انتهت جلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية التي عُقدت قبل ظهر الخميس، على ما كان متوقّعاً، أي مع تأمين النصاب القانوني للإنتخاب إذ شارك فيها 122 نائباً من أصل 128، مع إعتذار 4 نوّاب وتغيّب إثنين، وإجراء الدورة الأولى من الإنتخاب، ثمّ فرز الأصوات وعدم حصول أي من الأسماء التي جرى التصويت لها بالإقتراع السرِّي على العدد المطلوب من الأصوات، وهو ثلثا أعضاء مجلس النوّاب، ما استدعى بعد ذلك تلاوة المحضر وتصديقه مع إبقاء جلسة الإنتخاب مفتوحة مع فقدان النصاب وعدم استكمال الإنتخاب في الدورة الثانية، من دون أن يُحدّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أي موعد للجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس والتي يُفترض أن تبدأ من الدورة الثانية وتتطلّب النصاب القانوني لإجراء عملية التصويت. ودعا برّي في كلمة مقتضبة ألقاها في ختامها «الى التوافق والى رئيس يأتي بـ 128 صوتاً»، وهو ما سبق وأن شدّد عليه أي «التوافق» للدعوة الى جلسة انتخاب الرئيس.
مصادر سياسية بارزة قرأت جلسة الإنتخاب والنتائج التي صدرت عنها بعد تصويت النوّاب في الدورة الأولى، فذكرت أنّها كانت جلسة تمهيدية، أوّليّة إختبارية كونها كشفت عن توجّهات الكتل النيابية بشكل عام، رغم عدم طرح أسماء المرشحين الجديين للرئاسة. ولكنّها أظهرت بالتالي أموراً عدّة باتت واضحة ولا تحتمل أي تأويل أو تفسير جديد، إِلَّا إذا تغيّر أداء بعض الكتل في عدد من الحالات هي:
1- أن لا أكثرية لأحد، وفقدان الغالبية المطلقة في البرلمان، لا سيما مع عدم قدرة أي فريق سياسي من تأمين النصاب القانوني، وبالتالي ثلثي أعضاء المجلس الذي هو 86 صوتاً الذي يفرضه انتخاب الرئيس من الدورة الأولى، كما في الدورات التالية.
2- الإنقسام الكبير في صفوف الكتل النيابية، لا سيما لدى المعارضة التي توزّعت أصواتها على النائب ميشال معوّض الذي حاز على 36 صوتاً وسليم إدّة على 11 صوتاً، ولبنان على 10 أصوات ومهسا أميني صوتاً واحداً و»نهج رشيد كرامي» صوتاً واحداً، مقابل 63 صوتاً ورقة بيضاء.
3- إنّ انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة أي بت 65 صوتاً ليس أمراً مستحيلاً على أي من الفريقين في حال تبدّل بعض التحالفات، غير أنّ الصعوبة تكمن في عدم قدرة أي فريق بمفرده على تأمين النصاب القانوني لإجراء الدورة الثانية وما يليها من الإنتخاب، الأمر الذي يتطلّب التوافق والمزيد من المشاورات والتواصل والحوار بين جميع الكتل النيابية، على ما طالب برّي. فمن الواضح أن لا أحد يستطيع ربح معركة الرئاسة بمفرده.
4- عدم كشف فريق 8 آذار وحلفائه عن إسم مرشّحه، ليس بسبب عدم القدرة على التوافق على إسم معيّن، إنَّما لعدم حرقه في جلسة كان يُعرف سلفاً أنّها لن تصل الى انتخاب الرئيس.
5- عدم طرح أسماء المرشّحين الجديين لرئاسة الجمهورية، وإن كان رئيس «حركة الإستقلال» النائب ميشال معوّض قد حجز مقعداً له من ضمن الأسماء المرشّحة لاحقاً للرئاسة، بعد أن أظهر حيثية سياسية معيّنة، وإن كانت غير كافية لأنّ عدد الأصوات الـ 36 التي نالها، أو الـ 40 التي توقّعها، يبعد عن العدد المطلوب لانتخاب الرئيس، من الدورة الأولى أو الثانية أو الثالثة والرابعة واللاحقة.
وكان معوّض تحدّث بعد الجلسة عن أنّ لديه أيضاً 4 أصوات إضافية من بين النوّاب المعتذرين والمتغيّبين عن الجلسة، لا سيما من نائبي تكتّل «تجدّد» الذي ينتمي اليه وهما نعمت افرام وفؤاد مخزومي اللذان اعتذرا بداعي السفر، فضلاً عن صوتي النائبين المتغيّبين ستريدا طوق وسليم الصايغ، ما يجعل عدد أصوات مؤيّديه من النوّاب 40 صوتاً. ولهذا دعا الى توحيد صفوف المعارضة وجهودها والالتفاف حول برنامجه السياسي لإيصاله الى قصر بعبدا. علماً بأنّ نوّاب 17 تشرين أصرّوا في مبادرتهم التي عرضوها على جميع الكتل والأحزاب السياسية على إسم مرشّح مستقلّ من خارج المنظومة، معتبرين معوّض من ضمنها، وطارحين 4 أسماء للتوافق على أحدها هي: زياد بارود، ناصيف حتّي، صلاح حنين وسليم إدّة. وقد قام بعضهم بالتصويت لإدّة خلال جلسة الانتخاب فنال 11 صوتاً.
