مع اقتراب موعد الاقتراع في لبنان يوم الأحد المقبل، وبعد وقوع حوادث أمنية متعلقة بالانتخابات في مختلف الدوائر منذ انطلاق الحملات الانتخابية، لا بد من التنبيه إلى أبرز التحديات أمام مؤسسات الدولة، من خلال عرض أهمّ متطلبات الحفاظ على الأمن والسلامة خلال الانتخابات
إن مشاركة كافة الكتل السياسية المكوّنة للسلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) في التنافس، لمضاعفة سلطتها في المجلس التشريعي المقبل، تُعدّ تحدياً لحسن سير النظام الديمقراطي، وتستدعي التنبه إلى استخدام الصلاحيات والموارد خدمة للمرشحين. فالسبب الأساسي لقاعدة الفصل بين السلطتين في النظام الديمقراطي هو تحديداً لتجنّب هيمنة السلطة التنفيذية على مجلس الشعب الذي منحه الدستور سلطة الرقابة على القوة التنفيذية، بما فيها المؤسسات المعنية بالأمن والاستخبارات وجمع المعلومات.
أمن المعلومات
من البديهي التسليم بأن من مصلحة أي مرشّح الحصول على معلومات بشأن الناخبين والمنافسين وتحركاتهم واتصالاتهم وحملاتهم. ولا شك في أن المصدر الأدقّ يكون من خلال التنصّت على أجهزة التواصل السمعي (الهاتف الثابت والمنقول) والإلكتروني (الإنترنت) والبصري (كاميرات المراقبة). ويمكن الاستعانة بالقطاع الخاص، إذ إن بعض التجهيزات والخبرات التي تتيح ذلك متوافرة في الأسواق غير الشرعية، لكن لا شك في أن لمؤسسات الدولة في لبنان أشمل وأوسع القدرات وأحدث التجهيزات، وذلك بحكم متطلبات المهمات الأمنية الواجبة عليها قانونياً.
من صلاحية رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري الداخلية والدفاع الترخيص للأجهزة الأمنية (مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي أو شعبة التحقيق في الأمن العام أو أمن الدولة) باعتراض مخابرات أشخاص من دون إذن قضائي مسبق. القانون 140/1999 يمنح السلطة التنفيذية هذا الحق، علماً بأنه يفرض الرقابة القضائية اللاحقة. على أي حال، إن عدم وجود حكم الحزب الحاكم الواحد في لبنان وتعدّد التوجهات في السلطة التنفيذية، قد يمنع أصلاً أي استغلال للنفوذ خدمة لفريق على حساب آخر. لكن أيمنع ذلك تساؤل المشكّكين، خصوصاً المرشحين المنافسين من خارج السلطة، عن الحال إذا تقارب من يشغلان أرفع المناصب في السلطة التنفيذية أحدهما من الآخر، إلى حدّ التحالف؟
أمن المعلومات خلال الانتخابات يستدعي منح الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات صلاحيات إضافية ليست واردة في القانون 44/2017، إذ يفترض أن تبلغ الهيئة بأي إذن يمنح للأجهزة الاستخبارية والأمنية خلال فترة الانتخابات باعتراض أو التنصت على الاتصالات والأسباب المبرّرة لذلك. وعلى هيئة مراقبة الانتخابات والمجلس الدستوري انتظار تقرير الهيئة القضائية اللاحق للتنصّت للحسم فيما إذا كان من حق المرشح الطعن في نتائج الانتخابات.
ويستدعي الحفاظ على أمن المعلومات تمكين وزارة الاتصالات من رصد أي عملية تدخل أو تلاعب أو تنصّت غير شرعي، خصوصاً خلال فترة الانتخابات.
أمن المرشحين ومكاتبهم وحملاتهم
ليس غريباً أن المرشحين الذين تم التعرّض لهم أو تهديدهم أمنياً حتى الآن، ومنذ انطلاق الحملات الانتخابية، هم من خارج السلطة. فكل وزير أو نائب أو رئيس يحظى بحماية أمنية لا شك في أنه يستخدمها لتوفير الحماية لشخصه كمرشح وكذلك لحملته الانتخابية. حرّاس الوزير المرشح باتوا حرّاس صور الوزير ويافطات الوزير وشعاراته ومناصريه أيضاً. ويحضر ضباط وعناصر قوى الامن المرافقين للوزير أو الرئيس مهرجانات انتخابية وسياسية، وغالباً ما يشاركون في الحشد والتصفيق والهتاف. ويستخدم الوزير أو الرئيس المرشح الآليات والتجهيزات الأميرية والمقار الرسمية خلال حملته الانتخابية، بينما يُحرم المرشح من خارج السلطة ذلك. وبالتالي، فإن الحماية الأمنية التي توفرها الدولة للمرشحين ليست متساوية كما تفرض الأصول، وهي تقدم حق مرشحين بالأمن والسلامة على حق مرشحين آخرين بالأمن والسلامة.
