IMLebanon

حذارِ المسّ بالانتخابات

 

 

لوّح رئيس الجمهورية بعدم نيّته دعوة مجلس النواب إلى عقد إستثنائي، كرسالة جوابية على تعطيل الحكومة وشلّ حركتها. فانبرى عدد من الكتل إلى توقيع عريضة نيابية، بقصد إرغام رئيس الدولة على فتح دورة إستثنائية للمجلس النيابي، عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة /33/ من الدستور اللبناني.

 

أدرك رئيس الجمهورية أن حليفه الشيعي سيوقّع العريضة، مما سيجعل أمر تأمين تواقيع الأكثرية المطلقة مؤمّنة. فبادر إلى توقيع مرسوم دعوة المجلس النيابي إلى عقد إستثنائي، هادفاً من ذلك أوّلاً، الى تفادي تسجيل هدف في مرماه من قبل رئيس المجلس النيابي، وثانياً التحكُّم بجدول أعمال العقد الإستثنائي.

 

وبالفعل، وقّع رئيس الجمهورية المرسوم رقم /8662/ تاريخ 6/1/2022، والقاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد إستثنائي، يُفتتح بتاريخ 10/1/2022 ويُختتم بتاريخ 21/3/2022، وفق برنامج أعمال محدد، عملاً بأحكام المادة /33/ من الدستور اللبناني.

 

لكنّ المفاجأة تمثّلت بتضمين مرسوم الدعوة، وتحديداً في المادة الثانية منه، تكليف للمجلس النيابي بدراسة وإقرار: «مشاريع أو اقتراحات قوانين مُلحّة تتعلّق بالإنتخابات النيابية».

 

لم يكُن هذا الأمر لِيُشكّل صدمة، ولكنّا قد اعتقدنا (مثلاً) أن المقصود بهذا البند، إقرار تعديل المادة /118/ من قانون الإنتخابات رقم 44 / 2017، أي اقتراح القانون المقدّم من قبل تكتُّل الجمهورية القوية، بِقصد الإجازة للمغترب الإقتراع إستنادا إلى أي مستند يُعرّف عنه، وعدم إشتراط إبرازه لبطاقة هويته أو جواز سفره الصالح… مثلاً…

 

لكنّ عَطفَ ما ورد في مرسوم الدعوة (لجهة تكليف المجلس النيابي بدراسة وإقرار أي إقتراح قانون يتعلّق بالإنتخابات النيابية) على كلام رئيس تيار الوطني الحرّ الوزير السابق جبران باسيل، عن قراره بالإستمرار في معركته لِفصل صوت المغترب عن بيئته ومجتمعه، وعزله بدائرة منفيّة معزولة، يجعل من المخطّط له مكشوفا وظاهرا للعيان، ويؤكّد أن ما زرعه رئيس الدولة في مرسوم الدعوة يُشكّل لُغما مُمكِن أن يُطيح الإنتخابات.

 

فالثابت أن التيّار الوطني الحرّ يتحضّر لتقديم اقتراح قانون معجّل مُكرّر، يهدف إلى إلغاء المادة الثانية من القانون رقم 8 / 2021 والتي علّقت العمل، إستثنائيا ولمرّة واحدة، بالمواد رقم /112/ والفقرة الأولى من المادة /118/ و/121/ و/122/ من قانون الإنتخاب رقم 44 / 2017، وذلك لدورة الإنتخابات النيابية المُقرر إجراؤها في ربيع هذا العام حصرا. وبالتالي، العودة إلى الدائرة /16/ مع ما يعني ذلك من إجحاف بحق المنتشرين.

 

مما يُفيد، أن المجلس النيابي وبعد أن أقرّ تعليق العديد من مواد قانون الإنتخابات رقم 44 / 2017، وعلّق العمل بالدائرة /16/. ثُمّ عاد وأكّد على قراره بقراءة ثانية، بعد أن طلب رئيس الدولة إعادة النظر بالقانون المذكور. وبعد أن صدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة مُحدداً تاريخ الإنتخابات في السادس والثامن والثاني عشر والخامس عشر من شهر أيار المقبل، وبعد أن فُتح باب الترشيحات في 10/1/2022، جاء اليوم مَنْ يُخبرنا عن نيّة تكتُّل نيابي لتعديل القانون 8 / 2021، وبالتالي العودة إلى الدائرة /16/ مع ما في ذلك من نَسْفٍ للإنتخابات برُمّتها.

 

فهل يعلم هؤلاء أن أي إعادة إحياء للدائرة /16/ يعني إرجاء للإنتخابات إلى أجلٍ غير مُسمّى، لعدم وجود مراسيم تطبيقية وتنظيمية لهكذا إجراء؟

 

هل يُدرِك هؤلاء أن مَن تقدّم بترشيحه إستناداً إلى القانون النافذ حالياً، إكتسب حقّا مُكتسبا، وبات يستحيل تعديل القانون، بعد سريان المهل وانطلاق الإجراءات؟

 

هل يعرف هؤلاء أن الإستقرار التشريعي يُعتبر من أهم ركائز النظام السياسي في لبنان، وأن مُخالفته تُشكّل مُخالفة لأهّم القِيَم الدستورية، وتُعرّض العمل الذي يمّس به للبُطلان؟

 

مع الإشارة، إلى أنه لا يمكن المسّ بالقانون رقم 8 / 2021، لأنه دخل حيّز التنفيذ والتطبيق. ولا يمكن تعديله لأن ذلك يمسّ بمبدأ ثبات التشريع وأمانه واستقراره. فضلاً عن كَون المسّ به راهنا، بعد أن دخل النفاذ، يُشكّل طعنا بمبدأ الحقوق المُكتسبة.

 

إضافةً إلى ما تقدّم، فإن التشريع يرمي بحدّ ذاته إلى تنظيم الحياة العامة ومصالح الأفراد والمجموعات، وهو في ذلك يتكيّف مع مقتضيات هذه الحياة والمصالح ومستلزماتها وتطوّرها. كما يوفر احترام المصلحة العامة وحمايتها، كذلك، يُفترض أن يكون التشريع هادفا إلى حماية المصلحة العامة والحقوق المشروعة للأفراد والمجموعات، كما يُفترض أن يكون دائما مُحققا للصالح العام «L’intérêt general» (قرار المجلس الدستوري اللبناني رقم 4 / 2001 تاريخ 29/9/2001). فهل سلخ الاغتراب عن بيئته ومحيطه ومجتمعه وأهله يُحقق مصالح المُنتشرين في دول الإغتراب؟

 

وهل حصر هذا الإغتراب بدائرة مُنعزلة عن محيطها، يحقق المصلحة العامة لأبناء الانتشار، أم تسهيل أمر انخراطهم في مجتمعهم يحقق ذلك؟

 

وبالخُلاصة، لا يجب أن نُحمّل أبناء الإنتشار ثمن فشل مجموعة سياسية، بإبعادهم عن المُشاركة في رسم مستقبل الوطن، وإقصائهم عن هذا الحق والواجب الوطني المُقدّس.

 

فَحَذارِ المسّ بقانون الإنتخابات.

 

وحَذارِ المسّ بالإنتخابات.

 

فعقاب الشعب لن يرحم، وقد أُعذِر مَنْ أَنْذَر.