«حزب الله» لمعركة تصويت.. وكتل سُنيّة في المجلس الجديد
ليس من المقدر أن يتمخض المشهد الانتخابي صباح 16 أيار المقبل عن تغيير دراماتيكي يفضي الى انقلاب في موازين القوى الحالي والأكثرية النيابية المعقودة لـ«حزب الله» ومحوره، على تناقضاته.
تتمثل صعوبة الأمر في طبيعة النظام اللبناني الانتخابي الذي يستحيل التغيير السريع عبره، لكنه يتعلق أيضا بالطبيعة الطائفية للجمهور اللبناني وللزبائنية السياسية الخدماتية وسط كارثة إقتصادية قد تكون الأكبر منذ نشوء الكيان.
طبعا يشمل الأمر كل أهل الحكم، موالاة ومعارضة، الذين يتناتشون المحاصصة تحت ستار المبدئية، ومن ثم يعقدون التحالفات المصلحية من تحت الطاولة. الأمر يستنسخ نفسه في كل دورة إنتخابية ولن تكون المقبلة بعد أسابيع مختلفة عن سابقاتها.
لكن ذلك لا يعني أن مشهد 2022 سيكون مطابقاً تماماً لمشهد 2018، فقد حملت السنوات الأربع الماضية تطورات سلبية حمّلت أهل الحكم مسؤولية الانهيار الحاصل في البلاد.
وبغض النظر عما إذا كان هذا الاتهام صحيحا أم مجحفا في حق بعض أهل الحكم الذي لم يمارسه طويلا كما غيره، إلا ان أركاناً في السلطة اليوم كانوا من المتورطين في الحرب الأهلية التي دفع اللبنانيون دماً فيها، قبل أن يُحمِّل هؤلاء اللبنانيين وأجيالهم المتلاحقة عبء دفع ديون الحرب وسرقات الكبار لموارد الدولة، وبذلك دفع اللبنانيون الثمن مرتين، في الحرب كما في السلم بعد إتفاق الطائف.
في كل الأحوال ما زال النظام اللبناني عصياً على الخرق برغم البؤس ورغم حدث 17 تشرين 2019 الذي لم يتفجر سوى بسبب هذا البؤس نفسه.
الزلزال السُنّي
على أن هذا التغير النسبي المنتظر في الانتخابات سيعود حكما الى الظروف التي حلّت بالبلاد ولا سيما نتيجة زلزال عاشته الساحة السنية بابتعاد الرئيس سعد الحريري وتنظيمه عن المشهد الانتخابي.
بنظرة أوليّة للمشهد الطائفي المقبل، سيكون علينا أولا رصد التغيير الكبير في نتيجة التصويت السني، ويليه التغيير المتمخض عن التصويت المسيحي، وجزئيا في المشهد الدرزي.
قبل ذلك وعلى الصعيد الشيعي بات «حزب الله» من أكثر المتحمسين لإجراء الانتخابات بعد مرحلة من عدم الليقين بها، وهو يُعلي اليوم شعار الإستفتاء على مشروعية المقاومة، في معركة ذات شقين: نسبة التصويت العالية، والتعويض قدر الإمكان عن التراجع، غير محدد النسبة، الذي يعاني منه حليفه المسيحي «التيار الوطني الحر».
يعلم الحزب طبيعة التململ لدى شرائح واسعة لصيقة به ستستجيب لرأي القيادة في النهاية إنتخابياً، ولذلك لم يسع إلى إجراء تغيير يذكر في وجوهه الانتخابية وسط بيئة موالية، لا بل أن تقديره للموقف يجعله ينافس على المقاعد السنية والدرزية في أكثر من منطقة عبر حلفائه.
ad
وفي استعراض طائفي لما يمكن أن ينتجه المجلس النيابي الجديد، ثمة من يرى أنه في غياب التحشيد السني المنظم، لن يكون في مقدور حزب «القوات اللبنانية» أن يتبوأ صدارة ترتيب المسيحيين، وهو مسعى كان مقدرا ان يكون محط استفهام حتى لو بقي زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في المعركة، في ظل الجفاء الحاصل مع رئيس القوات سمير جعجع.
وفي حال بقي الجفاء السني في شكل عام تجاه القواتيين كما هو عليه اليوم ولم يتدخل أي عامل لترطيبه، فإن دوائر متابعة للشأن الإنتخابي تقول إن القواتيين لن يحصِّلوا النسبة نفسها كما في 2018، والترقب سيتركز على عدد النواب الذين سيوصلونهم كون كل ما حصل منذ 17 تشرين 2019 وكل جهودهم في تبني «الثورة» لم تقنع شرائح شعبية واسعة في عدم مسؤوليتهم عن واقع الحال وانخراطهم في التحاصص السياسي، ولعل أبرز دلائله إتفاق معراب مع «التيار الوطني الحر».
بالنسبة الى التيار فهو تعرض لانتكاسة شعبية كبيرة وتركزت عليه اللعنات في إحتجاجات الشارع، لكن القدر سيقف معه في تقليص الفجوة التي حصلت مع الشارع عبر تحييد الشارع السني الذي ستتركز حملته على جعجع، كما على «حزب الله» بطبيعة الحال.
