عرف رئيس الجمهورية ميشال عون كيف يستفيد من المادة 33 من الدستور التي تقول: “لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه”، مستعيداً زمام المبادرة بعدما حاول مجلس النواب محاصرته بأغلبية نيابية “تفرض” فتح تلك الدورة بعد جمع أكثر من 62 توقيعاً كفيلة بالاستغناء عن “خدمات” رئيس الجمهورية في المبادرة لتوقيع المرسوم.
لكن الرئيس عون تلقّف الأمر وقرر تسهيل تلك المهمة من خلال التوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، بعد تقييد جدول أعمالها، وفق الصلاحيات الممنوحة له حسب المادة المذكورة أعلاه، فجاء برنامج أعمال هذا العقد الاستثنائي بما يلي: القوانين المصدقة والتي قد يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيها، مشاريع أو اقتراحات قوانين ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية، مشاريع القوانين التي ستُحال إلى مجلس النواب، مشاريع أو اقتراحات القوانين الطارئة والمستعجلة والضرورية المتعلّقة بالإصلاحات اللازمة والضرورية أو بخطة التعافي المالي أو بالأوضاع المعيشيّة الملحّة التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس، لا سيما القوانين الآتية، اقتراح القانون الرامي إلى تمديد العمل بالقانون رقم 200/2020، اقتراح القانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية، اقتراح قانون استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، مشروعا قانوني الموازنة العامة للعامين 2021 و2022، وعقد جلسة مساءلة الحكومة والرد على الأسئلة أو الاستجوابات الموجّهة إلى الحكومة. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ طريق بعبدا – عين التينة باتت سالكة وخالية من الألغام بعد الاتصال الذي تولاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سارع إلى الردّ على “البرنامج المعلّب” المسقط من الرئاسة الأولى للعقد الاستثنائي، من خلال التأكيد على سيادة مجلس النواب… اذ بين “حليفيّ الحليف” الكثير من الخلافات والجفاء، لا بل الكثير من الخصومات التي عبّر رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل عن بعض منها خلال مؤتمره الصحافي الأخير.
في الواقع، فإنّ سقوط التسوية التي كان يعمل عليها “حزب الله” بين بري وباسيل ليكون قرار المجلس الدستوري في الطعن المقدّم من “تكتل لبنان القوي” أول نتائجها من خلال ابعاد “سكين” غير المنتشرين عن رقبة “التيار الوطني الحر” في دوائر نفوذه، قد فعل فعله في العلاقة بين بعبدا وعين التينة. اذ إنّ باسيل يحمّل بري مسؤولية اللاقرار الذي اتخذه المجلس الدستوري لكونه لم يطلب من العضوين الشيعيين أن ينحازا لمصلحة قبول الطعن بشكل يريحه من عبء المغتربين، الذين باتوا شركاءه في الدوائر الانتخابية التي سيخوض فيها معارك شرسة وصعبة للغاية… وقد يهددون زعامته.
وهذا ما أخرجه عن طوره ودفعه إلى رفع سقف تصعيده بوجه الثنائي الشيعي، ولو بنسب غير متساوية، بين بري و”الحزب”، ولكنه بالنتيجة، وضع تفاهم مار مخايل برمته على المحك لكونه بات يتعاطى مع نتائج الانتخابات على أساس أنّ مصيره على المحك أيضاً.
ومع ذلك، يبدو أنّ الاحباط لم يصب جبران باسيل، وها هو رئيس الجمهورية يضمّن جدول أعمال العقد الاستثنائي بنداً حول مشاريع أو اقتراحات قوانين ملحة تتعلق بالانتخابات النيابية. فهل يتمّ التحضير لصفقة جديدة؟
يقول المتابعون إنّ رئيس “التيار الوطني الحرّ” لم يتخلَّ عن فكرة اخراج غير المقيمين من الدوائر الـ15 ليعيدهم إلى الدائرة 16، وهذا ما لمّح إليه في مؤتمره الصحافي الأخير حين قال: “رح نبقى نقاتل لما نحصر المنتشرين بـ128 نائباً بس بدوائرهم بلبنان ونحرمهم من 6 نواب زيادة بيمثلوهم مباشرةً بالانتشار. (الحقيقة هي انو يكون عندهم اختيار 134 نائباً بدل 128، ومش 6 نواب بدل 128 متل ما عم يشيّعوا). كمان رح نكمّل نقاتل للميغاسنتر ليقدروا اللبنانيين المقيمين خارج مناطقهم ينتخبوا وين ما بيريدوا”.
ولكن في المقابل، اعتبر النائب آلان عون في مقابلة له أمس انّ “موضوع القاضي طارق البيطار “صار ورانا” والثنائي الشيعي لم يعد يتوقّع شيئاً في هذا الموضوع وأصبح اليوم يحتاج إلى معالجة دستوريّة قضائيّة”… ذلك لأنّ “التيار” لن يكون بمقدوره مجاراة حلفائه في هذا المجال. ما يعني أنّ امكانية المقايضة لم تعد متاحة كثيراً ولن يكون هناك من “مشترين” لهذه البضاعة حتى لو قرر باسيل العودة إلى “سوق البيع والشراء”، لأنّ الاحتمال لو كان جدياً، لكن من الأسهل تنفيذه على طاولة المجلس الدستوري، فضلاً عن أنّ جدول أعمال العقد الاستثنائي لا يأتي أبداً على ذكر أي من البنود المرتبطة بالتحقيقات العدلية أو بإنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء… ما يؤدي حكماً إلى سقوط احتمال قيام أي مقايضة جديدة.