Site icon IMLebanon

موسم انتخابيّ بسِمات “ضبابية”

 

مع بداية العام الجديد يُفترض أن يكون الموسم الإنتخابيّ قد اقترب، مع أنّه لا يمكن القول أنّه افتُتح بالفعل، ذلك أنّ “التكهّنات” وليس “الإستقطابات” هي التي تفرض نفسها حتى الآن، مع ما يمكن وصفه بحالة “عدم التصديق”، سواء عند الناس، أو حتى في الكواليس السياسية وعند المراقبين السياسيين، من أنّ الإستحقاق المؤجّل منذ سنوات صار حتميّ الحصول في موعده “النهائي” العتيد، فكلما حدث تطور في الداخل أو في الإقليم أو ما وراء البحار جرت المسارعة لإحتساب حظوظ الإلتزام بالموعد المقرّر للإنتخابات في ضوئه، هذا ناهيك عن كل حديث عن إدخال تعديلات على قانون الإنتخاب.

 

كما أن واقعة استحداث قانون انتخابي على أساس نموذج معيّن وغير مبسّط من النسبية، في بلد اعتاد الانتخابات بالنظام الأكثري، وبدوائر غير مستقرة، طيلة تاريخه الإنتخابي، تضيف بحد ذاتها إلى مناخ “التكهّنات” المتأرجحة هذا، وتأخر حيوية الإستقطاب الإنتخابي حتى الآن، مسحة من غموض الإستحقاق ككل، لا سيّما وأنّ إقرار القانون ترافق مع تأجيل الإستحقاق، للمرة الثالثة، حتى أيار من هذا العام.

 

يجتمع كل هذا مع لحظة إقليمية ودولية أقلّ ما يقال فيها أنّها “ضبابية”، والرؤية فيها إلى أبعد من أسابيع قليلة تكاد تكون محدودة. في ما مضى من تاريخ انتخابي للبنان، كانت الحيوية الديموقراطية المحدودة فيها تقترن بتأثيرات صراعات وتداولات النفوذ الخارجي. الفرنسيون والبريطانيون في البداية، ثم تأثيرات الحرب الباردة والموقف من المدّ القومي العربيّ. أما في مرحلة الوصاية السورية، فتأرجحت الديموقراطية الانتخابية في البلد بين الهامش الذي تتركه أساليب الوصاية السورية في “التوزيع”، وإدارة لعبة الحصص والمواقع اللبنانية، وبين استقطاب على خلفية الموقف من الوصاية السورية نفسها. وبعد الوصاية، كان الاستقطاب الداخلي انعكاسياً الى حد كبير، للاستقطاب بين ما عرف آنذاك بالاستقطاب بين “محور الاعتدال” و”محور الممانعة” في المنطقة. أما بعد انتفاضات “الربيع العربي” 2011 من جهة، وتأزم العلاقات الإيرانية – العربية من جهة أخرى، فلم تحدث أي انتخابات لبنانية. واذا كانت هذه الانتخابات، لو حصلت في الأعوام السابقة، التي تأجل فيها الاستحقاق، كانت ستتأثر على طريقتها، بالاستقطاب على خلفية الموقف من انتفاضات الربيع العربي، أو بالإستقطاب الإقليمي على خلفية السياسات الايرانية الهيمنية في المشرق العربي، فإنّ الأمور تبدو أكثر تعقيداً اليوم. لا يعني التعقيد هنا أنّ الإستحقاق سيكون بمنأى عن التأثر بالإستقطابات المحيطة به.

 

يمكن الكلام عن “منسوب سياسي” أو عن “تسييس” لانتخابات طالبية أو نقابية أو بلدية، أما الكلام عن تسييس استحقاق نيابي فيبدو مستهجناً، كون الاستحقاق النيابي هو الاستحقاق السياسي بامتياز. ومع ذلك، فإنّ “سياسية” الإستحقاق العتيد ليست أمراً بديهياً، لأنه حتى الساعة لا يمكن الفصل في ما اذا كان هذا الاستحقاق سيختلف بشكل كلّي عن عام 2009، أو أن الإختلاف عن حالة 2009 سيبقى ضمن حدود معينة. الاستحقاق كان قبل ثماني سنوات بين خط يريد تشكيل ائتلاف اكثرية في المجلس النيابي، يضم “حزب الله” وحلفاءه، وتحت شعار “اعادة تشكيل السلطة في لبنان”، وبين قوى 14 آذار التي تنادت لشعار آخر، “العبور الى الدولة”، وحصدت الأكثرية النيابية، التي ضمرت بشكل قياسي، والتي أعفت نفسها في الأساس من أي اقتراب من قاعدة “من يربح يحكم”. صحيح أنّ الإستقطاب الداخلي لم يعد “جبهوياً”، بين ائتلافين كما عام 2009، لكن ما هو البديل عنه اليوم، في الوقت نفسه الذي زادت فيه حدة الاستقطاب الاقليمي وصارت على طريقتها “أكثر جبهوية”؟ هل يمكن الافلات تماماً من نموذج “2009”، أي نموذج تكون فيه القوى السياسية مشاركة في استحقاق، من أجل تشكيل أكثرية برلمانية ائتلافية محدد اطارها قبل صدور النتائج؟ حتى الساعة، يتراجع هذا “الهمّ” لصالح اهتمام كل فريق بكتلته النيابية المرغوبة وعدد اعضائها وهويتهم وانتشارهم، خاصة واننا أمام قانون انتخابات ليس فقط جديداً، بل يصعب توقع نتائجه، ويصعب توقعه على مسافة أشهر.