في خلال ساعات، إذا صحّت التسريبات، يصبح انتخاب الرئيس أمام مرشحيْن اثنين جديين من الصعب تصوّر سهولة انتخاب أحدهما دونما إشعار الآخر ومَن يقف وراءه بما هو أسوأ من هزمه. الصعب الأصعب الذي يدور من حول الوصول إلى الانتخاب، امتلاك الثنائي الشيعي مفتاحيْه: الدعوة إلى الجلسة وميثاقية النصاب
دخل انتخاب الرئيس في المأزق الأسوأ والأكثر انغلاقاً. حدة المواجهة بين ثنائييْن شيعي ومسيحي واستعارها على نحو غير مسبوق، أحالها أكثر من منافسة. كلا الطرفيْن يدخل المواجهة هذه على أنها أبعد من انتخاب رئيس وأهم منه. تدور من حول مَن يهزم الآخر ويكسر رأسه. المقلق فيها أنها تتخذ بُعداً طائفياً خطيراً يراد أن ينتهي بغلبة فريق على آخر بعدما تيقنا من أن امتلاك كل منهما فيتو التعطيل وإعطاب نصاب الدورة الثانية لجلسة الانتخاب، سيجعل من المستبعد الوصول إليها سلفاً.
ما بات عليه مسار الاستحقاق هو الآتي:
1 ـ لا أحد في وارد التغيّب عن جلسة الانتخاب متى صار إلى الدعوة إليها. ما يفيض عن الثلثين سيحضر، ومن ثمّ الدورة الأولى من الاقتراع تنتهي بعدم تمكن أي من المرشحيْن المعلنيْن الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور من الحصول على 86 صوتاً على الأقل. بعدذاك، لا أحد يسعه التكهن بالخطوة التالية الموجبة وهي الدورة الثانية، المقرِّرة فوز أحدهما. كلا الثنائييْن يصر على أن مرشحه سيفوز بالأكثرية المطلقة المتوافرة لديه. كلاهما يبالغان أيضاً في هذا التصوّر ـ إذا قُيّض لجلسة الانتخاب الاستمرار ـ إذ لحظتذاك تدخل على التصويت المفاجأة داخل الجلسة ومن خارج البرلمان. بل من المبالغة الاعتقاد أن تعذّر حصول أي من المرشحيْن على الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية سيتيح عقد جلسات اقتراع عدة متتالية. المفاجأة الفعلية تكمن في الدورة الثانية التي تؤدي حكماً إلى انتخاب أحد المرشحيْن فرنجية أو أزعور. هي الدورة الشرعية لوقوع الخيانة والإخلال بالتعهدات والوعود ورفع أثمان الإغراءات.
2 ـ مع أن رئيس البرلمان نبيه برّي ربط تحديد موعد الجلسة الثانية عشرة بوجود «مرشحيْن جدييْن أو اكثر»، بيد أن الوصول إليهما لن يكون كافياً لتحديد الموعد. المؤكد حتى إشعار آخر أن لا جلسة انتخاب للرئيس بين مرشحيْن اثنين يُنظر إلى فوز أحدهما على أنه أكثر من هزيمة المرشح الآخر، بل هزيمة طائفة الفريق الذي يدعمه. كلا الثنائيين، الشيعي والمسيحي، يخوضان مواجهة عنوانها إسقاط المشروع السياسي للفريق الآخر الذي أضحى ملتصقاً بطائفة هذا الفريق أو ذاك. هذا ما يحدث عندما يبرر الثنائي الشيعي ـ وكان السبّاق والمبادر ـ دعمه ترشيح فرنجية أنه يريد رئيساً ضامناً له، ولسلاحه وموقعه الإقليمي خصوصاً، ولا يطعنه في الظهر. وهذا ما يحدث أيضاً عندما ينكر الثنائي المسيحي على أي فريق غير مسيحي أن يفرض عليه رئيساً للجمهورية ينتمي إلى طائفته لا يريده إن لم يكن يعارضه.
