من حق اللبنانيين بل من واجبهم ان يشكّكوا في النوم على حرير المظلة الدولية للبنان في ظل كل ما تثيره حملة التحالف الدولي على تنظيم داعش من ريبة بعد طوفان دموي هذياني اطاح بحدود وجغرافيات وحضارات وجماعات. ولكن ثمة نقطة محددة في تصاعد نبرة التحذيرات الدولية من الاخطار المحدقة بلبنان والتي كان أشدها إثارة للقلق على لسان كبير خبراء الامم المتحدة في الملف اللبناني تيري رود لارسن تستدعي الإمعان في التوقف عندها. هي مسألة الغيظ الدولي من “السياسيين اللبنانيين” في أزمة الفراغ الرئاسي التي لا نعتقد ان مقاربتها الدولية تخضع لمعايير التشكيك نفسها التي قد تنسحب على خطر داعش.
العامل الفائق الاهمية في هذه المقاربة الضاغطة للمسارعة في انتخاب رئيس للبنان لم تعد تقتصر على مجرد تحديث وتلميع أدبيات في خطاب الامم المتحدة وتقاريرها الدورية حول مجموعة القرارات الأممية ذات الصلة بلبنان، بل ثمة ما يؤشر فعلا الى امرين متلازمين في تصاعد المخاوف الدولية : الاول ان المجتمع الدولي يبدو على اقتناع اكثر من اي وقت سابق بان انتخاب رئيس يمكن ان يشكل رافعة احتواء للاخطار الامنية والإرهابية. والثاني ان ثمة ذهولا حيال عدم إظهار الطبقة السياسية اللبنانية تحسّساً حاسما لخطر تقويض الاستقرار.
مع ذلك لم يعد الرهان التقليدي على ترياق يأتي من المجتمع الدولي في محله بعدما بدا لارسن نفسه شديد الصراحة في التحذير من انهيار القرار ١٥٥٩ الذي ولد يوم التمديد للرئيس إميل لحود عام ٢٠٠٤ وشكل رافعة دولية للانسحاب السوري من لبنان. اذ ان ازمة الفراغ الرئاسي التي تقترب من شهرها الخامس باتت تنذر بالتفلت حتى من أيدي القوى والدول الاقليمية القابضة عليها او المزعومة صاحبة القدرة الرئيسية في حلها او تعقيدها. ولا ندري ما اذا كانت الفوضى اللبنانية “مطلب” هذه الدول او بعضها، ام انها بداية تفكك تدريجي لقدراتها الكلاسيكية عن ضبط نفوذها في لبنان وفرضه على الخصوم.
وأما الأسطورة الاخرى المتصلة بالسعي الى ايقاظ “السياسيين اللبنانيين” فلا داعي للخوض فيها، ما دامت الأشهر السبعة منذ بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، لم تبق سوى فسحة قد تكون الاخيرة في محاولات لاستدراك الفوضى العارمة باحتواء سياسي رئاسي، لا نعلم ما اذا كانت ستشق طريقها الى النجاح قبل فوات الأوان. ولعل احدا لم يعد يراهن هنا على انتخابات رئاسية يفرضها المجتمع الدولي تحت أحكام الفصل السابع مثلا، وقت ترسم الامم المتحدة نفسها ظلال الخشية على قراراتها الخاصة بلبنان مدفوعة بصدمة هائلة من السياسيين اللبنانيين، أسوة بصدمة مماثلة لانهيار السلطة العراقية وجيشها الذي استولد الانفجار الداعشي.
فهل تراه ينفع الإنذار الأممي؟