم أو حتى عدد المندوبين لا أكثر ولن يستثمروا في كميات كبيرة تكلف مبالغ باهظة ويذهب معظمها الى النفايات بعد الانتخابات.

 

ومن أبرز النفقات المنظورة استئجار مكاتب انتخابية طوال فترة الحملة ويقول أحد أصحاب الشقق ممن اعتادوا تأجيرها للمرشحين أن المكاتب تؤجر لمدة تتراوح ما بين ثلاثة الى اربعة اشهر ولكن الدفع يتم لسنة كاملة او أقله ستة أشهر ويحتاج المرشح الى خمسة او ستة مكاتب حسب مساحة الدائرة التي يترشح عنها مع كل ما تتطلبه هذه المكاتب من مصروف يومي للعاملين فيها وتأمين المأكل والمشرب والقهوة ودفع نفقات المولد والكهرباء والبنزين لكل المندوبين الثابتين والجوالين يوم الانتخابات وما قبلها. ومع اسعار الإيجارات لا سيما في بيروت وارتفاع أسعار المولدات وكل السلع الأخرى من الماء الى البن والخبز يمكننا فقط ان نتخيل المصاريف التي يتكبدها كل مرشح لتأمين حضور له في منطقته من الجرد الى الساحل.

 

وتتوالى منافذ الإنفاق الانتخابي وترتفع الكلفة بين ما هو معروف وظاهر وما هو خفي وراء الكواليس.

 

ولكن يجمع الكل على ان الإعلان الانتخابي يستحوذ على الميزانية الكبرى من الأموال المنفقة في الانتخابات. ومع تعدد الوسائل الإعلامية ودخول الديجيتال الى الساحة الإعلانية صارت الكلفة عبئاً ثقيلاً على كاهل المرشحين والأحزاب. وللإنفاق بوجهيه الشرعي واللاشرعي، صلة.