3 ـ في ظل اصطفافين يوحيان بالتراص يعبّر عنه الثنائيان المتيقنان من تماسكهما، يتحول النواب من خارجهما إلى الأغلى ثمناً في الاستحقاق، وهم كتلة وليد جنبلاط والنواب التغييريون وبعض المستقلين. كلا الثنائييْن تصوَّر جنبلاط إلى جانبه لترجيح الكفة أو على الأقل لتسهيل الوصول إلى الفوز. أما ما لم يدخل بعد في تصوّرهما ـ كعامل إضافي لتعذّر انتخاب الرئيس ـ فهو سوء فهم موقف الزعيم الدرزي. عندما قال بتأييد مرشح تسوية، استبعد في آن فرنجية والمرشح السابق النائب ميشال معوض. وعندما أعاد أخيراً تأكيد الموقف نفسه ولوَّح بالورقة البيضاء أصر على مرشح التسوية مع أنه كان سبّاقاً إلى طرح أزعور. أكثر من مرة أظهر تأييده له كشخصية اقتصادية ومالية محترفة تحتاج إليها البلاد في المرحلة المقبلة. عندما لمّح جنبلاط إلى تأييده كمرشح تسوية لم يكن الثنائي المسيحي قد ذهب بعيداً في تبنيه، وأطل به على أنه مرشح معركة وتحد في مواجهة فرنجية وجزم سلفاً بفوزه.
ما يصحّ على جنبلاط متفادياً الدخول طرفاً بين مرشحيْ تحد، يتحدث عنه أيضاً نواب إما مستقلون أو تغييريون: لا ينتخبون أزعور، لكنهم حتماً ضد فرنجية.
4 ـ ما هو معلوم أن الائتلاف المسيحي المستجد، بين حزبيْ القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر وحلفائهم، على أزعور ليس إلا تعبيراً عن رفض قاطع لوصول فرنجية، بما يمثّل سياسياً وشخصياً، إلى الرئاسة تكراراً لما حدث عام 2015. في المقابل ينظر الثنائي الشيعي وخصوصاً حزب الله إلى ترشيحه على أنه استدراك لما لم يكن يتوقعه. اتخذ قرار ترشيح فرنجية على إثر الانتخابات النيابية العام المنصرم التي أفقدت الحزب ما كان ينتظره، وهو تمكنه من الحصول على أكثر من الغالبية المطلقة في أصوات البرلمان الجديد. ثغرة خسارته هذه كمنت في تعديل قانون الانتخاب حينذاك على نحو أتاح اقتراع الانتشار للمقاعد الـ128 فحرمه من كمّ من الأصوات المفترض أنها محسوبة له سلفاً. وجود رئيس للجمهورية حليف لحزب الله يعوّضه الغالبية النيابية التي أخفق في الحصول عليها.
في ما يسمعه المطلعون على موقف حزب الله أنه لن يسمح، على الأقل في ما يقوله، بانتخاب رئيس يثير فيه القلق والمخاوف والشكوك. الأهم في ما يقوله الحزب لتأكيد عدم تساهله في عدم وجود رئيس للجمهورية حليف له أن مناصب ثلاثة رئيسية في الدولة يصعب السيطرة عليها تذهب مرة بعد أخرى إلى «الأميركيين»: رئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان. المناصب الثلاثة هذه لن تكون أقل أهمية من انتخاب الرئيس في المرحلة المقبلة تحت وطأة الانهيار الداخلي. ذلك ما يُفهم من أن الثنائي الشيعي وحزب الله بالذات لن يذهب إلى جلسة انتخاب رئيس لا يكون فرنجية.
في نهاية المطاف لا يملك الحزب، وهو يدخل في مواجهة طويلة الأمد على الاستحقاق الرئاسي، سوى التيقن من الكلفة الباهظة التي يسعه تحمّلها في الداخل ومع الخارج حيال أحد خياريْن اثنيْن: التسليم بخسارة فرنجية سواء كان الفائز أزعور أو سواه، أو الذهاب إلى شغور لا أحد يعرف آخر خيطه.
5 ـ يكتسب ترشيح أزعور جديته من أسباب دارت من حول إيحاءات شتى أبرزها سعودي، كافية كي يدخل في منافسة مع فرنجية ويستقطب من حوله كتلاً مسيحية نفرت من ورود اسمه قبل أشهر ثم استعجلته. بين الأسباب تلك أن السفير السعودي وليد البخاري فاتح سمير جعجع به في وقت مبكر قبل أن يشاع اسمه أخيراً. ما يروى أن البخاري أظهر حماسة لخوض الفريق المسيحي وخصوصاً حزب القوات اللبنانية في ترشيح أزعور الذي عرفته المملكة قبلاً وتعاونت معه في خلال عمله في صندوق النقد الدولي، مشيداً بعلاقاته الدولية المفيدة. رُوي أيضاً ما أسرّ به أزعور إلى رئيس البرلمان قبل أيام أنه يحظى بتأييد الرياض لانتخابه.