الحماية الأمنية التي توفّرها الدولة للمرشحين ليست متساوية كما تفرض الأصول
ولا بد من الإشارة الى أن بعض المرشحين هم من المسؤولين السياسيين السابقين والمديرين والضباط السابقين، وبالتالي فهم يحظون كذلك بحماية أمنية رسمية يجري استخدامها في الانتخابات.
إن التسهيلات المتوافرة لكل مرشح يحظى بحماية أمنية أو عسكرية تتضمن حماية مكاتب المرشح الانتخابية ومكاتب اللائحة التي انضم اليها؛ حماية الإعلان الانتخابي من أي اعتداء أو تمزيق كما ذكرنا آنفاً؛ حرية التجوال والانتقال بأمان، وأخيراً الامن خلال المهرجانات الانتخابية.
الأمن الداخلي والأمن الخارجي
الانتخابات النيابية هي حدث مركزي في تكوين الدولة، وبالتالي فإن من يعادي الدولة يجد في موعد الانتخابات مناسبة لاستهدافها. ولأعداء لبنان أدوات كثيرة، منها داخلي ومنها خارجي. ولإسرائيل كما للمجموعات الإرهابية الأخرى تجارب كثيرة في القتل والتفجير والاغتيال والتخريب والتحريض ونشر الاشاعات واختلاق الاخبار الكاذبة، بهدف زعزعة الامن في مختلف أنحاء البلاد. ولا يمكن التعويل على الوضع الإقليمي والدولي للحسم بشكل قاطع بأن العدو الإسرائيلي لن يعتدي على أمن الانتخابات، علماً بأن ذلك مستبعدٌ. وبالتالي، فإن جاهزية الجيش والمقاومة يوم 6 أيار المقبل ضرورية، كما لا بد من مضاعفة جهود المديرية العامة للأمن العام في مراقبة حركة الوافدين الى لبنان ورصد المشتبه فيهم بالعمل لمصلحة العدو. أما بالنسبة الى التهديد الذي يمكن أن تشكله التنظيمات الإرهابية، فيستدعي مضاعفة المراقبة التي يقوم بها بشكل أساسي فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش، وتفعيل رصد المخبرين لأي تحضيرات سرية لعمليات إرهابية خلال الانتخابات.
في المحصلة، هناك متطلبات أمنية خارجية تضاف الى متطلبات الامن الداخلي، ولا بد من التنبه والاستعداد للحماية، ليس فقط من قبل الجيش والقوى الرسمية، لكن للمقاومة أيضاً مسؤولية أساسية في هذا الإطار. أمن الانتخابات من أمن لبنان، وبالتالي من واجب المقاومة بكل أجهزتها وأسلحتها حماية الانتخابات من أي عدوان خارجي والمساعدة في الحفاظ على الأمن الداخلي.
الأمن والسلامة يوم الانتخاب
أمام القوى الأمنية والعسكرية مسؤوليات تتطلب معرفة مهنية وتدريباً وموارد قد لا تكون متوافرة بشكل كامل، لكن مع الاسف ليست المرة الاولى التي تجد قوى الامن الداخلي نفسها في وضع لا تحسد عليه. الضباط والرتباء والعناصر يبحثون دائماً عن حيل لأداء مهماتهم بالشكل الصحيح وبواسطة الإمكانيات المتاحة.
يوم الاحد المقبل سيحجز جميع العسكريين في قوى الامن، وسيتم توزيع الضباط والعناصر على مئات أقلام الاقتراع في كافة المحافظات والاقضية، منذ يوم السبت في الخامس من أيار. لكن لا بد من الإشارة الى أن الدولة لا تخصص أماكن لنوم العسكر وقضاء حاجاتهم، بل عليهم أن يدبّروا أمورهم بأنفسهم ليلة «ويك أند» الانتخابات.
