Site icon IMLebanon

حرب الانتخابات على الأبواب وكذلك صراعات الأحزاب

 

حرب الانتخابات على الأبواب وكذلك صراعات الأحزاب

ثنائيات سياسية تطغى على الثلاثيات

والقرارات مؤجلة الى يوم تحديد الانتخابات

هل تجري الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، أم انها تجري أواخر العام الجاري، كما اقترح أخيرا الرئيس نبيه بري، في اجتماع ضمّ معظم أفراد كتلته الانتخابية؟

وهل تجرى الانتخابات على أساس القانون الانتخابي الجديد وفقا للنظام النسبي الجديد، والقانون التفضيلي الذي يعتمد للمرة الأولى في لبنان، وهل يلجأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى أسس جديدة تقود الى نظام انتخابي يمهّد لقيام حياة سياسية جديدة في البلاد، تجعله يستأثر بأسلوب غير معهود سابقا.

كان الرئيس الشيخ بشارة الخوري السبّاق الى تأليف حكومة حيادية تشرف على الانتخابات، عندما عهد بذلك، في ١٩ شباط ١٩٥١ الى حكومة ثلاثية برئاسة الرئيس حسين العويني، وضمّت الوزيرين بولس فيّاض وادوار نون. لكن الانتخابات التي سبقتها العام ١٩٤٧ كانت في ظلّ حكومة الرئيس رياض الصلح، وضمّت اليه في ١٤ كانون الأول ١٩٤٦، ثمانية وزراء وفازوا بها وهم: صبري حمادة، عبدالله اليافي، غبريال المر، مجيد ارسلان، كميل شمعون، هنري فرعون، كمال جنبلاط والياس الخوري.

في عهد كميل شمعون أشرفت حكومة رأسها صائب سلام في ٣٠ نيسان ١٩٥٣، على الانتخابات النيابية، وترشح أربعة من وزرائها الثمانية للانتخابات بيار اده، بشير الأعور، رشيد بيضون وجورج حكيم، ولم يفز في الانتخابات إلاّ الأولان. أما رئيسها والوزراء الثلاثة الآخرون جورج حكيم، جان سكاف ومحي الدين النصولي، فقد آثروا عدم الترشح. وفي انتخابات العام ١٩٥٧ التي أشرفت عليها حكومة سامي الصلح في ١٨ تشرين الثاني ١٩٥٦، فقد ترشح ثلاثة وزراء فازوا بمقاعدها هم رئيسها سامي الصلح، مجيد ارسلان والدكتور شارل مالك وأحجم الخمسة الآخرون من الترشح وهم محمد صبرا، نصري المعلوف، اميل تيّان، يوسف حتي ومحمد علي بيهم. وفي ٢٣ منه، واستنادا الى حق رئيس الجمهورية، طلب اعادة النظر في الموضوع، وفي حال رغبته في ممارسة صلاحياته يمكن لرئيس الجمهورية، اما ممارسة صلاحياته الدستورية، أو طلب التجديد لنفسه لولاية أخرى.

ويروى في هذا المجال ان رئيس الجمهورية استاء من رئيس مجلس النواب كامل الأسعد وهو ان يطلب من الرئيس الأول علنا، التجديد لنفسه.

ويقال ان اقتراح كامل الأسعد سمّاه النائب جان عزيز الاستئناس. لكن واقع الأمر بالنسبة الى فؤاد شهاب كان غير ذلك.

وبعد أيام قليلة باشر مجلس النواب الشهابي في غالبيته في الثامن من أيار العام ١٩٦٤ تحركا سريعا لادخال تعديل على المادة ٤٩ من الدستور، بعد بدء ولاية الرئيس شهاب وانتهاء ولاية كميل شمعون بعيد اعادة انتخاب فؤاد شهاب رئيسا جديدا للجمهورية. في ذلك الوقت سئل كميل شمعون في العام ١٩٥٨ لماذا لا تعلن صراحة عدم الرغبة في التجديد؟ فأجاب: لو فعلت ذلك في حينه، هل يبقى في البلاد رجل واحد يصغي الى كلامي؟

