IMLebanon

شعارات إنتخابية لمدينة فاضلة وبلد خيالي

 

من حملاتهم تعرفونهم

 

 

في صيف العام 2018 امتلأت جدران المدن والقرى بالشعارات الانتخابية الرنانة وفرح الشعب حينها بالوعود التي انهالت عليه من اللوحات الإعلانية «المتعمشقة» على أعمدة عملاقة، وآمن بأن الآتي الى البلد عظيم… وفي غفلة من الشعارات وأصحابها انهار البلد ولم تنقذه لا الخرزة الزرقاء ولا التيار القوي للبنان القوي ولم يوقف انهياره نبض التغيير ولا لبنان الأمل ولا الأصفر الذي يحمي ويبني والحالة التي «صار بدا» حينها تقهقرت وتراجعت وغرق لبنان بالأسوأ.

 

في انتخابات 2022 اختلف اللاعبون قليلاً وخرج بعضهم من التشكيلة الأساسية ودخل بعض من كانوا على مقاعد الاحتياط لكن الشعارات انتقلت برشاقة من لاعب الى آخر وبقي الجمهور ذاته يصفق ويهلل. الشعارات ذاتها مع تعديل لفظي وتسويقي طفيف عادت لتحتل اللوحات الإعلانية وكأن شيئاً لم يتغير في البلد أو كأنه لم يشهد أحداثاً هزت أسس كيانه أو كأن ناسه محنطون توقف بهم الزمن في 2018 او عاد بهم الى ايام الستينات والسبعينات من القرن الماضي. شعارات انتخابية معظمها من خارج الزمان والمكان تصلح لمدينة فاضلة حكامها حكماء قديسون يضربون بسيف القانون والعدالة والسيادة والنزاهة والتعفف وشعبها يراقب ويحاسب ويتعلم ويأخذ العبر.

 

بدنا وفينا

 

كلّهم كبّروا الحجر وأطلقوا من خلال شعاراتهم وعوداً طنانة رنانة عنوانها الأساسي العموميات وسرّها عدم التطرق الى التفاصيل، او الكشف عن ملامح البرامج الانتخابية لكل حزب وحركة او لائحة. بعض الأحزاب او رؤساء اللوائح والنافذون أسعفهم وضعهم المادي في احتلال الشوارع ولوحاتها الإعلانية فلم يتركوا عموداً يعتب عليهم وكأنهم ارادوا محاصرة ناخبيهم ومنافسيهم والإطباق على أنفاسهم من كل صوب. حملة فؤاد مخزومي كما حملة «القوات اللبنانية» هما حتى الأن الأكثر حضوراً على الطرقات، مخزومي في بيروت الثانية يهتف بحبر اليافطات «بيروت بدا قلب» والقوات في كل لبنان تصرخ بالأحمر الملتهب «نحن بدنا ونحن فينا» لكن من دون أن تحدد «كيف فينا».

 

وتليهما الكتائب بحملة واسعة تحت شعار «ما منساوم» التي استبدلت أو التخيير بواو العطف التي تجمع المعطوفين تحت حكم واحد وعلى قاعدة the winner takes it all. حملات جديدة طرأت على المشهد الانتخابي بعضها بخجل مادي ومعنوي وبعضها الآخر بزخم مالي واضح. سوا للبنان وتحت رعاية «رجل الأعمال» بهاء الحريري اقتحمت لوحاتها الإعلانية بسخاء ساحات بيروت والضواحي وبعض طرابلس وشعارها «صوّت ضدن» فهي تعرف العدو لكنها لم تجد الصديق بعد. حملة «مشروع وطن الإنسان» تحت جناح النائب المستقيل نعمت فرام اختارت السعادة شعاراً لها وهمها سعادة المواطن لا سعادة النائب في وطن نسي فيه المواطن معنى السعادة واستبدلها بلقمة العيش. اختصرت حملتها بإعلان تلفزيوني فاضل في مدينة «اوتوبية» لا تزال تؤمن بالسعادة كإيمانها بالفوط الصحية. الحملة البرتقالية يبدو وكأنها ملت الأعمدة وابتعدت عنها ولم تتوضح شعاراتها بعد لأنها أدت قسطها للعلا ووفت بكل وعودها وما عاد لديها ما تعد به ناخبيها. ومثلها الصديق اللدود حركة أمل التي لا تجد نفسها بحاجة الى شعار للوصول الى المجلس فالمجلس كله تحت أمرها. الحزب الاشتراكي منكفئ في شعاراته ربما يفصلها على مقاس تحالفاته، أما قوى التغيير فبولا يعقوبيان اختصرتها بشعار « منكفي» وسقطت عنه سهواً و»منوفي». أما «حزب الله» فلا جديد عنده ليقوله، فهو ماض بنهجه ومقتنع به شاء من شاء وأبى من أبى وهذا ما يختصره شعاره «باقون نبني ونحمي»

