مُسلّماً بوجود مرشحَين اثنين للرئاسة، حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً لجلسة انتخاب جديدة لرئاسة الجمهورية في الرابع عشر من الجاري. تسعة أيام فاصلة كفيلة بأن تشهد المزيد من التطورات والمشاورات لتوضيح رؤية التحالفات النيابية، ويتوضح موقف تكتل نواب «اللقاء الديمقراطي» ويكون رئيسه تيمور جنبلاط قد عاد من رحلة الإستجمام مع والده خارج لبنان. حتى الساعة لا موقف ثابتاً للإشتراكي. قبل فترة من الزمن تبلغ بري من وليد جنبلاط بصعوبة الإقتراع لمرشح الثنائي سليمان فرنجية. رغم تسليمه بخيارات صديقه وحليفه المزمن إلا أنّ جنبلاط الأب لم يستسغ خيار فرنجية وامتنع عن التماهي معه من ناحيتي تأمين النصاب والإقتراع.
موقفٌ كان بري يراهن على تبدله لولا أن جيّر الأب الخيار لنجله وهو الرافض لفكرة فرنجية من أساسها لكنه لم يحسم أمر التصويت لصالح جهاد أزعور لاعتبارات سياسية مستقبلية. ما لا يريد الأب توريثه لابنه هو نزاع مع «حزب الله» وتصادم مع الشيعة لصالح الإصطفاف الى جانب المسيحيين. لن يغالط الإبن خيارات والده الذي سعى في الآونة الأخيرة إلى الحفاظ على نتيجة «صفر مشاكل» مع «حزب الله» والإستمرار الى جانب خيارات بري ومؤازرته. فهل يغادر الإشتراكي الهدنة مع الثنائي ويدخل طرفاً في الأزمة لصالح المعارضة و»التيار الوطني الحر» أي مساندة المرّ والأمرّ في السياسة؟
منذ نتائج الإنتخابات النيابية لم يستسغ جنبلاط «التغييريين» ولا وثق في خياراتهم وإن كان ساند مرشحين اثنين منهم لتحقيق أرقام وازنة في الإنتخابات، فهل يمكن أن يقبل الإصطفاف الى جانب خياراتهم ضد خيار «الثنائي»؟
في الأساس لم يطرح جنبلاط خيار جهاد أزعور إلا من منطق كونه خياراً توافقياً غير مستفز. فإذا لم يكن كذلك فقد يتجه نواب «الديمقراطي» نحو الورقة البيضاء كأفضل الشرّيْن، وعلم ان اللقاء الديمقراطي سيعقد اجتماعاً مساء الخميس المقبل للتباحث في ما آلت اليه الأوضاع في ضوء الاصطفاف الطائفي القوي. الإرباك سمة اللحظة، ليس بين الكتل النيابية وحسب وإنما داخل التكتل النيابي الواحد. فمن بين «الإشتراكي» من خرج يتحدث عن أزعور وثان عن توافق، وثالث عن ورقة بيضاء.
وليست حال «التغييريين» أفضل، فثمة صعوبة في التوصّل إلى موقف موحد ونهائي لهم قبيل موعد الجلسة بساعات، وهناك معلومات تتحدث عن دخول دولة إقليمية على خط الإنتخابات الرئاسية عن طريق تقديم إغراءات للنواب لحثهم على خيار ثالث خارج فرنجية وأزعور.
وفي الإحتمالات المرجحة للجلسة أن يقترع الثنائي بورقة بيضاء وليس لفرنجية. فالمرشح الذي رفض في الجلسات السابقة الإقتراع باسمه إذا لم يكن انتخابه مضموناً لم يبدل موقفه بعد رغم كونه مصراً على السير بترشيحه وهو أبلغ البطريرك الماروني بشارة الراعي بذلك صراحة. بالمقابل ليس مضموناً إستمرار أزعور بترشيح نفسه اذا لم تكن المعركة مضمونة لصالحه ولذا فهو لن يستقيل من منصبه في صندوق النقد الدولي.
ازاء هذه المعطيات والإرباك السائد رغم وجود مرشحين للرئاسة، فمن المرجح أن تعقد الجلسة ويفشل الطرفان في تحقيق غالبية 65 صوتاً ولا يكتمل النصاب في الجلسة الثانية، ما يعني المزيد من الشيء نفسه أي تكرار سيناريو الجلسات السابقة ذاته من دون التوافق على انتخاب رئيس أو السماح بمنافسة بين المرشحين، أو ينزع الثنائي الميثاقية الشيعية عن جلسة الإنتخاب.
ومن اليوم وحتى تاريخ الجلسة يكون الموفد البطريركي المطران بولس عبد الساتر قد أنجز مهمته بالحوار الذي باشره مع القوى السياسية وبدأه بلقاء مع أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، فيما تردد أن أي موعد مع رئيس المجلس لم يحدد بعد. وفي اعتقاد مصادر مطلعة أنّ عدم تحديد الموعد سببه الهجوم الذي شنه البطريرك على بري على خلفية عدم الدعوة إلى جلسة انتخاب، وهو ما عاد الراعي وتلقفه في عظة الأحد بالحديث عن التفاهم والتوافق على مرشح لا غالب ولا مغلوب في محاولة لتخفيف الإحتقان بين الشيعة والمسيحيين.
كل طرف انصرف إلى تحسين تموضعه استعداداً لجلسة الإنتخاب المقبلة ودخل في عملية احتساب للأصوات المؤيدة. همّ الثنائي منع التسلل إلى حلفائه والحفاظ على المؤكد منهم، وعددهم يزيد على الأربعين. مهمة أخرى مستجدة في حال اعتماد خيار الورقة البيضاء وهي العمل ليكون عدد الأوراق البيضاء متفوقاً على الأصوات التي سينالها المرشح المقابل. وللمفارقة فإنّ هذه الجلسة إن عقدت، سيكون الإقتراع فيها لصالح مرشحين موجودين بالإسم فقط. فرنجية لم يقصد المجلس ولن يفعل إلا في حال انتخب رئيساً بينما يخوض أزعور معركته بالتواتر ومن خلال المكالمات الهاتفية.
ثبّت الموعد لكن السيناريوات كثيرة وليس معروفاً أي منها سيحصل. مؤكد وحيد وهو أنّ انتخاب الرئيس مستبعد على ما تؤكد مصادر الفريقين.