في عهد فؤاد شهاب، وبعد فشل المحاولة الانقلابية للحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة الدكتور عبدالله سعادة وتأييد من أركان الحزب: أسد الأشقر وانعام رعد ومحمد بعلبكي، قام الرئيس صبري حماده والرئيس رشيد كرامي والأستاذ كمال جنبلاط وتقي الدين الصلح وفؤاد بطرس ورينه معوض بحملة نيابية تهدف الى بقاء فؤاد شهاب في موقعه، وأيّدهم في سعيهم النواب أديب الفرزلي، وأنور الخطيب، وخاتشيك بابكيان وعثمان الدنا، وعرف ذلك الموقف بالدعوة الى تجديد ولاية فؤاد شهاب، الأمر الذي كان يتطلب تعديل الدستور للاستمرار في ولاية جديدة للرئيس شهاب الذي لم يكن راغبا في التجديد، على ما قيل عن لسانه، وخصوصا على لسان وزير الأنباء جورج نقاش.

سبق ذلك ان هدّد فؤاد شهاب، عندما تناهى اليه تحرّك النواب باستعمال حقّه الدستوري، في تأجيل انعقاد مجلس النواب شهرا، لتفويت الفرصة على ذلك العمل السياسي الكبير. ويقال انه خلال زيارة الرئيس كامل الأسعد للرئيس شهاب، خرج من عنده، وتمسّك شهاب باصراره الواضح على عدم تعديل الدستور.

في نهاية العام ١٩٦٤، دخل المرافق الخاص للرئيس شهاب عليه، وقال له ان رئيس مجلس النواب حضر مجددا الى قصر الذوق، ويريد مقابلته. استمهله شهاب نصف ساعة ثم استقبله بحضور أعضاء مجلس الوزراء.

توجه كامل الأسعد بالكلام الى فؤاد شهاب، قائلا انه آتٍ لتوّه من اجتماع لعدد كبير من النواب، وهم يودّون التوقيع على عريضة يوقّع عليها أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب، للطلب اليه الموافقة على تجديد ولايته.

ويقال ان رئيس الجمهورية أصغى بهدوء الى ما قاله كامل الأسعد ثم قال: ألا تقرأون في الصحف ما قاله وزير الأنباء جورج نقاش، ان رئيس الجمهورية لا يريد التجديد، فلماذا تلحّون، عندما يتكلم وزير في حكومتي، ولو لم أكن موافقا لما كرّر تصريحه ثلاث مرّات.

بعد انصراف كامل الأسعد، تابع مجلس الوزراء مداولاته، وبدأت معركة الاستئناس ومفادها ان كامل الأسعد، يذهب الى قصر الذوق، ويريد، في كل مرّة الاستئناس برغبة الرئيس شهاب في تجديد ولايته، ليصار الى مواقف جديدة من السادة النواب، لكن شهاب كان يمضي في معارضته للتجديد.

بعد ذلك استقبل فؤاد شهاب الوزير رضا وحيد الذي طالبه بالتجديد.

لم يجب فؤاد شهاب على طلب الوزير رضا وحيد، لكنه قال له ان الأجواء غير مؤاتية. وسأله: ألا تلاحظ ان فئة مسيحية لا تريد بقائي، صحيح ان نوابا كثيرين يريدون تجديد ولايتي، لكن كميل شمعون مع الشارع المسيحي يرفضون التجديد.

في العام ١٩٦٤، أوفد فؤاد شهاب الرائد أحمد الحاج الى الرئيس حسين العويني في قصره القريب من مطار بيروت، لابلاغ رئيس الحكومة جدّية موقفه من رفض التجديد واصراره على احترام الدستور وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وطلب من الرائد الحاج ان يبلغ رئيس مجلس الوزراء انه لا يؤيد اعادة النظر في قراره.

ويقال انه فور استقبال حسين العويني للرائد الحاج، قال له، اذا كنت تزورني طالبا منّي موقفا ضدّ التجديد أو معه فلن أفعل.

اطلعه زائره على مهمته، وصارحه بأن شهاب يرفض البقاء لحظة واحدة في الرئاسة، بعد انتهاء ولايته، ولو وقفت المياه عمودا. وبعد جلسات عديدة لمجلس الوزراء رضخ الجميع لموقف شهاب بعدم التجديد.

