تمضي الأحزاب السياسية ومجموعات المعارضة والمجتمع المدني في اختيار مرشحيها للإنتخابات النيابية المقبلة، على أمل تشكيل لوائحها الإنتخابية بعد دعوة الهيئة الناخبة للإقتراع وفتح باب الترشيح.. كما تبحث في التحالفات الإنتخابية التي من شأنها أن تؤمّن لها الحواصل الإنتخابية التي تحجز لها المقاعد في المجلس النيابي الجديد. فكيف تبدو هذه التحالفات حتى الساعة، وهل ستشهد الإنتخابات المقبلة أخصاماً سياسيين يتحالفون في بعض الدوائر الإنتخابية بهدف ضرب ما يُسمّى بالقوى التغييرية؟
مصادر سياسية متابعة لمسألة التحضير للإنتخابات الجارية على الساحة الداخلية، أكّدت أنّ التحالفات الإنتخابية ستشهد حتماً تغييرات كثيرة فيما يتعلّق بتحالفات الدورة الماضية التي حصلت في العام 2018، وذلك له علاقة بانتفاضة 17 تشرين الأول التي حصلت في العام 2019، كما بفكّ التسوية الرئاسية التي حصلت بين العماد ميشال عون وسعد الحريري وأدّت الى وصول عون الى قصر بعبدا والحريري الى السراي الحكومي. فضلاً عن بعض الخلافات السياسية التي استجدّت ضمن كلّ من الفريقين السياسيين أي 8 و14 آذار، وبعض التباينات التي ظهرت خلال السنوات الأربع الأخيرة، ما خلط أوراق التحالفات الإنتخابية، والتي وإن لن تظهر بشكل واضح قبل تركيب اللوائح الإنتخابية وإعلانها، إلّا أن بوادرها بدأت تبدو على أرض الواقع.
وتقول بأنّ الثنائي الشيعي المتمثّل بحزب الله وحركة أمل هو الوحيد حتى الآن الذي لا يزال صامداً من دون زعزعة أو فكّ تحالفه القوي. علماً بأنّ علاقة كلّ منهما مع الأطراف الأخرى ضمن الفريق الواحد ليست على المستوى نفسه، ولهذا فقد يدعم كلّ منهما حلفاء من فريق 8 آذار، أو يعقد حلفاً جديداً مع أحد الأطراف من فريق 14 آذار في حال كانت مصلحته تقتضي ذلك. فالمفاوضات بين أخصام الأمس وحلفاء اليوم تحصل على أكثر من صعيد، وحتى الساعة لم تتوضّح جميع التحالفات في الدوائر الـ 15 التي ينصّ عليها القانون الإنتخابي النافذ رقم 44 الصادر في العام 2017، غير أنّ المشهد سيتكشّف بشكل أوضح مع شهر شباط عند بدء إعلان المرشحين واللوائح.
وتقول المصادر بأنّ حزب الله وحركة أمل يبحثان حاليّاً مع المعنيين من حلفائهما، ومن هم في دائرتهما السياسية إمكانية تبادل الأصوات في بعض الدوائر لتسجيل الحواصل الإنتخابية الممكنة. علماً بأنّ علاقة «الحزب» و»التيّار الوطني الحرّ»، أقوى منها بين «الحركة» و»التيّار»، فيما هي أفضل بين «الحركة» و»تيّار المستقبل»، منها بين «الحزب» و»المستقبل». وإذا كان الثنائي الشيعي لم يتحالف مع «تيّار المستقبل» في الدورة الماضية، غير أنّ العلاقة الجيّدة بين رئيس «حركة أمل» نبيه برّي، ورئيس «تيّار المستقبل» سعد الحريري تجعل إمكانية تبادل الأصوات من تحت الطاولة ممكناً في بعض الدوائر التي يحتاج فيها الشيعة الى أصوات السنّة، والعكس صحيح.
ولهذا يُنتظر أن يتخذ الحريري قراره النهائي في كيفية مشاركته هو وفريقه في الإنتخابات المقبلة، لجهة ترشّحه شخصياً أو عدوله عن الترشّح، كما لناحية مشاركة «تيّار المستقبل» في الإنتخابات بلوائح خاصّة وواضحة، أو ببعض المرشّحين المباشرين وغير المباشرين في لوائح مركّبة، أم لجهة دعمه لبعض اللوائح التي تحتاج الى عدد معيّن من الأصوات لتأمين الحاصل الإنتخابي.. علماً بأنّ الفريق الحليف له، لم ينسج حتى الآن أي علاقة إنتخابية معه في انتظار إعلان قراره.
