IMLebanon

الانتخابات «فِرْجي»

 

في طفولتنا كان يقصد ضيعتَنا «المُشَخّصاتي»، مشياً على الأقدام، آتياً من طرابلس، حاملًا على ظهره «صندوق الفرجي»، أو سينما ذلك العصر الجوّالة، فيتخذ من ساحة الضيعة، وأحياناً من ظلال السنديانة الدهرية، في جوار الكنيسة، مقراً له، وينادي بصوته الجهوري: تعا تفرّج تعا شوف / شوف الحالة عالمكشوف «… ويكون قد ركّز صندوقاً خشبياً فيه ثلاث طاقات زجاج تفتح على ما يماثل شاشة سينما صغيرة ولا يلبث أن يدير بيده ما يشبه «المانيفال» فتتحرك أمام العيون الناظرة، عبر تلك النوافذ الصغيرة، مشاهد بعدسة مكبِّرة، تظهر أحداثاً من التراث العربي، الجاهلي والإسلامي، كنا نستمتع بها كثيراً، مقابل خمسة قروش لبضع دقائق، وعشرة قروش للمزيد من المشاهد. وأحياناً كان الفرنك (5 قروش) والفرنكان(10 قروش) يُسْتَبْدَلان بشيء آخر، على قاعدة «قضامي بحديد».

 

استعدت في الذاكرة صندوق الفرجي، وأنا أتابع المعركة الانتخابية التي، والحق يُقال، تأخرت المواجهة، المباشرة، فيها بعض الشيء… وخلتني، وأنا استمع وأشاهد بعض الوقائع والسجالات، وكأنني على مقعد ذلك الصندوق أشاهد، واستمع إلى  «المشخّصاتيين»، في هذا الزمن، ينادوننا لنشاهد من يدّعي أنه عنترة بن شدّاد في بطولاته وحمحمة حصانه، وآخر يزعم أنه حاتم الطائي في كثرة رماد ناره، وثالث يرى نفسه الزير أبا ليلى المهلهِل و»قلب الزير قاسي ما يلينا» (…).

 

وصندوق الفرجي الانتخابي، لم يكشف أسراره كلها، بعد. فثمة الكثير مما يعدوننا به، ما يحمل طابع الإثارة والاستثارة…

 

وأمّا الكذب، والنفاق،  والادعاءات الفارغة، والبطولات الوهمية فاللبنانيون على موعد مع الكثير منها، في طالع الأيام، وإلى أن يفرجها ربك بإجراء الانتخابات النيابية العامة، على أن يسبقها (بعونه تعالى) الإفراج عن الحكومة التي وُلِدَتْ في الأسر.