وفي اليوم التالي، تشمل مسؤوليات ضباط ورتباء وعناصر قوى الأمن الداخلي الأمور الآتية:
تسهيل وصول الناخبين الى أقلام الاقتراع، وبالتالي التأكد من سلامة الطرق المؤدية الى عنوان القلم.
حماية قلم الاقتراع من خلال تفتيش جميع الأشخاص الداخلين اليه، ومنع التعرض للناخبين في المكان، وتنظيم طابور الانتظار على مداخل الأقلام.
التدخل مباشرة إذا طلب رئيس القلم ذلك، للتعامل مع وضع مخلّ بالأمن والنظام، أو إذا وقع جرم مشهود في المكان.
أما بالنسبة إلى أمن المباني المخصصة لأقلام الاقتراع من الخارج، فسيتولى الجيش اللبناني مسؤولية حمايتها. كذلك سيؤازر الجيش القوى الأمنية في عملية تنظيم الحشود التي يمكن أن تتجمهر على مداخل الأقلام، ومنع التدافع وحماية الناخبين من الضغوط غير المشروعة، ومن أي خلل أمني قد يقع في المكان.
وقد يكون منع تدخل الضباط وعناصر الامن والاستخبارات في كل ما يجري داخل القلم من أبرز التحديات التي تواجه الانتخابات. وفي هذا الاطار، ينبغي تشدد المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وقيادة الجيش، حيث لا يخفى على أحد انحياز بعض الضباط إلى جهات سياسية محددة، ولا يمكن تجاهل نظام محاصصة المراكز الأمنية الحساسة بين مختلف القوى الطائفية والسياسية في لبنان.
وكما جرت العادة في كل استحقاق انتخابي، سيجول المرشحون والمرشحات على أقلام الاقتراع، وغالباً ما تحصل بعض المشاكل خلال تلك الجولات. واللافت أن معظم المشاكل تحصل مع مرشحين أو مرشحات من خارج لوائح السلطة، حيث يحتك مناصروهم بمناصري اللوائح المنافسة ويحصل تدافع وصراخ وتتدخل القوى الأمنية. هذه الاحداث بحد ذاتها طبيعية وتحصل في الانتخابات في أي بلد، على عكس التجاوزات التي يمكن أن تحصل خلال جولات الرؤساء والوزراء المرشحين على أقلام الاقتراع. فأثناء تلك الجولات قد تجرى عملية ترهيب للناخبين من قبل المواكب الأمنية الضخمة التي ترافق الرئيس أو الوزير المرشح، وقد يقوم مرافقون أمنيون مدجّجون بالسلاح الحربي بـ«تدفيش» الناخبين والاعتداء عليهم بحجة «وسّعوا إجا الرئيس» أو «إجا الوزير». أما آليات المرافقة، فقد تغلق الطرق المؤدية الى قلم الاقتراع، ما يؤدي إلى عرقلة وصول الناخبين.
وقد يدخل الرئيس والوزير مع كامل فريق مرافقيه المسلحين الى قلم الاقتراع، ما قد يُحدث فوضى ويفقد سيطرة رئيس القلم، الذي يفترض أن يكون الحاكم والناهي في القلم أمام جميع الناخبين، بمن فيهم الرؤساء والوزراء.
الفرز والإعلان عن النتائج
لا تنتهي العملية الأمنية لحماية الانتخابات ليل يوم الاحد، بل يستمرّ ضغط العمل الذي يواجهه آلاف الضباط والرتباء والعناصر لليوم التالي، وربما حتى بعد ذلك، الى أن تعلن النتائج الرسمية النهائية.
وقد تكون لحظة اغلاق الأقلام وبدء عدّ الاصوات من أدق اللحظات الأمنية، حيث يفترض أن يقوم رئيس القلم بإخراج الجميع، بمن فيهم العناصر الأمنيون من الغرفة، باستثناء مساعديه والمندوبين. وبعد انتهاء العدّ وختم المحضر، تعاد الاوراق الى الصندوق، وينقله رئيس القلم بحراسة مشددة الى وزارة الداخلية في بيروت حيث يتم الفرز النهائي.
وتنقل كذلك صناديق الاقتراع الآتية من الخارج والمحفوظة في المصرف المركزي الى وزارة الداخلية.
