واشنطن تراهن على انقلاب الموازين.. وخيبة فرنسيّة من السياسيين اللبنانيين –
تتصرف الحكومة اليوم على قاعدة “قدّ بساطك مدّ جريك”، فهي لم تتمكن من معالجة الحدّ الادنى من الملفات الشائكة التي ورثتها من تداعيات الازمة التي ضربت البلاد منذ العام ٢٠١٩، ولم تف بوعودها اكان على صعيد فرملة الانهيار الاقتصادي والمالي، ام على صعيد التفاوض الجدي مع صندوق النقد الدولي، او تأمين الحد الادنى من التيار الكهربائي للمواطنين الذين يرزحون تحت وطأة العتمة وفواتير المولدات الكهربائية التي قصمت ظهورهم واكلت ثلاثة ارباع مداخيلهم.
وبعد استفحال ازمة مسار التحقيق في انفجار المرفأ ومقاطعة الثنائي الشيعي لجلساتها، تحولت الحكومة الى حكومة تصريف اعمال، وصارت محكومة باجتماعات غب الطلب التي لم تنجح في تسجيل اي تحسن او تقدم، لا سيما على صعيد وقف ارتفاع سعر الدولار الصاروخي وانهيار الليرة وارتفاع الاسعار وكلفة الحياة الجنوني.
وحاول الرئيس ميقاتي بعد استنفاد محاولات حل عقدة اجتماع مجلس الوزراء ايجاد مخرج عبر الموازنة لاجتماع الحكومة لكنه لم يتمكن حتى الآن من تحقيقه، مكتفيا بالرهان على احداث مفاجأة ايجابية على هذا الصعيد.
ومع اشتداد الازمة وقفزة الدولار الجنونية، يواصل ميقاتي سياسة الاعتماد على فذلكات حاكم مصرف لبنان وتعميماته التي تحولت مؤخرا الى المصارف، في اطار الرهان على تعاونها لتحويل سعر منصة المركزي الى السعر السائد بديلا عن سعر السوق السوداء او سعر المنصات الالكترونية الداخلية والخارجية المتحكمة باحوال العملة الصعبة.
ووفقا للمعلومات المتوافرة حتى الآن، فان الطريق الى انعقاد مجلس الوزراء مقفلة حتى اشعار آخر في ظل عدم تسجيل اي تطور ايجابي عل صعيد حل ازمة التحقيقات بشأن انفجار المرفأ، ولا يبدو ان هناك مخرجا قريبا لهذه الازمة بسبب فشل كل الصيغ التي نوقشت، اكان عن طريق الجسم القضائي او عن طريق المجلس النيابي.
ويخشى مصدر سياسي بارز من ان تبقى الحكومة على هذا الحال طويلا، ولا يستبعد ان تستمر الازمة الى الانتخابات النيابية، ويلفت الى ان الثنائي “امل” وحزب الله يرفضان تحميله مسؤولية ما انتهت اليه الحكومة حتى الآن، ويتهمان جهات اخرى بتفشيل كل المحاولات التي بذلت لمعالجة لتصحيح المسار القضائي لتحقيقات القاضي طارق بيطار الذي يتهمانه بانه خرج عن الاطار الدستوري والقانوني وخلق هذه الازمة.
ويشير المصدر ايضا، الى ان فكرة عودة الحكومة للاجتماع من اجل مناقشة واقرارالموازنة لم تبحث وتناقش مع الثنائي الشيعي، وربما تسرّع ميقاتي في الاعلان عن هذا التوجه وفي استنتاجه وتوقعه نجاحها . وبرأي المصدر انه لا يستطيع الجزم ان محاولة عودة التئام الحكومة عبر ممر الموازنة قد فشلت، لكنه ليس متفائلا تجاه هذا الموضوع، خصوصا في ضوء تأخر انجاز الموازنة في وزارة المال، بعد ان كان ميقاتي اعلن منذ اكثر من اسبوع عن جهوزها خلال يومين.
ويخشى المصدر ان يستمر البحث مع صندوق النقد الدولي في حلقة مفرغة في الاجتماع المرتقب معه في الاسبوع الاخير من هذا الشهر، بسبب عدم جهوز خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي، وكذلك عدم انجاز الموازنة ووضعها على سكة الاقرار في الحد الادنى.
ووفقا للاجواء والمعطيات السائدة تستبعد الاوساط المراقبة ان تحقق الحكومة انجازا جديا في التفاوض مع الصندوق الدولي قبل موعد الانتخابات النيابية اذا ما استمرت الاحوال على هذا المنوال، لافتة الى انه اعتبارا من الشهر المقبل يصبح الاستحقاق الانتخابي محور الاهتمام الخارجي والداخلي.
وفي هذا الاطار ايضا، يتوقع مصدر مطلع في الشؤون الديبلوماسية والخارجية ان تتركز اهتمامات الدول الخارجية على الشأن الانتخابي اكثر من الشأن المتصل بتفاصيل الازمة المعيشية والمالية والاقتصادية، ويشير الى ان باريس لم تهمل يوما الملف اللبناني، لكنها بعد ان اصطدمت بتعقيدات الصراعات الداخلية اللبنانية اصيبت بنوع من خيبة الامل، وتحوّلت جهودها مؤخرا الى تأكيدات ونصائح متكررة للمسؤولين وللحكومة بوجوب عودة اجتماعاتها وتسريع المفاوضات مع صندوق النقد.
والى جانب هذا الاسلوب من التعاطي مع تطورات الوضع اللبناني، يشار الى ان القيادة الفرنسية تحرص على متابعة نتائج جولة الرئيس ماكرون الخليجية الاخيرة في الشق المتعلق بلبنان، لا سيما انشاء صندوق فرنسي سعودي، انضمت الامارات لهما ايضا كما اعلن وزير الخارجية الفرنسي، لدعم الشعب اللبناني، اي تقديم الدعم خارج اطار قنوات الدولة ومؤسساتها.
ومما لا شك فيه ان باريس مهتمة، بل تعمل وتدعو الى اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، معولة على احداث تغيير يعكس تطلعات الشعب اللبناني كما عبر في ١٧ تشرين.
اما الادارة الاميركية فتكاد تحصر اهتمامها اليوم بموضوع الانتخابات النيابية، متطلعة الى احداث تغيير وانقلاب في موازين القوى لمصلحة الفريق المناهض لحزب الله الذي تدعمه بقوة وتسعى الى تنظيم وتوحيد صفوفه.
وفي اعتقاد المصدر المطلع على الشؤون الخارجية، ان اجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل والضغط بهذا الاتجاه هو على رأس جدول اهتمامات الخارج، لا سيما واشنطن وباريس والاتحاد الاوروبي عموما.
وفي ظل هذا الواقع الداخلي والخارجي، صار شبه مؤكد ان احد ابرز اهداف واسباب بقاء حكومة ميقاتي واستمراره في رئاسة الحكومة هو اجراء الانتخابات النيابية في موعدها كما تعهد للداخل والخارج، لا سيما لفرنسا والولايات المتحدة .
وكما يعبر مصدر سياسي بارز، فان الاستحقاق الانتخابي يبدو انه الهدف الوحيد الباقي عمليا على جدول الحكومة، والعنصر الاساسي لبقائها واستمرارها، مع الاشارة ايضا الى رغبة رئيسها في تحسين وضع الكهرباء بالحد الادنى وايقاف انهيار الليرة.