كان فؤاد شهاب أول عسكري ينتخب لرئاسة مدنية. وراح يقول انه ترك قيادة الجيش الى الرئاسة الأولى بإجماع لبناني، ولن يعود الى الرئاسة في خلاف لبناني، وهو أدرك انه رفض التجاوب مع رغبة الشيخ بيار الجميّل في الوصول الى الرئاسة الأولى لأنه كان يدرك حاجة البلاد الى قائد سياسي يوحّد ولا يفرّق، ورفض ترشيح سليمان فرنجيه له باسم تكتل الوسط، لأنه لا يريد ان يعود الى الرئاسة، والبلاد غير مجمعة على قياداته، وانه اختار شارل حلو لأنه سياسي من خارج المدرسة التي جاءت به الى قيادة البلاد، ولانه مثله، لا أولاد لديه، يقوم بتحضيرهم للحكم، أو للعمل السياسي.

وهكذا، بقي فؤاد شهاب ست سنوات يتفرّج على معاناة تكتل الوسط الذي وقف مع سليمان فرنجيه ضد عودته الى الرئاسة، مؤيدا من كامل الأسعد وصائب سلام، وغير مؤيد بالكامل من صديقيه: بيار الجميّل وكمال جنبلاط اللذين قاما بتقسيم نوابهما بين فرنجيه ومنافسه. لكنه، في أيامه الأخيرة، وقبل لحظات من وفاته، قال انه ندم، لعدم التجديد له، بعدما أمعن فريق سياسي في التنكيل بمعظم رفاقه القدامى في الشعبة الثانية، وفي طليعتهم العميد انطوان سعد والعقيد كابي لحود ومعظم ضباط المكتب الثاني وفي طليعتهم سامي الخطيب الذي استأذنه باللجوء الى سوريا.

هل يتكرر التاريخ مع ميشال عون أم يستمر في قبول التسوية السياسية التي قادته الى رئاسة الجمهورية بالاتفاق التاريخي مع الرئيس سعد الحريري، والتوافق الكبير مع الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية.

طبعا: الوضع دقيق وخطير ولا بد من اعادة حساب ما حدث في البلاد، بعد قرابة عام، على ولاية رئيس الجمهورية.

ويقال ان الدكتور جعجع الذي عجز عن الوصول الى رئاسة الجمهورية بترشيح من تيار المستقبل والموارنة المستقلين، ليس راضيا على استئثار التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل وزير الخارجية والمغتربين، بمعظم المناصب الأساسية.

ولعل زيارة الدكتور جعجع أخيرا الى السعودية قد تفتح الباب أمام تغييرات بدأت تظهر في صفوف وزراء حزب القوات في الحكومة، لكن زيارة جعجع لدولة الامارات العربية المتحدة وسواها قد تفتح أمامه الأبواب التي كانت مغلقة قبل سنوات.

وهذا خيار صعب المنال، لأن الدكتور جعجع لا يزال مصرّا على استمرار تفاهمه مع رئيس الجمهورية لأن الرئاسة الأولى هي دائما للأقوياء في المواقف ولا سيما بعد القانون الجديد للانتخابات النيابية الذي يعتمد للمرة الأولى النسبية والصوت التفضيلي، والتغيير في حدود الأقضية، ولا سيما في الشمال حيث أصبحت كل من أقضية الكورة وبشري والبترون دائرة انتخابية واحدة.

في ذكرى ١٣ تشرين اول، يوم أقدمت سوريا على استعمال الطيران العسكري لاسقاط العماد ميشال عون، وانتقاله الى السفارة الفرنسية في الحازمية بمبادرة من السفير الفرنسي رينه ألا، وصدور قرار العفو عنه، والموافقة على تسفيره الى مرسيليا ومن ثم الى لا هوت ميزون، تبدو الأمور متغيّرة أو في طريقها الى التغيير، ذلك ان رئيس الجمهورية العماد عون مصمم على مواصلة التحالف مع حزب القوات ومع الدكتور جعجع، لكنه مصمم في الوقت نفسه على رعايته لحزبه السابق التيار الوطني الحر، على الرغم من التباينات مع ما يتخذه الوزير جبران باسيل رئيس التيار وما يصدر عن القوات من مواقف تنطوي على تعارض في التوجهات.

ولعل البداية كانت في البترون المعقل السياسي للوزير جبران باسيل، حيث رشح الدكتور جعجع قواتيا في المنطقة خلفا للنائب انطوان زهرا الحليف الطبيعي للنائب الشيخ بطرس حرب، ثم أعلن الدكتور جعجع تأييده لترشيح رئيس بلدية جبيل زياد الحوّاط متجاهلا وجود حليف له سابق في الجرد هو الدكتور فارس سعيد.

