يفترض المنطق بعد المواصفات التي حددها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجمعة لمرشحه للرئاسة، وإن لم يسمِّ مَن سمّاه ضمناه، ان يغدو انتخاب رئيس للجمهورية سهلاً. لكل من الفريقين مرشحه كي يحتكما الى الاقتراع. واقع الامر انه اضحى ابعد مما كان
ما كانت عليه الجلسات الخمس الاخيرة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وستكون كذلك الجلسة السادسة الخميس المقبل، يكرّس معادلة الجمود ويرشح الاستحقاق الى ان يستمر طويلاً، وربما الى اشهر: حملة الاوراق البيض لا يتزحزحون عنها، والفريق الآخر المؤيد لترشيح النائب ميشال معوض او المقترع لمسميات شتى لا تمتّ بصلة الى ما يجري لا يتزحزح بدوره. صعود الارقام او هبوطها ليس علامة ربح وخسارة مقدار ما تُشعر المراقب بأنها جسّ نبض ليس الا. يبرّر التسلية الدائرة حالياً، ليس التلاعب بالارقام فحسب تزيد او تنقص، بل التأويلات والاجتهادات المفرطة في استنتاجات خاطئة كأنها تدلّ على ان سرّ لعبة الانتخابات الرئاسية صار مفضوحاً وان الاقتراب من جلسة الانتخاب وشيك. للمرة الثالثة على التوالي تُستعاد اللعبة هذه تعبيراً عن الوقت الضائع بعد عامي 2007 و2014، في انتظار الموعد الجدّي لانتخاب الرئيس. ذلك ما كان يتحدث عنه دائماً الراحل جان عبيد عندما كان يميز زمن الترشيح عن زمن الترئيس، وظروف الترشيح عن ظروف الاقتراع. تالياً فإن دعوة المجلس الى جلسات متتالية يعيّنها رئيسه نبيه برّي كإحدى صلاحياته المفوَّضة اليه بحكم الدستور واجبة، بيد انها لا تمت في الوقت الحاضر بأي صلة الى التسلية بالارقام.
ما باتت يتطلبه اخراج انتخابات الرئاسة من مأزقها الحالي كسر الحلقة المقفلة هذه التي تذكر بما رافق استحقاق 2014 – 2016. آنذاك، لأنه دار من حول مرشح جدّي واحد هو الرئيس ميشال عون بين مَن يريده ولا يريد سواه، ومَن لا يريده ولا يعرف مَن يريد سواه، عُطّلت الانتخابات طوال 45 جلسة رغم وجود اكثر من مرشح معلن – الى عون – كسمير جعجع والنائب آنذاك هنري حلو والآخرين المحتملين او الطبيعيين. اللعبة نفسها تدور دائرتها اليوم على نحو مشابه ومناقض في الوقت نفسه: فريق لديه مرشح ويعلن الى الآن على الاقل ان لا مرشح لديه سواه وتتحسن جلسة بعد اخرى الارقام المقترعة له هم مؤيدو معوض، وفريق آخر مرشحه الآني لا يزال الاوراق البيض مع ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خرج قبل ايام (11 تشرين الثاني) عن تحفظه بأن حدّد مواصفات تصلح لاثنين فقط يثق بهما، بيد ان كفة اولهما تغلب على الثاني بكمّ من الاسباب المرجحة والوجيهة، هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. الواضح في موقف نصرالله مع لائحة المواصفات التي اوردها على انها ترمي الى طمأنة المقاومة وهو مفتاح الاقناع لديه، ان مرشحه غير المعلن ليس برسم التمرين على الاقتراع له في جلسات البرلمان، بل الذهاب به الى جلسة انتخابه فحسب. ليس معلناً لكنه معروف.