وتجد بأنّ القرار النهائي يتوقّف على موقف السعودية، فإذا قرّرت أن يكون الحريري هو من يمثّلها، ويمثّل الطائفة السنيّة في لبنان، فسيخوض عندها الإنتخابات شخصياً، الأمر الذي سيجعل جميع القوى السنيّة الأخرى تنضوي تحت عباءته بمن فيهم شقيقه بهاء الدين الحريري وتيّاره «سوا للبنان». أمّا الثنائي الشيعي فسيتحالف مع حلفائه في 8 آذار، على ما عقّبت المصادر نفسها، كما أنّه سيكون مع ما تفرضه بعض الخصوصيات في بعض المناطق، ما يعني أنّه قد يتحالف مع أحد أطراف الفريق الآخر الذي يجمعه به الإنسجام والوفاق.
فالحزب سيتحالف مع «التيّار الوطني الحرّ، على ما أشارت، وكذلك مع «تيّار المردة» وبقية الحلفاء ضمن الفريق الواحد. ففي دائرة الشمال الثالثة، على سبيل المثال، يحتاج باسيل الى بعض الدعم لكي يتمكّن من تأمين الحاصل الإنتخابي والفوز بمقعد نيابي، في حال قرّر خوض الإنتخابات شخصياً ولم يبدّل رأيه في الربع الساعة الأخير، وأي تحالف معيّن قد يؤمّنه له. فيما بإمكان قوى التغيير مع بعض التحالفات الحصول على مقعدين نيابيين في كلّ من الكورة والبترون.
أمّا في عكّار، فيبدو «تيّار المستقبل»، بحسب بعض الإحصاءات متراجعاً بعض الشيء، وكذلك «التيّار الوطني الحرّ» الذي يحتاج الى التحالف مع مرشّح علوي قوي أو مع مرشّح قومي لتأمين الحاصل. فيما ثمّة صعوبة لـ «القوّات اللبنانية» أن تؤمّن الحاصل، وإن تحالفت مع «تيّار المستقبل». وقد تتمكّن مجموعات المعارضة من إحراز مقعدين في طرابلس، في حال عرفت كيف تتوحّد، وهذين يخسرهما «المستقبل»، كما يُسجّل بهاء الدين موقعاً فيها.
وفي الشوف وعاليه، يبدو أنّ قوى التغيير موجودة بقوّة أيضاً، على ما نقلت عن بعض المعلومات، وستواجه «القوّات» و»الإشتراكي» اللذين أعلنا عن تحالفهما، كما رئيس الحزب اللبناني الديموقراطي النائب طلال إرسلان الذي يرجّح أن يُحافظ على مقعده. وستحافظ «القوّات» على مقاعدها في الشوف، وتتراجع بعض الشيء في عاليه. كما أنّ قوى التغيير ستحرز بعض الإنتصارات في كلّ من زحلة، وجزّين وبيروت.
أمّا المعارضة السنيّة، فلن تتمكّن من الحصول على مقاعد نيابية إلّا من خلال بهاء الدين الحريري، لا سيما إذا ما قرّر شقيقه سعد عدم الترشّح. فتحالف الجماعة الإسلامية مع «تيّار المستقبل» سيؤمّن مقعداً لهما. في الوقت الذي سيشهد فيه «التيّار الوطني الحرّ» تراجعاً في دوائر عكّار وزحلة وبيروت الأولى، على ما أضافت، مع تراجع محدود في المتن لا سيما بعد خسارته لأصوات النوّاب الذين استقالوا من «تكتّل لبنان القوي» وقرّروا الإنضمام الى الثورة. أمّا المقاعد التي سيخسرها باسيل فلن تصبّ لصالح «القوّات اللبنانية» إنّما لصالح قوى التغيير أو بعض التقليديين أمثال نعمة افرام وميشال معوّض و»الكتائب اللبنانية» التي قد تحصّل على مقعدين أو ثلاثة، إضافة الى مقاعدها السابقة. وفيما سينجح «التيّار» بشكل واضح في كسروان، ستتراجع «القوّات» أيضاً في المتن وزحلة، وتُحافظ على حجمها السابق في بيروت، وفي الشمال الثانية كون البترون ستُشكّل أكبر قوّة وليس بشرّي.
ورأت المصادر عينها بأنّ لا شيء مؤكّداً حتى الآن، فمسألة الربح والخسارة لا تزال تُدرس من قبل كلّ الذين سيخوضون الإنتخابات. أمّا التحالفات من تحت الطاولة فقد تكون أهمّ من تلك المعلنة فوقها. كذلك فإنّ الإقبال على الإنتخابات هو عامل مهم، ولهذا تسعى الأحزاب الى شدّ العصب الطائفي لتشجيع مناصريها على الإقبال على صناديق الإقتراع. علماً بأنّ الشعب لم يعد مقتنعاً بأي من المرشّحين، أكانوا حزبيين أم مستقلّين، بعدما افتقر وجُوّع وفقد عمله بسبب سياسات الحكومات الخاطئة. غير ان إمكانية تأثير «الإنفاق الإنتخابي» من قبل الأحزاب بشكل كبير على مسار الإنتخاب، كما على تبديل مواقف الناخبين، واردة بشكل مهم، لا سيما مع الوضع الإقتصادي والمالي المنهار الذي جعل 70% من اللبنانيين دون خط الفقر.