وفي هذه الاثناء، سيبدأ إعلان الماكينات الانتخابية لمختلف القوى النتائج المرجّحة للانتخابات، ما قد يحفّز المناصرين على التجمهر في الشارع وأمام المراكز الحزبية وفي مواكب سيارة. وتستمر العملية الأمنية لمنع وقوع صدامات بين المناصرين المتنافسين أو أي أعمال شغب واعتداء على الاملاك الخاصة والعامة.
الداخلية في صندوق
لأول مرة في تاريخ الانتخابات النيابية يترشّح وزير الداخلية ومديران عامان سابقان لقوى الامن الداخلي وعدد من ضباطها ومدير عام سابق للأمن العام وعدد من ضباط المديرية في آن واحد لتولي مقاعد في المجلس النيابي. بعض الضباط المكلفين بحماية الانتخابات قد يجدون أنفسهم محرجين. فكيف يمكن أن يوجهوا تحية عسكرية لوزيرهم أو مديرهم السابق أو الضابط الأرفع منهم رتبة وأن يخضعوه لتوجيهاتهم بشأن موجبات تنظيم الانتخابات في الوقت نفسه؟ وقد لا يجرؤ ضابط على منع موكب الوزير من إغلاق الشارع المؤدي الى قلم الاقتراع تسهيلاً لوصول الناخبين. كذلك قد لا يجرؤ ضابط على منع دخول مرافق مدير عام سابق بسلاحه الى قلم الاقتراع. وقد لا يجرؤ ضابط على تفتيش ضابط سابق قبل إدلائه بصوته.
انتخابات مع السلامة
إن السلامة هي بأهمية الأمن في أقلام الاقتراع، حيث ينبغي التنبه إلى حالات الطوارئ، مثل الحريق والتدافع وسلامة المبنى والكوارث الطبيعية. ولا بد أولاً من جاهزية فرق الإسعاف والاطفاء يوم الاحد، ولا بد كذلك من تجهيز أقلام الاقتراع ومركز الفرز بمطافئ حريق. كما ينبغي أن تكون للأماكن التي توضع فيها أقلام مخارج طوارئ لمنع حشر الناس في حال شبّ حريق. أما بشأن الكهرباء، فلا بد من مصادر بديلة فورية من خلال مولدات الكهرباء أو الانارة بواسطة البطاريات. وعلى رئيس القلم التنبه إلى هذه الحاجات الأساسية قبل يوم الاحد، لتجنّب الفوضى لحظة انقطاع التيار الكهربائي، ولمنع أي تلاعب محتمل بالأصوات في العتمة.
العنف ضد المرأة أثناء الانتخابات
يدفع النظام الذكوري القائم في لبنان ربّ العائلة إلى حسم الخيارات الانتخابية لجميع أفرادها. وفي معظم الحالات، لا يرى الزوج أي حاجة لإقناع زوجته بهذا الخيار لأنه يعتقد أنها «لا تفهم بالسياسة»، وبالتالي إن التبرير الأكثر شيوعاً هو منح المرأة الثقة الكاملة لزوجها «الفهيم» في تحديد الخيارات الانتخابية. لكن المفارقة هي أن بعض الزوجات الحائزات شهادات جامعية في العلوم السياسية يخضعن للاعتبارات نفسها. وفي مجتمع يشكو عصبيات طائفية ومذهبية ومناطقية، يتفاقم القمع الذكوري بحجة شدّ العصب. ويعوّل الذكوريون على الأمهات والزوجات والأخوات والبنات لتحريك العواطف وتعطيل العقل. وتدخل الوجدانيات من باب حماية الطائفة، وكأن الانتخابات تحدد وجودها من عدمه؛ ومن باب الترهيب بعناوين سياسية فضفاضة. والويل كل الويل للمرأة التي تناقض خيارات زوجها أو والدها أو شقيقها علناً. هي تعدّ «متمرّدة» أو «ثورجية متهوّرة»، وقد تتهم في بعض الحالات بالخيانة، ويُشاع أن حتى انقلابها على خيار ربّ الأسرة لم يكن بسبب قناعاتها المنطقية وفكرها المعترض وخيارها لبرنامج سياسي آخر، بل لأسباب عاطفية أو لانفعالات شخصية ووجدانية مضادة. وبالتالي تترسخ قناعة ذكورية بأن «علاجها» لا يمكن أن يكون خارج إطار القمع والإكراه، فضلاً عن الخلل الأساسي الذي يُلزم المرأة بنقل قيدها إلى قيد زوجها، فتصبح أيضاً ملزمة أحياناً بخيارات لا تمت بصلة إلى بيئتها الأصلية.