 

بكفّي شعارات

 

الإعلامية ليال أبو موسى المرشحة عن دائرة الشمال الثالثة ضمن ائتلاف شمالنا وجدت لحملتها شعاراً يختصر رؤيتها لكل الحملات الانتخابية التي تقوم بها أحزاب السلطة كما تقول: «بكفي شعارات» هو الشعار التي أرادت عبره أن تقول: بكفي كذب. فالشعارات التي أطلقت في الانتخابات السابقة لم يتحقق منها شيء ولا تزال حتى اليوم مجرد وعود. معظم شعارات الحملات الانتخابية التي اختارتها الأحزاب تلامس الإلغائية وكأنها تقول أنا أو لا أحد، أنا الخلاص انا القوي انا السعادة فيما الآخرون هم الخطر فكل همهم استقطاب الناس بالتخويف ليربحوا الانتخابات فيما الناس في واد آخر لا يجدون لقمة عيش. من خلال «بكفي شعارات» ارادت ليال أن تلفت نظر الناس إلى ما تحمله الشعارات من كذب واستغلال وسعي الى فرض حالة من الخوف والقلق المستمر لطرح منقذ وخلاص. حملات تستغل قلق الناس وآلامهم، حتى انفجار الرابع من آب تم استغلاله. وقاحة ما بعدها وقاحة تجدها ليال في شعارات أحزاب السلطة وتسأل كيف يستطيعون الكذب الى هذا الحد وكيف يصل بهم اللامنطق الى هذا الحد لكن المبكي في الأمر انه لا يزال هناك اشخاص يصدقون هذه الشعارات ويتأثرون بها.

 

لم يكن صعباً على ليال أبو موسى ومجموعة الأصدقاء من حولها ان تجد شعارات تختصر برنامجها الانتخابي وما تؤمن به وطالما ناضلت من أجله لكنها وجدت أن اي طرح سيكون احد قد سرقه ليؤثر به على الناس ولو لم يكن مؤمناً به. ارادت وضع حد لموضوع الشعارات علّ المعنيين يخجلون من أنفسهم و كذبهم.

 

من يطلع على اسماء اللوائح التي أوردتها وزارة الداخلية يظن أن الدنيا بألف خير والوطن على شفير منافسة حامية بين الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية أو بين الشهابية والشمعونية ويصعب ان يستشف المتابع من أسماء اللوائح ما يمر به البلد من أزمات تهدد مصيره وكيانه. أسماء منتهية الصلاحية، خشبية تسترجع الماضي وكأن لا جديد يمكن الاختيار على اساسه.