وبذلك تشير هذه القراءة إلى العونيين بكونهم سيستمرون في صدارة القوى المسيحية بعد أن تراجعوا بنسبة ملحوظة تقدر بالثلث (أقل أو اكثر ويذهب البعض الى تقديرها بالنصف). لكن تحييد الغضب السني والتحشيد الشيعي الذي لا يقتصر على «حزب الله» بل أيضا على حركة «أمل»، سيقلصان هذه الفجوة ويوصلان نوابا للتيار في أكثر من منطقة مثلما سيحافظان على مقاعد تياريّة كان من الممكن ان يفقدها التيار، كما في العاصمة والشوف وزحلة والبقاع وجبيل وربما الجنوب (جزين) وغيرها من المناطق..
على صعيد الصوت السني ستتمحور هناك المعركة الأكبر وسيتمخض المشهد عن شبه توازي في الكتل النيابية التي ستفتقد الزعامة في مشهد يقترب من ذلك الذي أفرزته إنتخابات العام 1992.. والتي لم يُعول عليها كونها جاءت في مرحلة انتقالية بعد الحرب الأهلية وقبيل عصر الحريرية.
وستتوجه الأنظار الى الكتل في البيئة المستقبلية التي ستتجابه، تلك التي يدعمها الزعيم المستقبلي سعد الحريري، أو وهذا الأهم، تلك التي تتحرك تحت لواء الرئيس فؤاد السنيورة بدعم خليجي في مسعى لتقليل حجم الخسارة وحرمان محور «حزب الله» من أكثرية الثلثين بالتحالف مع القواتيين والصقور المعادين للحزب.
درزياً سيكون على زعيم الشارع وليد جنبلاط تقبل منازعة أخصامه ومن ورائهم «حزب الله» له على حصة درزية وازنة، وهو سيجهد للتقليل من خسارته التي تعود أولا الى طبيعة قانون الانتخابات النسبي وإلى جانب ذلك تغيرات البيئة الدرزية التي يتعاطف جانب منها مع 17 تشرين.
ad
وسيحاول جنبلاط حفظ حصته الدرزية وسيخوض معركة وجود في الشوف وعاليه وفي مناطق التواجد الدرزي كما في البقاع الغربي، إلا ان كتلته ستتقلص كثيرا عما كانت عليه في الماضي البعيد وإن كان هذا التلقص يأتي بالتدريج وليس في طريقة دارماتيكية سريعة، وسط حديث لدى أخصامه بأن حصته الدرزية ستقتصر على نصف المقاعد الثمانية وهو ما قد يحتاج إلى تدقيق.
ماذا عن 17 تشرين؟
على أن السؤال الكبير سيبقى حول المجموعات والشخصيات «التشرينية».
لا شك أن المزاج الشعبي التشريني ما زال سارياً، لكنه يفتقد القيادة الواحدة والرؤية الموحدة كما خارطة طريق تجمع كل قوى «الثورة» في بوتقة واحدة.
من الصعب فرز الصادقين في الحراك عن متسلقيه من احزاب وتيارات ومن عوائل سياسية أطلت برأسها من جديد متبنية موجة «الثورة». لكن الأكيد ان وجوها عديدة وشابة ستخترق حصار الطبقة السياسية، ما سيشكل مفاجأة فريدة من نوعها في تاريخ المجلس النيابي وهي ستشكل إزعاجاً لمنظومة السلطة وتأسيساً لما هو مقبل في التاريخ السياسي اللبناني كون أي تغيير، وفي ظل نظام لبناني يجدد لنفسه باستمرار، لن يحصل في شكل راديكالي، بل بتراكم تاريخي على طريقة القضم التدريجي الذي سيتخذ معركة أجيال.
وسيتمكن المدنيون من خوض معاركهم خاصة في الشارع السني والدرزي، أما مسيحياً فالمعركة هي معركة معارضة وحراك في شكل عام يتحالفان بها مع أركان سابقين في السلطة.
وللعلم هنا بأن عدم فوز هؤلاء بمقاعد كبرى حسب المأمول، لا يعني أن الحواصل ليست متوافرة، لكن الأمر سيتعذر نتيجة الانقسامات والصراعات بين تلك المجموعات وأنانيات تشبه إلى حد كبير أنانيات أركان في السلطة.
في كل الأحوال وبغض النظر عن هوية صاحب الأكثرية النيابية، أكان محور «حزب الله» أو غيره، وحتى ما إذا كان الحزب سيظفر بأكثرية الثلثين، إلا أنه يعلم تماما ان الاكثريات، حتى المطلق منها، لا تعني حكم البلاد وهو الذي تمكن من إعاقة حكم اخصامه بعد انتخابات 2005 و2009 حين لم يكن يملك الأكثرية النيابية.
ولبنان، بلد التسويات، قد يكون صاحب الأكثرية فيه هو من سيتحمل مسؤولية تداعيات الإنهيار!