على الرغم من وجود ثلاثة نواب في دائرة جبيل من التيار الوطني الحر هم سيمون أبي رميا، وعباس الهاشم والدكتور وليد الخوري.

طبعا، يبقى موضوع جبيل غامضا بانتظار تحديد حزب التيار من هم مرشحوه في جبيل وانفصال النائب السابق سعيد عن القوات هو محطة أساسية في الخيار الجبيلي المقعد السابق للعميد ريمون اده.

إلاّ ان العماد ميشال عون يتصرف حتى الآن كمرجع أساسي للبنانيين جميعا، وهو أب الكل وراع للجميع لا لفريق ضد فريق وهذه نقطة، أساسية في ابقاء التحالف الثنائي بين التيار والقوات.

بيد أن المعارك المقبلة في الشمال ستكون من أصعب المعارك، خصوصا في جبيل حيث لحزب الله القوة الانتخابية الشيعية الكبرى، ولحركة أمل قوة لا يستهان بها، ويمكن ان تحدّد معركة جبيل القواعد الأساسية للمعارك الشمالية.

ول حزب الله علاقات لا يستهان بها مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه والمعارك الثنائية، والمعارك الثلاثية سيكون لها دور أساسي من القرار السياسي على مستوى الشمال، وخصوصا في طرابلس، حيث الخلاف عميق بين تيار المستقبل ولا سيما بين سعد الحريري، والذين خالفوا قراره بتأييد العماد عون في معركة رئاسة الجمهورية.

ووسط ما هو شائع، فان العلاقة بين الرئيس الحريري والنائب فؤاد السنيورة في صيدا والنائب خالد ضاهر والنائب نجيب ميقاتي تمرّ في أجواء غامضة مع وزير الداخلية نهاد المشنوق والجماعة الاسلامية، وكان لتوزير النائب محمد كباره، والنائب جمال الجرّاح، علاقة بهذه التباينات قد تمتد الى نواب زحلة في القوات وبعض النواب المستقلين كالنائبين اميل رحمة وأمين وهبه وايلي ماروني.

في الحقبة الأخيرة، برز صراع قوي بين حزب الكتائب اللبنانية برئاسة سامي الجميّل وحزب التيار وحزب القوات، إلاّ ان التعاون السياسي بين الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار بزعامة النائب دوري شمعون خلق بذور أساسية بين الزعامات المسيحية، إلاّ أن التصويت على الضرائب في البرلمان خلق نوعا من التباينات انعكست سلبيا على الحرب المسيحية بين القوى الأساسية والانتخابية.

ويقال ان رئيس الجمهورية يحتفظ بشعاره الأساسي انه أب للجميع وفوق نزاعات الجميع وهذا ما يؤهله لجمع الشتات السياسي في بوتقة المصالح اللبنانية.

ويقال ان الزيارة المتوقعة للعماد عون الى الكويت والزيارة التي قام بها سعد الحريري مع السيدة عقيلته الى الفاتيكان والحفاوة التي أحاط بها الحبر الأعظم لرئيس وزراء لبنان، عززت من قناعة راسخة، بأن شعار الرئيس عون، بأن وحدة اللبنانيين ضد الارهاب، تجعل وحدة لبنان المؤلفة من العماد عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري محطة توافق دولية لا لبنانية فقط ضد الارهاب الذي سحقه الجيش اللبناني في جرود عرسال، واحة تلاق بين اللبنانيين، من كافة الطوائف ومن عموم الشرائح الشعبية.

ولعل هذه النقطة، هي الأمل الكبير، بأن يستعيد لبنان طاقاته والحضارات، لبلوغ مرحلة الانتصار على العذابات.

كان الأديب عمر فاخوري يقول قبل نصف قرن، ان المستقبل غامض، لكن الأمل كبير ومفيد، ومن شرب من الأزمات العديد من الأزمات لن يغصّ مطلقا في مواجهة المحن الصعبة، لأنه في النهاية لا بد من ان يحظى بالانفراجات.

أما الأديب عمر فروخ فكان يقول ان اللبنانيين لم يموتوا في اليأس، بل يعيشون في الآمال، وفي الآفاق التي تبدو مغلقة أمامهم.

وفي عقل فاخوري وفي تفكير فروخ ان لا شيء يبلغه الانسان إلاّ بعد تعب ومعاناة لأن الوطن لا يندحر في الأزمات بل يجود في العذاب. وهذه نقطة قوته.