وإذ رأى البعض أنّ «الورقة البيضاء» التي أسقطها كلّاً من الثنائي الشيعي أي نوّاب حزب الله و»حركة أمل»، فضلاً عن نوّاب «التيّار الوطني الحر» و»الطاشناق»، الى جانب أصوات بعض النوّاب المستقلّين مثل عبد الرحمن البزري وأسامة سعد وشربل مسعد، هي دليل إرباك وضعضعة لدى نوّاب الموالاة، حيث أوضحت المصادر نفسها أنّها تعبير سياسي عن موقفهم. وبعكس ما قيل فقد أظهرت «الورقة البيضاء» أنّ الموالاة متوافقة جدّاً، والدليل التزام نجل رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية، النائب طوني فرنجية بما قرّرته، والإقتراع بورقة بيضاء، وليس بإسم والده المرشّح التقليدي لرئاسة الجمهورية، والذي اعتقد معوّض أنّه سيُنافسه خلال جلسة الإنتخاب هذه على موقع الرئاسة.
وتقول المصادر بأنّ جلسة الإنتخاب فتحت الباب على ضرورة نسج تسويات لإنتاج إسم مرشّح معيّن لدى المعارضة التي شهدت انقساماً حادًّا، وهذا الأمر ليس دليل تنوّع المواقف فيها، على ما يُصرّح البعض، لأنّه لا يؤدّي في نهاية الأمر الى انتخاب رئيس. كما حافظت على أسماء المرشحين الجديين الى المرحلة اللاحقة، مثل إسم سليمان فرنجية، أو قائد الجيش جوزف عون، وإن كان انتخابه حالياً يحتاج الى تعديل دستوري.
وبرأي المصادر إنّ شهر تشرين الأول المتبقّي من عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لن يشهد انتخاب رئيس الجمهورية المقبل إذا ما بقيت الكتل النيابية على سلاحها، ولم تعمل على الحوار فيما بينها. فالهدف هو انتخاب رئيس قادر على إنقاذ البلاد من الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي السيء الذي تعانيه، ويعيد الى الشعب اللبناني كرامة العيش فيها، لكي يبقى أبناؤها فيها، ولا يلجأون الى الهجرة الى دول الخارج بحثاً عن التعلّم وعن فرص العمل، فإنّ البلاد سوف تتجه نحو الشغور الرئاسي، ما بعد انتهاء عهد الرئيس عون.
ولفتت المصادر عينها الى أنّ فقدان النصاب في الجلسة بسبب مغادرة نوّاب حزب الله و»حركة أمل» وسواهم، إنَّما هو عامل لحثّ الجميع على أهمية التفاهم، ولتسريع خطى التواصل للتوافق على شخصية تجمع وتُرسي أسس التفاهم والمصالحة بين جميع اللبنانيين، وتعمل على إنقاذ البلاد من أزماتها المتفاقمة. علماً بأنّه لا ينفع أن يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأكثرية هزيلة، لأنّ مثل هذا الأمر لن يُمكّنه من تحقيق الإصلاحات المطلوبة في المؤسسات الإدارية وفي مختلف القطاعات.
ورأت المصادر السياسية بأنّ برّي دعا الى هذه الجلسة التمهيدية وفقاً للمادة 73 من الدستور التي تنصّ على ضرورة التئام مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية قبل شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر من انتهاء عهد الرئيس الحالي. وسيترتّب عليه الدعوة الى الجلسات اللاحقة حتى انتخاب الرئيس، الأمر الذي يجعل البرلمان يفقد حقّ الإنعقاد حُكماً أي من تلقاء نفسه في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية (أي في 21 تشرين الاول المقبل). ويبقى على برّي تحديد موعد الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس، وكان أجاب عن سؤال «حول موعدها في حال لم يحصل التوافق الذي يشترطه للدعوة اليها»، بأنّه «لكلّ حادث حديث». علماً بأنّ المجلس النيابي سيعقد جلسة في 18 تشرين الأول المقبل لتجديد اللجان وانتخاب هيئة المكتب، وهو وإن كان في مرحلة الهيئة الناخبة والجلسات المفتوحة لانتخاب الرئيس، بإمكانه عقد جلسة لإعطاء الثقة للحكومة الجديدة أو حجبها عنها، في حال تشكّلت خلال الأسابيع المقبلة.