القاسم المشترك بين الفريقين، المؤيد لمعوض والمصوِّت بالاوراق البيض، ان كلا منهما يملك تعطيل نصاب التئام البرلمان ولا يملك فرض انتخاب المرشح. هو التوازن نفسه المستمر منذ انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 ناجماً حينذاك عن استعار الخلاف السنّي – الشيعي وكانت آخر ساحاته احداث 7 ايار. من ثم رافق شغور 2014 – 2016 الى ان انضم الرئيس سعد الحريري الى خيار حزب الله في عون كي ينجم اقتراعه ايضاً عن توافق شيعي – سنّي عززه توافق مسيحي واسع أعدّ له اتفاق معراب. في الاستحقاق الحالي فقد الناخب السنّي دوره المساعد والمعطّل في آن كما عامي 2007 و2014، فيما الناخب الشيعي لا يزال في ذروة فائض قوته ان لم يكن اكثر.
بذلك يُنظر الى المواجهة المحوطة بالاستحقاق الرئاسي الحالي، في بُعده المحلي الضيّق غير الكافي في نهاية المطاف لانجازه، على انها بين فريق مفرط في قوته وآخر مفرط في تفككه. عقدة التوازن الحقيقية الناشئة بينهما الحائلة الى اشعار آخر دون انتخاب رئيس للجمهورية في هذا الفريق او ذاك، غير القادرة في المقابل على ضبط التوازنات الداخلية والتعامل معها على انها نهائية تبنى عليها التوقعات والحسابات شتى. من بينها:
1 – القيد الدستوري الملزم في المادة 49 نصاً وعُرفاً، ان البرلمان لا يلتئم لانتخاب الرئيس ما لم تجتمع غالبية ثلثيه حضوراً في كل دورات الاقتراع. على نحو كهذا، فإن كلا من الطرفين المتباعدين، الثنائي الشيعي وحلفائه كما الفريق الآخر (وليد جنبلاط والمعارضون والتغييريون)، يملك الثلث المعطل التئام المجلس من غير ان يملك او يسعه في اي وقت توفير الثلثين المقرِّرين للانتخاب. ذلك هو السياق المعتمد الى الآن في ظل يقين الجميع انه ليس اوان الانتخاب الجدي. اما المؤكد ايضاً فهو ان آلية الانتخاب وفق المادة 49 اضحت امراً واقعاً لا رئيس للجمهورية خارج شروطها.
2 – «عداوة الكار» – تبعاً لوصف سليمان فرنجيه – تحت وطأة التنافس داخل كل تحالف وائتلاف. اول اعداء الكار هم الموارنة ما داموا اكثر المعنيين بالاستحقاق الرئاسي: خلافات احزابهم وتياراتهم وتناحرهم على السلطة والاستئثار سواء بين افرقاء قوى 8 آذار كما بين المردة والتيار الوطني الحر، او بين الاعداء التاريخيين كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمردة وحزب الكتائب. عداوة الكار نفسها نشبت بين التغييريين والمستقلين المتعذر عليهم الاتفاق على مرشح يمثل تقاطع وجهات نظرهم المتباينة وخياراتهم.
3 – ربما هي مفارقة ان لا يستقل وليد جنبلاط هذه المرة حيال الاستحقاق الرئاسي بمرشح يسميه هو، من دون ان يتيقن من انه سيفوز. ليس مرشحه الا احد وسائل تصويب التوازنات وتسهيل التنازلات. لاسباب هو اكثر العارفين بها يكتفي الآن بالتفرج على الاستحقاق من الشرفة، وإن مثابراً على تأييد معوض. كلا الفريقين يتشبث به، الذي معه والذي ينتظره في ما بعد، دونما ان يتمسك هو بأحدهما. الا انه اضحى حاجة لكل منهما. مَن لا يزال يتذكر، انه رشح عشية نهاية ولاية الرئيس امين الجميّل عام 1988 الماروني انطوان الاشقر عضو حزبه، ورشح على مرّ الاستحقاقات التالية جان عبيد، ثم رشح لانتخابات 2014 عضو كتلته النيابية هنري حلو. قبله رشح والده الراحل كمال جنبلاط جميل لحود لانتخابات 1970 فنال 5 اصوات، ومن قبل في استحقاق 1964 رشح عبدالعزيز شهاب لخلافة الرئيس فؤاد شهاب وكان عضو كتلته النيابية عامذاك.