يتخوّف كثير من اللبنانيين من مسألة تطيير الانتخابات، إن عبر وسائل قانونية أو عبر فوضى مرتقبة في الشارع تسمح للمنظومة بالالتفاف على الاستحقاق المرتقب، والذي بات يشكل ملاذاً أو أملاً وحيداً لكثير من اللبنانيين لبدء عملية التغيير.
مع توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون العقد التشريعي الاستثنائي الذي بدأ في العاشر من الشهر الحالي وينتهي في 21 من آذار المقبل، طُرحت علامات استفهام كثيرة على خلفية السجال بينه وبين عين التينة حول أحقية وضع جدول أعمال هذا العقد. إلا أنّ الأهم، ما تضمنه مرسوم الدعوة وتحديداً في المادة الثانية منه، وهو تكليف المجلس النيابي درس وإقرار «مشاريع أو اقتراحات قوانين مُلحّة تتعلّق بالإنتخابات النيابية». أمر اعتبرته مراجع قانونية أنه بمثابة لُغم زرعه رئيس الجمهورية لإطاحة الإنتخابات، وذلك عطفاً على معلومات تقول إن «التيّار الوطني الحرّ» يستعد لتقديم إقتراح قانون معجّل مُكرّر، غايته إلغاء المادة الثانية من القانون الرقم 8 / 2021. بمعنى أوضح، العودة إلى معزوفة الدائرة 16 الخاصة بالمغتربين.
بداية، للتوضيح، ان الجدل في شأن من يضع بنود جدول جلسة العقد الاستثنائي لم يكن ضرورياً بحسب الدكتور سعيد مالك. الذي يضيف: «دستورياً وقانونياً، عندما نكون أمام عقد استثنائي، مرسوم الدعوة يحدِّد جدول الأعمال، اما خلال العقد العادي للبرلمان، فإن هيئة مكتب المجلس هي التي تحدد جدول الأعمال. وبالتالي إنّ الجدل الذي جرى خلفيته سياسية».
مالك يشرح ما تم الحديث عنه عن محاولة اعادة العمل بالدائرة 16 المتعلقة بالمغتربين، ويقول: «عندما نتحدث دستورياً وقانونياً واستناداً الى المبادئ القانونية العامة، لا يمكن المسّ بالقانون الرقم 8 / 2021، لأنه دخل حيّز التنفيذ والتطبيق. ولا يمكن تعديله لأن ذلك يمسّ مبدأ ثبات التشريع وأمانه واستقراره. فضلاً عن كون المسّ به راهناً، بعد أن دخل النفاذ، يشكّل طعناً بمبدأ الحقوق المُكتسبة. إذ ان من تقدّم بترشيحه إستنادا إلى القانون النافذ حاليا، إكتسب حقاً مُكتسباً، وبات يستحيل تعديل القانون، بعد سريان المهل وإنطلاق الإجراءات. على سبيل المثال، ان من ترشح للانتخابات ضمن دائرة معينة، فإن ترشيحه يكون بعدما تأكد له ان الانتشار سيصوّت في الداخل وهو يستفيد من هذه الأصوات في دائرته، وهو عندما تقدم بترشيحه، تقدم استنادا الى قانون يؤكد ان المغترب يصوّت في الداخل، وبالتالي لا يجوز اليوم نقض هذا الامر. وهنا نتحدث عن الاستقرار التشريعي. لكن الموضوع سياسي بحسب مالك. فإذا كان هناك من يعمل على اتفاق سياسي أو تسوية او مقايضة ما بين «التيار» وأي طرف آخر، «بيعملو العجائب»، وكما يُقال «متل ما بدو الفاخوري بيدير دينة الجرّة».
ويأسف مالك «لاننا لا نعيش في بلد قانون، بل في بلد التسويات». ويضيف: «اذا حصل وأقرّ التعديل، فسيكون عرضة للإبطال امام المجلس الدستوري لأنه يتناقض مع مبادئ قانونية عامة، لذلك، هذا سيؤدي حتما الى نسف الانتخابات». ويسأل: «اذا تم التعديل وإقرار الدائرة 16، فهل هذه الدائرة موجودة؟ اين المراسيم التطبيقية والتنظيمية الخاصة بها».