 

المطلوب عناوين بنت ساعتها

 

الوفاء لعكار، الغد الأفضل، الأمل والوفاء، الإرادة الشعبية، معكم فينا للآخر، هيدي بيروت، الاعتدال قوتنا… وغيرها من عناوين تعود بنا الى مواضيع الإنشاء في الصفوف الابتدائية حين كنا نحفظ تعابير وجملاً إنشائية حلوة تصلح لأي موضوع. أسماء «معلوكة» ممجوجة ليست ابنة ساعتها لا تعكس حاضر البلد الذي عوّل طويلاً على الانتخابات لإحداث التغيير المطلوب

 

في زحمة الشعارات الانتخابية المتأرجحة بين المقنع والمبالغ فيه واللامنطقي نسأل ما هي معايير الحملة الناجحة وأي شعارات هي التي تصل الى الناس؟

 

سامي صعب. خبير التواصل ومدير إبداع في شركة Phenomena والناشط في صفوف الثورة يقول إن الناخبين بحاجة الى الإعلانات الانتخابية والشعارات للتعرف على اللوائح ومرشحيها في ظل قانون انتخابي غريب يفرض اللائحة والصوت التفضيلي فيها. لكن حتى تكون الحملة الانتخابية ناجحة يجب ان يكون لها معايير: أولاً أن تكون ابنة ساعتها فالشعارات التي تم استخدامها في 2018 لا يمكن أن تصلح اليوم. ثانياً أن تكون إيجابية تمنح الناس أملاً وتعطيهم دافعاً للانتخاب لأننا نلاحظ اليوم أن الناخبين يلعبون دور المتفرج بدل أن يقوموا بواجبهم باختيار ممثلين عنهم. ثالثاً وربما الأهم أن تكون صادقة غير مدعية وألّا تتضمن فلسفة وماورائيات وأخيراً أن تكون قصيرة وواضحة وسلسة تتجه مباشرة الى النقطة المقصودة، وسهلة بتعابيرها يفهمها الجيل الجديد. ويضيف صعب أنه من المهم مخاطبة المواطنين جميعهم ذكوراً وإناثاً وليس استعمال صيغة المذكر فقط كما من المهم أيضاً التركيز على مخاطبة الجيل الجديد الذي ينتخب للمرة الأولى والمغتربين والأشخاص المترددين الضائعين لدفعهم الى الانتخاب. اما الأغلاط التي ترتكبها معظم الحملات الانتخابية فهي أنها تعتمد بمعظمها مقاربة سلبية اي تدعو الناس الى التصويت ضد مشروع وليس مع مشروع، هي تقدم وعوداً لكنها لا تطرح حلولاً ولا تقدم أية رؤية لطريقة تنفيذ المشاريع التي تدعو إليها، فالتركيز هو على أخطاء الآخرين وليس على طرح الحلول وكأن لا أحد قادر على قول شيء جديد وتقديم رؤية مهمة واضحة. ففي لبنان لا احد يعرض لإنجازاته ومن ثم رؤيته وبعدها مشروعه الواضح الذي يجب ان تختصره كلمتان. فيما الحملات الانتخابية في العالم تقدم رسالة مختصرة واضحة هي عنوان لمشروع.

 

يصر سامي صعب على ان أحزاب السلطة لم تعد تقنع الناس بما تقوله وأن شعاراتها مهما تكن ستلقى رفضاً من قبل الناس الناقمين ولكن في المقابل لم تستطع المعارضة ان تتوحد في لوائح تكون هي البديل وتصنع كتلة تغييرية كبيرة وبالتالي رغم شعاراتها اضاعت المعارضة الفرصة على نفسها وعلى الناس بإحداث التغيير المطلوب، بتشرذمها أنقذت السلطة مهما حاولت ان تختبئ خلف شعارات ووعود.

 

نسأل صعب عن أبرز الحملات الإنتخابية التي تحمل معايير النجاح فيقول أن حملة «بيروت بدا قلب» التي عمل عليها تضمنت الكثير من الإيجابية فعبر كلمة قلب اختصرت معاني كثيرة ابرزها ان بيروت بحاجة لقلوب البيارتة وهي بحاجة لقلب جريء يعمل من أجلها كما أنها بحاجة لقلب الطاولة وإعادة بيروت الى ما كانت عليه من عز، كذلك حملة لائحة على متن التغيير تعتبر ناجحة لأنها تتضمن دعوة للناس الى لركوب سفينة التغيير من خلال التصويت وتحمل نفساً إيجابياً.