IMLebanon

إنتخاب ترامب «بريكست» أميركية وثوابت واشنطن اللبنانية باقية

تترقّب الأوساط اللبنانية والعربية باهتمام شديد، ما ستكون عليه السياسة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي فاجأ العالم بفوزه، خلافاً لكلّ التوقعات، ولكلّ ما اجتهدت به مؤسسات استطلاعات الرأي ومراكز الدراسات التي رجّحت فوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون حتى في الساعات الأخيرة للعملية الانتخابية.

ويصفُ سياسيون فوزَ ترامب بأنه زلزال ضرب الولايات المتحدة الاميركية، يمكن تسميته «بريكست» أميركية شبيهة بالـ»بريكست» البريطانية التي تمثّلت بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

فهذه الـ«بريكست» الاميركية اعلنَت فيها الولايات المتحدة بتصويتها لترامب ارتدادَها نحو الداخل، لأنّ انتخاب ترامب كان مفاجأة تتصل بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل بلاد «العم سام»، وجاء ردّة فعل على ما يسمّيه البعض «الغزو الملوّن» لتلك البلاد، اي الجنسيات الافريقية والشرق اوسطية والآسيوية وغيرها التي هاجرت اليها وباتت ضمن نسيجها الاجتماعي وباتت لها لوبيات مؤثرة في المجتمع الاميركي وحياته السياسية الداخلية والخارجية. ما خلقَ ردّة فعل لدى السكان الاميركيين البيض الذين أسّسوا الدولة الاميركية على أنقاض دولة الهنود سكّان تلك البلاد الاصليين.

ولذلك فإنّ مَن صوّتَ لترامب هم البيض الذين يشعرون بأنهم مهدّدون بالذوبان في ذلك «الغزو الملوّن» وهذه النزعة نحو الداخل الاميركي ستكون لها ارتداداتها على صعيد العلاقة بين «الإدارة الترامبية» وكلّ من روسيا وأوروبا، وكذلك على صعيد العلاقة مع العرب في المشرق والمغرب، فضلاً عن العلاقة مع ايران وتركيا.

ويعتقد هؤلاء السياسيون انّ موقف ترامب من الأزمة السورية ومن النظام يمكن ان يمرّ عبر ما ستكون عليه العلاقة التي سينسجها مع كلّ من روسيا وإيران، ولكن الاساس الذي سيحدّد طبيعة علاقته بسوريا هو قراره الحاسم بالقضاء على «داعش» في سوريا والعراق، إلّا انّ مشكلة سوريا كنظام مع الولايات المتحدة ليست «داعش» فقط، وإنما «جبهة النصرة» وأخواتها ايضاً، التي يعتبرها خطاب إدارة الرئيس باراك اوباما «معارضة معتدلة» ولا يزال، وإنْ كان يصنّف «النصرة» بأنّها ارهابية، فإنه في المقابل رفضَ فَصلها عن بقية التنظيمات، ودليل الرفض انّ هذا «الفصل» كان جوهرَ الاتفاق الاميركي ـ الروسي حول سوريا وتنكّر له الاميركيون، ما أدّى إلى تجميد هذا الاتفاق.

ولذلك، يَعتقد هؤلاء السياسيون، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يراهن على ان يكون هذا الاتفاق المعقود مع إدارة اوباما مادةَ البحث بينه وبين ترامب بعد تسلّمِه الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل.

أمّا البُعد اللبناني في السياسة الاميركية، فإنه معروف، وهو انّ لبنان ليس في سلّم الاهتمامات الاميركية، وهذا الأمر لم يكن سرّاً، في ولاية اوباما الأولى او في الثانية، ويمكن ان يكون كذلك في ولاية ترامب، فلدى واشنطن ثوابت معروفة في سياستها اللبنانية، فبالإضافة الى دعم المؤسسات المنتخبة والتشديد على تداول السلطة، فإنّ لدى واشنطن ثابتتين رسّختهما وعزّزتهما في فترة الشغور الرئاسي، وهما الاستقرار الامني والاستقرار المالي، الأولى عبّرت عنها من خلال دعم الجيش بقيادة العماد جان قهوجي، والثانية دعمها لمصرف لبنان بقيادة حاكمه رياض سلامة، وضمن هذين العنوانين ساعدت الجيش اللبناني وأمّنَت له بعض ما يحتاج من سلاح لمواجهة الإرهاب، وغضّت النظرَ عن قتال حزب الله في سوريا، وكذلك غضّت النظر عن التنسيق القائم بينه وبين الجيش اللبناني على الحدود في البقاع الشمالي لمواجهة «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، فضلاً عن استمرار اهتمامهما بالقرار الدولي الرقم 1701 الذي شكّلَ ولا يزال منظومة تعايش بين المقاومة والمجتمع الدولي.

وإلى ذلك فإنّ واشنطن وعلى رغم تشدّدِها في تطبيق العقوبات المالية على حزب الله وعلى تبييض الاموال والتشريعات المالية، دعَمت مصرف لبنان في ما سمّيَ «الفذلكة المالية» التي تعتبرها نموذجاً يُحتذى ويجب ان تعتمده كلّ دول المنطقة.

أمّا في ما يتعلق بالشغور الرئاسي فإنّ واشنطن غضّت النظر عن انتخاب الرئيس ميشال عون الذي تمّ بإرادة إقليمية مشفوعة ببعض الإرادات الاوروبية، إذ كان همّها إنهاء هذا الشغور، وهي تراهن على التعاون بقوّة مع عون لإعادة إنتاج مؤسسات السلطة، من حكومة ومجلس نواب وغيره، لأنّها تعتبر تعزيزَ الدولة أولوية، وغالب الظنّ أنّ هذه السياسة لن تتغيّر في عهد ترامب.