ويشير مالك إلى انه «لوجستياً لا يمكن استصدار هذه المراسيم لأسباب لوجستية. فإصدارها يتطلب أولاً انعقاد مجلس الوزراء، وثانياً تأمين ثلثي أصوات مجلس الوزراء، لأن القضايا التي تتعلق بقانون الانتخاب، تتطلب الثلثين، استنادا الى الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور، التي تتحدث عن المواضيع الـ14 الأساسية التي لا يمكن إقرارها إلا بأكثرية الثلثين، واستنادا إلى المادة 124 من قانون الانتخاب التي تتحدث عن أكثرية الثلثين لاستصدار المراسيم التطبيقية. وبالتالي، هل من عاقل يمكن ان يصدق انه يمكن تأمين الثلثين لأي مرسوم يراد استصداره بالنسبة الى ما يتعلق بتعديلات قانون الانتخاب؟».
عقيص
أما في إطار مواقف بعض القوى السياسية في حال طُرح القانون المعجل المكرر من «التيار الوطني الحرّ»، يقول عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص لـ»الجمهورية»: «الانتخابات يجب ان تحصل بأي ثمن. معركتنا هي عدم السماح بإمرار هذا الاقتراح للأسباب نفسها وبالأكثرية نفسها التي استطعنا من خلالها العودة إلى الدوائر الـ15. وغير ذلك، فليتحمل التيار الوطني الحر مسؤوليته امام المغتربين ويحصد نتيجة «الفاول» الكبير بحق شريحة كبيرة من الشعب اللبناني المقيمة في الخارج. معركتنا في المجلس بالطرق الديموقراطية لإسقاط محاولة جديدة لإمرار أمر يضر بمصلحة المغتربين».
واستبعَد عقيص تطيير الانتخابات، وقال: «القوات» مع تثبيت الانتخابات، هي حق ديموقراطي، وما نقوم به اننا نسهّل على لبنانيي الانتشار التصويت في البلدان التي يقيمون فيها وسنحارب من أجل إقرار هذا الحق. إذا استطاع «التيار الوطني الحر» تأمين الأكثرية لإعادة إمرار ما يحكى عن قانون معجل مكرر يعيد العمل بالدائرة الـ16 الخاصة بالمغتربين، فليبرّر هو ومَن انقلبوا على مواقفهم السابقة للرأي العام ما حصل. لكن احتمالية هذا الأمر ضئيلة جدا».
عبدالله
ويُعرب نائب الحزب «التقدمي الاشتراكي» بلال عبدالله عن اعتقاده بأنّ احداً في لبنان لا يستطيع تحمّل تبعات تطيير الانتخابات لا داخلياً ولا خارجياً، حتى ولو أنه ضمنياً يضمر أن لا تحصل. ويشدد على أن «الانتخابات استحقاق دستوري ملزمون بإجرائه لأسباب ثلاثة: الأول لتجديد الوكالة المعطاة للقوى السياسية. والثاني، للسماح للشارع المنتفض بتثبيت شرعيته. وثالثاً والأهم، لأنّ الاستحقاق مطلوب دوليا خصوصا أن مَد يد العون للبنان مشروط بإجراء الانتخابات».
وبغضّ النظر عما يحضّر له «التيار الوطني الحرّ»، يعتبر عبدالله أن «الوقت بات ضيقاً لتغيير المهل فيما وزير الداخلية أعلن بداية الترشيحات. لذلك، فإن أي طرف، أكان «التيار الوطني الحر» او غيره، يقدّم اقتراحاً كهذا، فإنه بذلك يتحمّل مسؤولية مباشرة تطيير الانتخابات».
وجدّد التأكيد ان الاشتراكي لطالما دعا لأن تكون انتخابات الاغتراب على الدوائر اللبنانية كافة، لأننا نؤمن بضرورة أن يستمر ارتباط الانتشار اللبناني ببلده وتواصله مع أهله في لبنان، معتبرا ان الرقم المسجل للانتخابات إنجاز تاريخي، لذا لا يجوز حصره بستة نواب فقط.
