IMLebanon

تصدُّع الإنتخابات

 

 

لم تكن صدفة، ان يسارع المسؤولون وكبار الساسة، الى لملمة تداعيات عزوف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري عن المشاركة بالانتخابات النيابية المقبلة، وتدارك مفاعيله السلبية المحتملة على العملية الانتخابية كلها، خشية التشكيك بنتائجها او تعطيل مفاعيلها. وقد لوحظ ان بعض الاطراف، يتهيب خوضها منفردا، تجنبا لخسارة مقعد هنا، او هناك. فيما البعض الآخر من حلفائه القدامى، تعوّد ركوب حافلة التحالفات في محطاتها، ومغادرتها متى يشاء،  دون ادنى اي التزام بمقتضيات التحالف.

 

اما حال الخصوم الذين يذرفون دموع التماسيح، لم تكن افضل من حال الحلفاء السابقين، ليس اسفا على عزوف الحريري، بل حفاظا على مكاسب حققوها  بالسلطة جراء تعايشهم مع سلاح حزب الله، وعلى فوائد جنوها سابقا من التسويات الظرفية، ولكن سرعان ما انقلبوا على تعهداتهم، وباعوا مصلحة البلد ومستقبل شعبه، مقابل الاستئثار بوزارة تدر ذهبا هنا، او موقعا وازنا هناك.

 

القاسم المشترك للجهتين، المحافظة على ممالكهم داخل الدولة،دون تقديم اي تنازلات، لمصلحة الوطن، او الاتفاق على رؤية او خطة محددة، او مشروع للنهوض بالبلد، مقابل  التغاضي عن هيمنة سلاح حزب الله على مفاصل الدولة ومقدرات البلد،والتسليم بالوضع الراهن، بلا اي اعتراضات، او حتى جهد متواضع للتغيير نحو الافضل.

 

هكذا، اطاحوا بالمبادرة الفرنسية للانقاذ، واضاعوا فرصة تأليف حكومة الأخصائيين، بالتعطيل والعرقلة، كل تحت شعار مصلحته  الخاصة، وعمقوا هوة الانهيار المالي والاقتصادي، و تسببوا بتدهور معيشة الناس الى مستويات غير معهودة بتاريخ لبنان.

 

اليوم، فجأة  استفاق  رئيس الجمهورية ميشال عون، واعتبر بأن مشاركة اهل السنّة ضرورية في الانتخابات، وان وجودهم بالحياة السياسية ضروري،  ولا بد من تضافر جميع الجهود لانقاذ لبنان، في حين تجاهل او تناسى عمدا، ممارساته بتجاوز الدستور والتعطيل الممنهج لتشكيل الحكومات  ومؤسسات الدولة، وتصرفاته الرئاسية، التي اخلت بموازين القوى السياسية، طوال السنوات الخمس الماضية، واوصلت لبنان الى قعر الهاوية.

 

قبله، رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يحبذ عزوف الحريري عن الترشح للانتخابات النيابية، بينما اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ان قرار زعيم تيار المستقبل محزن» ونفتقد به ركيزة للاستقلال والاعتدال ويطلق يد حزب الله وايران بالسيطرة على لبنان».

 

وهكذا اكتملت سلسلة ردود فعل رئيس  حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بإبداء الأسف لقرار الحريري ظاهريا أيضا، مع التكتم على النوايا والأهداف المضمرة تجاهه. وبالمقابل تسارعت خطى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، في تحركات متسارعة، لتدارك مفاعيل عزوف الحريري والتاأيد على مشاركة اهل السنّة بالانتخابات النيابية المقبلة خلافا لكل ما يتردد عكس ذلك.

 

لماذا تسارعت التحركات على هذا النحو، وتلاقت على الخشية من مقاطعة الانتخابات؟

 

يعرف جميع الذين تداعوا لاستدراك مفاعيل قرار الحريري بالعزوف عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، من جميع الاطراف المعنيين، مقدار التأييد والتعاطف الشعبي الواسع مع قراره في العديد من الدوائر الانتخابية التي يتمتع بها التيار بجمهور وازن ومؤثر على مساحة لبنان كله، وما يمكن ان يؤدي الاستنكاف أو الامتناع عن المشاركة بالانتخابات النيابية المقبلة على نطاق واسع، من خلل بالتمثيل السياسي، وما قد يترتب عليه من تشكيك بصدقية العملية الانتخابية ومفاعيلها المستقبلية.

 

قد تكون هذه التحركات الاستباقية للالتفاف على اي محاولة لمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة شعبيا، مهمة وضرورية لتأمين مشاركة واسعة، برغم ان الحريري حصر قرار العزوف به وبتياره، ولم يدعُ،لا من قريب ولا من بعيد لمقاطعتها شعبيا. الا ان الاهم من كل ذلك، هو التصدي للسبب الاساس، لقرار العزوف وهو النفوذ الايراني الذي يمارسه حزب الله بسلاحه ضد اللبنانيين، من خلال حلفائه بالسلطة، وتبني استراتيجية وطنية لمواجهة هذا النفوذ وتخليص لبنان منه، لئلا تبقى نتيجة اي انتخابات نيابية، رهينة لهذا السلاح غيرالشرعي، ولا تعبر عن تطلعات اللبنانيين واهدافهم. ومن دون وجود هذه الرؤية الواضحة، تبقى جميع المحاولات والمساعي، للمشاركة الشعبية بالانتخابات قاصرة عن تحقيق اهدافها بقيام الدولة لجميع اللبنانيين من دون استثناء.