وفيما تتخوف بعض القوى من إلغاء الانتخابات، تفتقد الساحة السيادية اللبنانية الى توافق سياسي بين القوى السيادية على مشروع وطني كبير، ويقول عبدالله: «اذا كان هناك قرار بتفريغ المؤسسات الدستورية لأسباب ولغايات أخرى، منها التحضير لمؤتمر تأسيسي وغيره، فموقف الحزب التقدمي الاشتراكي لا يقدم ولا يؤخر»، مذكّراً بأن «موقف الاشتراكي في كل هذه الفترة كان وسطياً ويحاول تدوير الزوايا في كافة المواضيع، مبتعداً عن المواقف المتطرفة، لأننا متيقنون من ان امكانية التغيير السريع في لبنان ليست سهلة ضمن موازين القوى الحالية وفي ظرف إقليمي كهذا. لذلك، موقفنا وسطي وسيستمر، ولكن ضمن ثوابت وطنية، أساسها اتفاق الطائف، والاستقرار، وعلاقة لبنان مع الدول العربية وغيرها من الثوابت.
وفي حين يعتبر البعض ان هذه الثوابت، اذا لم تُحصّن بتوافق سياسي بين القوى المصنفة سيادية معرضة للسقوط. يرد عبدالله: «من يتكلمون بهذا المنطق، أين كانوا؟ لسنا نحن من قمنا بالتسوية، نحن كنا ضد التسوية، وضد قانون الانتخابات». وسأل: «هل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتركيبة والمعادلة الدولية والاقليمية اليوم تتحمل اعادة صوغ انقسام عمودي في البلد. عشنا الانقسام العمودي ونتائجه، وكان 7 أيار، والكلام الاقليمي والدولي اختفى بلحظة. ثانياً، ما جرى في مصير الشعب السوري ايضاً خير مثال. واذا كان المطلوب تنظير وشعبوية ومواقف عالية، فالحزب الاشتراكي حزب كبير ناضَل وقدم شهداء لكنه حزب واقعي، وعلّمنا كمال جنبلاط مفهوم التسوية على قاعدة حسن اختيار الطريق ووفق اي امكانات وضد اي مشروع وبأي وسائل».
«القوات اللبنانية» تقول إنها القوة السياسية الوحيدة التي سعت إلى إنتاج توافق سياسي يضم كل الفئات المصنفة سيادية. ويشرح عقيص: «منذ مطلع العام 2021، سعينا الى تحقيق هذا التوافق السياسي وعرضنا على كل القوى السيادية وعلى الشخصيات المستقلة تشكيل جبهة سيادية يكون عنوانها إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتحرير لبنان من الهيمنة الايرانية. والدليل انخراطنا اليوم في «الجبهة السيادية من أجل لبنان» التي تألفت وفق هذه العناوين السيادية الكبرى. وبالتالي، اذا كان هناك من ندم، فيجب أن يشعر به الأطراف التي كانت تعمل بطريقة شعبوية وفي شكل منفرد من دون التنسيق مع غيرها من القوى، وتأتي لاحقاً لتلقي باللوم على هذا الغير بسبب قرارات ومواقف لم تسع يوما الى التنسيق فيها والتعاون بشأنها».
وأوضح ان «البديل عن العمل السياسي والمواقف السياسية والعمل ضمن جبهة تحمل الأفكار والخطابات نفسها، والتواصل داخليا وخارجيا لشرح وجهة نظرنا وطريقة هيمنة «حزب الله» على مفاصل الدولة، وعن ضرورة اقرار حياد لبنان، هو الشارع، والقوات اليوم لا تريد استخدام الشارع ولا تريد ان تخاطب الآخرين عبر لغة الشارع».
وأكد ان «القوات تتحضّر لفرضية سقوط الانتخابات وتطييرها، ولكل السيناريوهات، إذ ان الفريق الآخر يعمل في السياسة على قاعدة «الأرض المحروقة». فهو يعطّل مجلس الوزراء، ويُحكى في هذا الإطار أنه لن يعود الى الانعقاد من الآن حتى الانتخابات. ويعمل على إمكانية تطيير الانتخابات بأعمال أمنية أو اي اعمال أخرى، وإمكانية عدم انتخاب رئيس وبقاء الرئيس الحالي في القصر الى حين تأمين انتخاب سلف له من دون ان يتم هذا الانتخاب. بمعنى آخر، القوات تتحضر للفراغ المطلق، على مستوى المؤسسات الدستورية الذي يقابله انهيار اقتصادي واجتماعي متزايد، مشيراً في المقابل إلى انه من المبكر الحديث عن الخطط التي بحوزة القوات لمواجهة هذا الموضوع. فلكل حادث حديث».